هكذا تحول لبنان لـ"مقاطعة إيرانية" بقوة حزب الله

هكذا تحول لبنان لـ"مقاطعة إيرانية" بقوة حزب الله


14/01/2018

“مقاطعة إيرانية يديرها تنظيم شيعي لبناني”، هكذا وصفت الكاتبة ايفيلين كوردون الأوضاع في لبنان في مقالة لها على مجلة “كومنتري” الأمريكية تتحدث فيها عن “سيطرة حزب الله المطلقة” على القرارات الحكومية اللبنانية.

وتعتقد “كوردون” أن حزب الله يستخدم الحكومة الائتلافية برئاسة سعد الحريري غطاءً لممارساته الداخلية “العدوانية” ومغامراته الأجنبية في الدول الشرق أوسطية المجاورة.

مقاطعة إيرانية

لو أردنا كتابة قائمة أمنيات للسياسية الخارجية الدولية لعام 2018، فسنضع على رأس أولوياتنا إنهاء الوهم القائل بأن لبنان بلد مستقل وليس ولاية من ولايات إيران. في الحقيقة، تحولّ لبنان إلى مقاطعة إيرانية يحكمها فيلق إيران الأجنبي حزب الله، مستفيدًا من السياسية الخارجية الغربية التي تُحافِظ على هذا الوهم من منطلقِ نوايا حسنة.

ترغب الدول الغربية بحماية المدنيين اللبنانيين من عواقب استفزازات حزب الله العسكرية في الداخل وفي الدول المجاورة، إلا أن هذه السياسة، للأسف، مكّنت الحزب من تدمير العديد من دول الإقليم، متمتّعًا بحصانة غريبة وإفلاتٍ من العِقاب. ونتيجة لهذا التهوّر، فإن التنظيم الشيعي يمهّد الطريق أمام تدمير لبنان نفسه.

تواطؤ غربي

إن حماية لبنان من عواقب سلوك حزب الله محطّ إجماع إقليمي، وقد تجلّى ذلك بوضوح في محاولة السعودية إسقاط ورقة التوت عن الوضع المأساوي في لبنان، وإنهاء خديعة حزب الله وتظاهره بعدم السيطرة على لبنان، من خلال حث رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري على الاستقالة. وللأسف، شهدنا بعض ردود الفعل الغربية التي طالما وفرت الحماية للنفوذ الإيراني في لبنان.

ولكن الغرب لم يُبدِ مخاوف مشابهة إزاء العديد من الدول الشرق أوسطية التي عمل التنظيم الشيعي على نزع الاستقرار فيها لعدة سنوات. فقد دخل الآلاف من قوات حزب الله إلى سوريا وشاركوا في الحرب الأهلية، وساعدوا نظام الأسد على ذبح مئات الآلاف من المواطنين السوريين. كما وأرسل حزب الله قواته إلى اليمن لدعم المتمردين الحوثيين في الحرب الأهلية هناك، إذ شارك بشكلٍ نشطٍ في إطلاق الصواريخ البالستية على السعودية، وفقًا للتقارير عدة.

ولم يكتفِ حزب الله بهذا التدخلات في المنطقة، بل عمل أيضًا على تدريب الميليشيات الشيعية في العراق، وقاتل إلى جانبها بشراسة. وبالإضافة إلى ذلك، عمل على تطوير ترسانة عسكرية قوامها أكثر من 150,000 صاروخٍ أكبر من تلك التي تمتلكها الجيوش التقليدية. 

قوة فيتو

صحيحٌ أن حزب الله ليس الحزب الحاكم الرسميّ في لبنان، ويكتفي بكونه جزءًا من حكومة ائتلافية يقودها سعد الحريري، المنتمي إلى فصيل منافس، إلا أن التنظيم الشيعي يتمتع بقوة الفيتو على جميع القرارات الحكومية اللبنانية، ويمثل قوة عسكرية تهيمن على البلاد.

وبالطبع، لا يملك الحريري أية سلطة أو قدرة على إيقاف حزب الله عن إرسال قواته إلى جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط.

ومن بعض الأمثلة الصغيرة التي تبين عجز الحريري أمام جبروت حزب الله، بثّ فيديو في أوائل كانون الأول / ديسمبر عام 2017 يُظهر قيس الخزعلي، رئيس ميليشيا شيعية عراقية، مصحوبًا بعناصر من حزب الله على الحدود اللبنانية الإسرائيلية. حينها، اعتبر الحريري الزيارة “انتهاكًا صارخًا” للقانون والسيادة اللبنانية، وأمر الجيش اللبناني بضمان عدم تكرار مثل هذا الحادث.

ولكن بعد بضعة أسابيع، وللتأكيد على عجز الحريري، قام حزب الله باصطحاب زعيم بارز آخر من ميليشيا شيعية سورية إلى الحدود، وحَرَصَ على تصوير المشهد، بغرضِ توجيه رسائل حول سيادته المطلقة على لبنان.

وهم استقلال لبنان

وبرغم العديد من الأدلة الواضحة على سيطرة حزب الله الشيعي على لبنان برمّته، لا زال الغرب يصرّ على وهم استقلال لبنان، على اعتبار أن بيروت مستقلّة بطريقة ما عن حزب الله. وبذلك، فإن الدول الغربية قد مكنت الحزب فعلًا من ممارسة ابتزازه داخليًا وعدوانه خارجيًا بطريقة غير مباشرة.

وبفضلِ هذا الوهم، يُقدم الغرب مئات الملايين من الدولارات على شكلِ مساعدات مدنية وعسكرية إلى لبنان. وبالطبع، من شأن المساعدات المدنية التي قدّمها الاتحاد الأوروبي في السنوات الأخيرة، والتي تُقدّر بأكثر من مليار دولار أمريكي، أن تعفي حزب الله من الحاجةِ إلى تحمل عواقب أفعاله من الناحيتين المالية والأخلاقية.

وهذا ما شجع الحزب على مواصلةِ حربه إلى جانب النظام السوري، الأمر الذي دفع الملايين من السوريين إلى الهروب من المعارك المميتة.

وبالإضافة إلى ذلك، شكّلت المساعدات العسكرية الأمريكية إلى لبنان فرصة سانحة أمام الحزب لاستغلالها والاستفادة منها، من خلال الحصول على تدريبات ومعلومات استخبارية ومعدات عسكرية وقدرات قتالية أخرى؛ ذلك أن الجيش اللبناني يتشارك كل ما يحصل عليه مع حزب الله، سواء كان ذلك طواعية أو تحت إجبار قوة الحزب العاتية.

وبفضلِ هذا الخيال، قام الغرب بتخفيف العقوبات مرارًا وتكرارًا عن حزب الله بأساليب غير مباشرة، بل ومارس ضغوطًا على دول أخرى لتجنب معاقبة لبنان إزاء تدخلات الحزب السافرة. وهذا بالطبع سمح له بمواصلة شنّ حروبه الأجنبية دون دفع أي ثمن. ولو لم يحدث ذلك، لاضطرت قيادة الحزب إلى التفكير مرّتين قبل الإقدام على مغامرةٍ أجنبية.

منع حرب مدمرة

بعيدًا عن دوره في زعزعة استقرار دولٍ شرق أوسطية أخرى، يشكل حزب الله خطرًا داهمًا على اللبنانيين، من خلال سياساته العسكرية التي ستجرّ البلد إلى حرب وشيكة مع إسرائيل، وهذا يعني فقدان أرواح آلاف المدنيين قريبًا. وليس هناك ما يردع إسرائيل عن استهداف المدنيين اللبنانيين طالما احتفظ الحزب بآلاف الصواريخ الفتاكة. ستكون النتيجة خسائر بشرية كبيرة، بسبب تكتيك الحزب الذي يدمج عناصره وأسلحته في مناطق مدنية سكانية أوقات الحرب، فضلًا عن تدمير البنية التحتية اللبنانية.

إن السبيل الوحيد لمنع مثل هذه الحرب المدمرة هو مراجعة السياسات الغربية التي مكّنت حزب الله من النموّ إلى هذا الحدّ الوحشي. وهذا يعني ممارسة ضغوط كبيرة عليه، حتى لو أضرّ ذلك بشيء من اقتصاد لبنان.

لا بدّ من استهداف تجارة حزب الله في المخدرات، ومعاقبة المصارف اللبنانية التي تتستر على تعاملاته المالية. فهذا من شأنه أن يُبقي الحزب منشغلًا بقدرته على البقاء، وسيحرمه من القدرة على خوض مغامرات أجنبية مستقبلية. وعلى الغرب أيضًا أن يعلن صراحة تحمّل حزب الله المسؤولية عن أي حرب مدمرة على لبنان.

لقد أدت السياسة الغربية إلى تعزيز مكانة حزب الله، ومن الغباء الاعتقاد بأن استمرارها سيؤدي إلى نتائج مختلفة. لقد تحوّل لبنان بالفعل إلى شركة مملوكة لإيران بشكل كامل، وعلينا أن نعترف بذلك، ليس من أجل الدول المجاورة فحسب، بل من أجل إنهاء معاناة اللبنانيين كذلك.

عن"كيوبوست"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية