مصر.. صناعة التطرف

مصر.. صناعة التطرف


28/11/2017

مختارات حفريات

تنظيم داعش فى مجلته الإلكترونية النبأ نشر حواراً لمن سماه أمير مركز الحسبة بولاية سيناء توعد فيه الطرق الصوفية بالانتقام منها وخص بالذكر الطريقة الجريرية ومركزها مسجد الروضة بسيناء.

لا أشك لحظة فى قدرة قواتنا المسلحة والشرطة على مطاردة الإرهابيين في أي مكان، والثأر منهم، واجتثاث الإجرام الإرهابى من جذوره مهما يطل الزمن، لكن هناك معركة أخري تحتاج منا إلى انتباه أكثر وجهد أكبر، حتى لا تظهر أجيال جديدة من الإرهابيين، هى معركة مواجهة صناعة التطرف والقضاء عليها، فالإرهاب هو عرض لمرض التطرف، والأفكار المتطرفة هى اللبنة الأساسية للإرهاب، ولن نتخلص من الإرهاب ونطمئن إلى الحاضر والمستقبل إلا بالقضاء على كل منابع التطرف.

وفى قراءة سريعة للمذبحة الإجرامية بمسجد قرية الروضة بشمال سيناء، سنجد أن الأفكار المتطرفة هى الأساس الذى بنى عليه الإرهابيون جريمتهم البشعة، وانا لست مع المعالجة السطحية للأمور والاكتفاء بالقول بأن هؤلاء ليسوا مسلمين ولا يعرفون فداحة مايفعلون .. الخ.

الحقيقية أن هؤلاء ـ أيا كانت أفعالهم ـ مؤمنون بأنهم ينتمون للدين الإسلامى، ويعتقدون أنهم بذلك يطبقون أحكامه من خلال تبنيهم عقيدة متطرفة تقوم على تكفير كل مكونات المجتمع، وإذا تجاهلنا هذا الأمر ولم نتصد فورا وبقوة لأسباب انتشار هذه العقيدة المتطرفة لدى البعض، فستظهر لدينا كل فترة أجيال جديدة من الإرهابيين الذين يعتنقون هذه العقيدة.

ومنذ عام تقريبا نشر تنظيم داعش فى مجلته الإلكترونية «النبأ» حوارا لمن سماه أمير مركز الحسبة بولاية سيناء، توعد فيه الطرق الصوفية بالانتقام منها، وخص بالذكر الطريقة الجريرية ومركزها مسجد الروضة بسيناء، وزاوية سعود فى الشرقية، وزاوية العرب فى الإسماعيلية، ووصف مؤسس الطريقة الشيخ عيد أبو جرير بالطاغوت الهالك وعقيدته بالشرك، إلى جانب علاقة الطريقة الحسنة بالأجهزة الحكومية المختلفة. أى أن اعضاء هذه الطريقة بوضوح وصراحة كفار ويجب قتلهم، بسبب عقيدتهم الصوفية وبسبب تعاونهم مع أجهزة الدولة، التى يعتبرها داعش أيضا كافرة، ولهذا كان حادث مسجد الروضة الإجرامى، ووقت صلاة الجمعة أيضا.

هنا لابد من أن نتذكر أن الأب الروحى لعقيدة تكفير المجتمع هو مفكر الإخوان سيد قطب، وفى كتاب «مذكرات على عشماوى آخر قادة التنظيم الخاص» أو «التاريخ السرى لجماعة الإخوان المسلمين» الكثير عن الفكر التكفيرى لسيد قطب، ففى صفحة 74 يقول على عشماوى: «كان المرحوم سيد قطب لا يصلى الجمعة، وقد علمت ذلك مصادفة حين ذهبت إليه دون موعد، وكانت بيننا مناقشة ومشادة حامية وأردت أن أهدئ الموقف وقلت له هيا إلى صلاة الجمعة، وقد فوجئت حين قال لى إنه يرى فقهيا أن صلاة الجمعة تسقط إذا سقطت الخلافة وأنه لا جمعة إلا بخلافة».

لقد رفض سيد قطب أداء صلاة الجمعة لأنه يعتبر نفسه فى مجتمع جاهلى كافر.

ويضيف عشماوى فى صفحة 69: «هذا الفكر كان الأم المخزية لجماعات كثيرة انتهجت هذا النهج وصارت عليه، بل زادت انحرافا عنه منها جماعة التكفير والهجرة وبعض الجماعات الأخرى حتى أن تنظيم القاعدة يعتبر فكر سيد قطب نبراسا له ودليلا يهتدون به فى وضع خططهم».

والحقيقية أيضا أن الشيخ عيد ابوجرير لم يكن مجرد مؤسس لطريقة صوفية، ولكنه كان هو وأتباعه إحدى ركائز منظمة سيناء العربية، التى أزعجت العدو الصهيونى فى حرب الاستنزاف، وقد حصل عدد كبير من أتباعه على «نوط الامتياز» من الطبقة الأولى لدورهم البطولى فى حرب أكتوبر، وتعرض كثير من رجاله للتعذيب على يد المخابرات الإسرائيلية, لذلك فإن استهداف مسجد الروضة بالتحديد كان له معان كثيرة. والحرب ضد الأفكار المتطرفة خاصة التكفيرية وعدم السماح بوجود بيئة تسمح بانتشار هذه الأفكار أمر له أولوية قصوى، وهو أمر يجب أن تتكاتف فيه كل أجهزة الدولة والمجتمع المدنى، ولابد من الاعتراف بوجود قصور كبير فى عمل أجهزة وزارة الثقافة التى يجب بأنشطتها المختلفة للقرى والنجوع أن تكون أداة مهمة لنشر الوعى والتنوير، ولن يحدث هذا ومعظم مسارح الدولة مظلمة منذ فترة طويلة، وقصور الثقافة بالمحافظات يغلب على عملها الطابع البيروقراطى بعيدا عن الإبداع واحتواء وتشجيع الشباب الموهوبين فى جميع فروع الأدب والفن والثقافة، والقاهرة والإسكندرية تحتكران المهرجانات والأنشطة الثقافية والإبداعية المهمة، والقوافل الفنية والثقافية للمحافظات اندثرت.

كما أن هناك دورا مهما لوزارة التربية والتعليم، إلى جانب مراكز الشباب ووسائل الإعلام والمنظمات الأهلية المختلفة، والمسجد والكنيسة، وكل مصرى وطنى يخاف على حاضر ومستقبل هذا البلد. المعركة طويلة، والمهمة ليست سهلة، لكن القضاء على البيئات الحاضنة لصناعة التطرف، لا تقل أهمية عن مواجهة الإرهابيين.

فتحي محمود - عن "ميديل إيست"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية