
في خطوة تعبّر عن تصعيد غير مسبوق في المواجهة مع التنظيمات المتطرفة، أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، يوم 7 تموز / يوليو 2025، عن حزمة إجراءات أمنية وتشريعية صارمة تستهدف بشكل مباشر البنية المالية والتنظيمية لجماعة الإخوان المسلمين في فرنسا، واصفًا نشاطها بأنه يمثل "تسللًا هادئًا يُهدد أسس الجمهورية".
وجاءت قرارات ماكرون عقب اجتماع مجلس الدفاع والأمن الوطني، بحضور وزراء الداخلية والتعليم والرياضة، حيث أكد الرئيس على ضرورة تجفيف منابع التمويل الإخواني، وتوسيع الصلاحيات لحل الجمعيات المشتبه بها ومصادرة أصولها.
كما أعلن عن مسودة قانون جديدة قيد الإعداد، تهدف إلى تسريع آليات الحل الإداري، وتوسيعها لتشمل صناديق الأوقاف، مع إمكانية تعيين أمناء قضائيين لتصفية ممتلكات الكيانات المنحلة.
ووفقًا لتقرير نشره المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، فإن هذه الإجراءات جاءت ردًا على ما كشفه تقرير رسمي صدر في أيار / مايو بعنوان "الإسلام السياسي والإخوان المسلمون"، والذي حذّر من اتساع شبكات الجماعة في فرنسا، وتغلغلها في قطاعات أساسية مثل التعليم، العبادة، الرياضة، والعمل الخيري.
وبحسب التقرير، تمتلك الجماعة 139 مسجدًا من أصل 2800 دار عبادة، وتدير 280 جمعية، و20 مدرسة تضم نحو 4200 طالب.
كما تعمل من خلال واجهات متعددة تستهدف المسلمين من مختلف الشرائح، بهدف إعادة إنتاج أيديولوجيتها السياسية في أطر ثقافية واجتماعية ناعمة، يصعب اكتشافها بسهولة. هذا الانتشار لا يعكس فقط بنية تنظيمية معقدة، بل أيضًا مشروعًا طويل الأمد يهدف لبناء بدائل موازية لمؤسسات الدولة.
جماعة الإخوان المسلمين تعتمد على تكتيك "التغلغل الهادئ" وهو ما يجعلها بحسب العديد من المراقبين أكثر خطورة من الجماعات العنيفة
وفي المجال الرياضي، أشار التقرير إلى اختراق 29 جمعية على صلة بالإسلام السياسي، منها خمس محسوبة على الإخوان المسلمين، تضم أكثر من 11 ألف عضو.
وعلى الرغم من أن هذا الرقم لا يُشكل نسبة ضخمة من بين 16.5 مليون رياضي، إلا أنه يعكس وجودًا ممنهجًا في فضاء اجتماعي مفتوح ومؤثر، غالبًا ما يُستخدم لتجنيد النشء وبناء نفوذ ناعم.
السيناتور ناتالي جوليه، وهي من أبرز من تابعوا هذا الملف، أكدت أن الجانب المالي هو نقطة الضعف الأخطر في مواجهة الجماعة، مشيرة إلى أن حظر التمويل في الداخل لا يكفي، إذ تلجأ الجماعة إلى تمويلات قادمة من الخارج، وهو ما يستدعي تعاونًا أوروبيًا واسعًا. واعتبرت جوليه أن الرد يجب أن يكون "جمهوريًا رصينًا" لا يسمح للإخوان باستخدام ورقة الضحية أو الاتهامات المجانية بـ"الإسلاموفوبيا".
تمتلك الجماعة 139 مسجدًا من أصل 2800 دار عبادة وتدير 280 جمعية و20 مدرسة تضم نحو 4200 طالب
من جهته، حرص ماكرون على التأكيد أن المعركة ليست ضد الإسلام، بل ضد تنظيمات تسعى إلى "اختراق الدولة وإعادة تشكيل المجتمع"، داعيًا الجالية المسلمة إلى الوقوف إلى جانب الجمهورية. وأضاف أن الحكومة ستعزز جهود تدريب الأئمة داخل فرنسا وتقليص الاعتماد على مؤسسات دينية أجنبية.
تجدر الإشارة إلى أن جماعة الإخوان المسلمين تعتمد على تكتيك "التغلغل الهادئ"، وهو ما يجعلها، بحسب العديد من المراقبين، أكثر خطورة من الجماعات العنيفة، لأنها لا تثير الشبهات الأمنية المباشرة، بل تنشئ ببطء حواضن فكرية وتنظيمية، تشكّل لاحقًا بيئة خصبة للتشدد والانفصال عن المجتمع المدني.