الإخوان المسلمون في بريطانيا: بين التغلغل المؤسسي والتردد السياسي‎

الإخوان المسلمون في بريطانيا: بين التغلغل المؤسسي والتردد السياسي‎

الإخوان المسلمون في بريطانيا: بين التغلغل المؤسسي والتردد السياسي‎


10/07/2025

تُعد بريطانيا من أبرز الدول الغربية التي احتضنت جماعة الإخوان المسلمين، إذ وفّرت لها مناخًا قانونيًا وأمنيًا سمح بتأسيس شبكات دينية ومجتمعية وإعلامية. وقد استفادت الجماعة من هذا المناخ في توسيع حضورها داخل الجاليات المسلمة، وخلق واجهات مؤسسية ذات طابع قانوني ظاهر، وأهداف أيديولوجية باطنة.

وسمحت البيئة البريطانية للجماعة باتخاذ لندن مركزًا لقيادتها بعد تضييق الخناق عليها في دول المنشأ، لتتحول إلى نقطة انطلاق لإعادة تنظيم صفوفها وتوسيع امتداداتها في الغرب. كما مكّنتها الحرية الإعلامية والتشريعات الليبرالية من التسلل إلى المجالين المدني والسياسي.

تحوّلت بريطانيا إلى مركز استقرار دائم لجماعة الإخوان، لا مجرّد محطة لجوء، مستفيدة من مناخها القانوني ومساحاتها الليبرالية منذ ستينيات القرن الماضي.

 

وقد اهتمت بدراسة هذه الظاهرة ورصد أبعادها المختلفة، دراسة صادرة عن مركز تريندز للبحوث والاستشارات بعنوان: "الإخوان المسلمون في المملكة المتحدة: شبكات النفوذ والسياسات البريطانية"، مؤكدة أن نشاط الجماعة تجاوز البُعد الدعوي التقليدي نحو التأثير السياسي والإعلامي، مشيرة إلى الغموض المستمر في تعامل بريطانيا الرسمي مع هذه الشبكات، رغم تحذيرات أمنية متكررة.

بريطانيا كملاذ استراتيجي للتنظيم

توضح الدراسة أن المملكة المتحدة لم تكن مجرد محطة انتقالية للإخوان، بل تحوّلت إلى مركز دائم لاستقرارهم وتنظيم أنشطتهم منذ الستينيات. وجاء هذا التمركز في سياق سياسي سمح للجماعة بالاستفادة من الهامش الديمقراطي والحماية القانونية، خاصة بعد لجوء قيادات مؤثرة من مصر وسوريا واليمن.

وسرعان ما تحولت لندن إلى عاصمة بديلة للتنظيم الدولي، خصوصًا بعد سقوط حكم الجماعة في مصر عام 2013، حيث لجأت أبرز الشخصيات القيادية إلى الأراضي البريطانية لإعادة تنظيم الصفوف وقيادة شبكات الدعم في الخارج.

وفّرت لندن للجماعة هامشًا للحركة، مكنها من تأسيس شبكات قانونية ظاهرًا، لكنها مؤدلجة باطنًا، تتسلل بخطاب مزدوج إلى المجالين المدني والسياسي.

 

وقد مثّلت البيئة البريطانية بيئة مثالية للجماعة، حيث وفرت لها هامش تحرك قانوني، وإمكانية بناء شبكات مجتمعية وتحالفات مع منظمات حقوقية ومؤسسات بحثية، ما ساعد على تقديم خطاب سياسي ناعم يتماشى مع القيم الغربية.

رغم ذلك، ظل هذا التمركز محل ريبة من الأجهزة الأمنية، التي رصدت ارتباطات بعض الأفراد بجهات خارجية تُصنَّف كمعادية للاستقرار، دون أن تُتخذ إجراءات قاطعة للحد من النفوذ المتنامي للجماعة.

البنية المؤسسية للجماعة في بريطانيا

تشير الدراسة إلى أن جماعة الإخوان في المملكة المتحدة نجحت في تأسيس شبكة مؤسسية معقّدة، تشمل منظمات خيرية، وهيئات دينية، ومراكز بحثية، ومؤسسات إعلامية، تُمثل واجهات قانونية لأنشطتها. وتُعد "رابطة مسلمي بريطانيا" من أبرز هذه الكيانات، إذ تأسست عام 1997 وأصبحت منصة تعبئة وتأطير للجاليات المسلمة.

تُحذر الدراسة من أن التراخي البريطاني يسمح للجماعة بإعادة تدوير خطابها، ويمنحها مساحة لاختراق الوعي العام، خاصة في أوساط الشباب المهمّشين.

ويُضاف إلى ذلك المجلس الإسلامي البريطاني، الذي يضم مئات الجمعيات، ويقدم نفسه كممثل شرعي للمسلمين، رغم تكرار التحذيرات من خلفياته الإيديولوجية وعلاقته الفكرية بالتنظيم.

أما في المجال الإعلامي، فبرزت "قناة الحوار" ومؤسسة "قرطبة"، وهما منصتان تعتمد عليهما الجماعة لنشر خطاب مزدوج: معتدل ومنفتح في المظهر، لكنه يوظف الرموز والمفردات التي تُرضي القاعدة الإخوانية.

رغم صدور مراجعات رسمية تحذّر من خطاب الجماعة المزدوج، ظلّ موقف بريطانيا مترددًا، دون قرارات حاسمة أو تصنيف قانوني ملزم.

 

هذه المؤسسات، رغم تباين اختصاصاتها، تعمل بشكل منسق ضمن استراتيجية ناعمة لتوسيع النفوذ والتأثير في الرأي العام، مع البقاء ضمن الحدود القانونية التي تحميها التشريعات البريطانية.

آليات التمويل والامتداد الاقتصادي

الدراسة ترصد أيضا حجمًا لافتًا للتمويل الذي تحظى به الجماعة في بريطانيا، وتُقدّر الأصول المالية التي تديرها ما بين 8 و10 مليارات دولار، موزعة بين تبرعات فردية، استثمارات تجارية، وشبكات تمويل عابرة للحدود.

أبرزت الجماعة وجوهًا قيادية ذات كاريزما غربية، مثل أنس التكريتي، لتقديم خطاب ناعم يحظى بالقبول، مع الحفاظ على الولاء العقائدي للتنظيم الأم.

 

وتعتمد الجماعة على التبرعات من أفراد الجالية المسلمة، إضافة إلى تمويل خارجي من دول راعية أبرزها قطر وتركيا، حيث تتداخل الأهداف السياسية والدينية في دعم هذه الشبكات.

كما أن الجماعة تدير شركات ومؤسسات تعمل في قطاعات التعليم والعقارات والخدمات، ويتم تسجيلها بأسماء قانونية مختلفة لتفادي الرقابة المباشرة. ويُلاحظ أن هذه الأنشطة تدر أرباحًا تُعاد ضخها في المجالين الدعوي والإعلامي.

تتنوع مصادر تمويل الجماعة بين تبرعات أفراد، وشبكات تجارية، ودعم سياسي من دول مثل قطر وتركيا، في تداخل بين الديني والاستراتيجي.

 

هذا التمويل القوي يمنح الإخوان قدرة مرنة على التمدد، ويشكّل مظلة تحمي وجودهم في بيئة سياسية متقلبة، خصوصًا أن جزءًا كبيرًا منه يتم تحت غطاء العمل الخيري والمجتمعي المشروع قانونيًا.

القيادات المؤثرة وتمثيل الجماعة

هذا وتسجّل الدراسة أن الجماعة استفادت من وجود شخصيات قيادية تتمتع بمكانة أكاديمية وقدرات خطابية، مكّنتها من اختراق المشهد البريطاني. ومن أبرز هذه الشخصيات الراحل إبراهيم منير، الذي مثّل القائد الفعلي للتنظيم في أوروبا حتى وفاته عام 2022.

ترصد التقديرات حجم أصول مالية بين 8 إلى 10 مليارات دولار، تُدار باسم العمل الخيري لكنها تُضخّ في مشاريع دعوية وسياسية للجماعة.

 

كما برز اسم أنس التكريتي، الناشط الإعلامي والمفكر السياسي، الذي يدير "مؤسسة قرطبة" ويُعدّ أحد الوجوه التي تجيد مخاطبة الغرب، مقدّمًا نفسه كداعية للتعددية والاعتدال، رغم خلفيته الإخوانية المعروفة.

وتُذكر شخصيات مثل محمد سودان وجهاد الحداد، اللذين أديا أدوارًا بارزة في الترويج لخطاب الجماعة داخل المنصات الإعلامية والسياسية في بريطانيا، وتمكنا من الحفاظ على الحضور رغم التضييق في بلدانهم الأصلية.

تعتمد الجماعة على خطاب إعلامي ناعم، عبر منصات مثل "الحوار" و"قرطبة"، يوهم بالاعتدال لكنه يغازل قاعدتها عبر رموز لغوية دينية مشفّرة.

 

كما تشير الدراسة إلى أن هذه النخبة الإخوانية تعمّدت تحسين صورتها أمام الرأي العام، مستفيدة من مهاراتها الاتصالية، لكنها في العمق تروّج لرؤية جماعية لا تنفصل عن مشروع الجماعة الأم.

السياسة البريطانية تجاه الجماعة: مقاربة مترددة

وترى الدراسة أن تعامل الحكومة البريطانية مع الإخوان اتسم بالتردد والتناقض، إذ لم تُصدر قرارات حاسمة رغم تقارير رسمية حذّرت من خطاب الجماعة المزدوج وصلاتها غير المعلنة بمنظمات إسلاموية متشددة.

ورغم صدور مراجعة حكومية عام 2015 حملت انتقادات مباشرة للجماعة، لم تُتّخذ إجراءات فعلية لتصنيفها كمنظمة إرهابية، بل ظلت تعمل ضمن فضاء الحريات التي يكفلها القانون.

تمثل "رابطة مسلمي بريطانيا" و"المجلس الإسلامي البريطاني" أبرز واجهات التنظيم، رغم تحذيرات متكررة من ارتباطهما الفكري بالإخوان المسلمين.

 

وقد أُعيد إدراج الجماعة ضمن “الحركات المتطرفة” في التصنيف الحكومي عام 2024، إلا أن هذا التصنيف بقي دون تطبيق عملي واضح، سواء عبر تجميد الأصول أو حل المؤسسات التابعة.

وتحذّر الدراسة من أن هذا التردد البريطاني يمنح الجماعة فرصة لمواصلة أنشطتها، ويفتح الباب أمام إعادة تدوير خطابها، خاصة في أوساط الشباب والجاليات المهمّشة.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية