
كثّفت السلطات الفرنسية من تحركاتها الرامية إلى تطويق نفوذ جماعة "الإخوان المسلمين"، معتبرة أن الجماعة تمثل تهديدًا للقيم الجمهورية وتسعى لتكريس ما يُسمّى بـ"التسلل الإسلاموي من الأسفل"، من خلال الجمعيات والمؤسسات التربوية والاجتماعية.
وتأتي هذه الخطوة في أعقاب اجتماع أمني رفيع المستوى ترأسه الرئيس إيمانويل ماكرون بقصر الإليزيه، هو الثاني من نوعه خلال أقل من شهرين، خصص لبحث آليات التصدي لهذا التهديد.
الاجتماع الذي انعقد، الاثنين الماضي، ضمّ كبار مسؤولي الدفاع والأمن، وناقش تفاصيل تقرير رسمي صدر في أيار / مايو الماضي بعنوان "الإخوان المسلمون والإسلام السياسي"، أعده دبلوماسي فرنسي سابق وأكاديمي متخصص.
ورغم الجدل الذي أثاره التقرير، خاصة مع اعتبار بعض الأوساط أن التهديد مبالغ فيه، فقد طالب ماكرون حينها وزارة الداخلية باتخاذ تدابير إضافية تتناسب مع "حجم التحدي"، وهو ما مهّد لاجتماع هذا الأسبوع الذي خرج بحزمة إجراءات وصفت بـ"الاستباقية والحازمة".
وبحسب ما ورد في التقرير، فإن خطر الإخوان لا يأتي من البنى القيادية العليا بقدر ما يتسلل عبر "البلديات" والجمعيات الصغيرة ذات الطابع الاجتماعي والتربوي، في ما يشبه عملية اختراق تدريجي للمجتمع الفرنسي. ومن أبرز الكيانات المشمولة بالمراقبة "جمعية مسلمي فرنسا"، التي خلفت "اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا"، والتي تشرف على نحو 139 مكانًا للعبادة. إلا أن التقرير ذاته أشار إلى تراجع تأثير هذه الجمعية، خاصة بعد التضييقات التي طالت نشاطاتها خلال السنوات الأخيرة.
وتعتزم الحكومة الفرنسية تقديم مشروع قانون جديد تحت عنوان "مكافحة التسلل الإسلاموي"، يضاف إلى قانوني 2017 و2021 المتعلقين بالأمن الداخلي والانفصالية الإسلاموية.
ويهدف المشروع إلى تعزيز ما تسميه السلطات "إجراءات العرقلة"، عبر مراقبة الجمعيات وتجميد أصولها المالية إن ثبت عدم التزامها بـ"عقد الالتزام الجمهوري"، وهو العقد الذي يشترط على الجمعيات احترام القيم الجمهورية للحصول على دعم مالي من الدولة أو البلديات.
هذا وتسعى باريس من خلال هذه الإجراءات إلى سد منافذ التمويل أمام الجمعيات الإسلامية المصنفة ضمن ما يُعرف بـ"خارج القوس الجمهوري"، إذ سيتم تمكين المحافظين من فرض غرامات، وسحب الدعم المالي، بل وحل الجمعيات ومصادرة ممتلكاتها في حال ثبوت انحرافها عن المسار الجمهوري.
وتتخوف دوائر أمنية وسياسية من أن تصبح هذه الجمعيات منصة لبث خطاب ديني مناوئ لقيم العلمانية والمساواة، خصوصًا في ظل تصاعد الجدل الأوروبي حول ما يُسمى بـ"نظرية الاستبدال الثقافي". ويُتوقّع أن يثير مشروع القانون الجديد معركة سياسية في البرلمان الفرنسي، الذي تفتقر فيه الحكومة إلى الأغلبية المطلقة، مما ينذر بمواجهة حامية مع الكتل المعارضة ومنظمات المجتمع المدني، خاصة تلك المدافعة عن الحريات الدينية.
ويؤكد مراقبون أن ماكرون يولي الملف أولوية قصوى، في ظل ضغط متزايد من اليمين واليمين المتطرف، ووسط قلق متنامٍ من محاولات جماعة الإخوان إعادة التموضع داخل المجتمع الفرنسي عبر قنوات ناعمة ومنظمات تعمل تحت مظلة العمل الأهلي.