سلطة الشرع: هل تكون مرحلة انتقالية لعودة داعش والجهاديين في سوريا؟

سلطة الشرع: هل تكون مرحلة انتقالية لعودة داعش والجهاديين في سوريا؟

سلطة الشرع: هل تكون مرحلة انتقالية لعودة داعش والجهاديين في سوريا؟


15/06/2025

في مرحلة ما بعد بشار الأسد في سوريا، تبدو فرص عودة تنظيم (داعش) قائمة ومتعددة، وذلك لا يرتبط فقط بوجود سلطة جديدة في دمشق تنتمي إلى تنظيم (القاعدة) الإرهابي، وقد سبق لمن يُسمّى بـ "رئيس المرحلة الانتقالية" أحمد الشرع (الجولاني) الانتماء إلى تنظيمي (داعش والقاعدة) الإرهابيين، وإنّما للترتيبات الإقليمية والدولية التي تتجه إلى منح غطاء ولو كان مؤقتاً للحكام الجدد، رغم سوابق جرائمهم ووجودهم على قائمة الإرهاب العالمي، بما يهدد الأمن الإقليمي والدولي، فضلاً عن التهديد بالانسحاب الأمريكي من سوريا. 

حتماً ينبغي على واشنطن أن تكون حذرة بشأن التعامل الكامل مع السلطة الانتقالية التي يقودها الشرع، حتى "تثبت أنّ لديها الإرادة والقدرة على قمع المتطرفين غير المنتمين إلى تنظيم (داعش) الذين شكلوا جزءاً من التحالف الذي أوصلها إلى السلطة"، بحسب المركز العربي لدراسة التطرف. علاوة على ذلك، أدى سقوط الأسد إلى تقليص الوجود الإيراني والروسي في سوريا، والذي أعاق العمليات الأمريكية ضد تنظيم (داعش) لفترة طويلة. وتشدد على أنّه من الضروري حفاظ الولايات المتحدة على وجودها العسكري في سوريا مع دعم الانتقال السياسي الذي يمكّن الحكومة المؤقتة وقوات سوريا الديمقراطية من ترسيخ أدوارهم أكثر في عمليات مكافحة (داعش).

رئيس الجمهورية العربيَّة السوريَّة للمرحلة الانتقالية: أحمد الشرع

فراغ محتمل 

يهدد انسحاب القوات الأمريكية من سوريا بفقدان المكاسب التي تحققت بشق الأنفس ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). ولم يُقضَ على تنظيم (داعش)، بل كبح جماحه الضغط المشترك للقوات الأمريكية في العراق وسوريا ولحلفائها الأكراد. سيخفف انسحاب القوات الأمريكية هذا الضغط، ويتيح لتنظيم (داعش) إعادة بناء صفوفه، على الأرجح بسرعة، إلى مستويات خطيرة. وقد أسهم الوجود العسكري الأمريكي في سوريا في احتواء التنظيم ومنعه من شنّ هجمات في الغرب، مع الحد الأدنى من المخاطر. وأتاح سقوط نظام بشار الأسد فرصاً جديدة للولايات المتحدة لإكمال مهمتها في هزيمة التنظيم. من ناحية أخرى سيخفف الانسحاب من سوريا الضغط على التنظيم ويمكّنه من إعادة بناء نفسه وإنشاء ملاذات آمنة في البلاد، وفق المركز العربي لدراسة التطرف، موضحاً أنّ هذا بدوره سيمكن التنظيم من تهديد العراق والتخطيط لهجمات إرهابية في الغرب، ممّا يفرض عبئًا آخر على اهتمام وموارد صناع القرار الأمريكيين.

ويردف: "قد يعاود تنظيم (داعش) الظهور خلال 12 إلى 24 شهراً دون وجود أمريكي في سوريا. لقد أمضى الأعوام العديدة الماضية في بناء قوته هناك، ممّا دفع القيادة المركزية الأمريكية في تموز (يوليو) 2024 إلى التحذير من أنّ التنظيم يحاول إعادة بناء نفسه. على الرغم من أنّه ما يزال غير قادر على السيطرة على المدن والقرى، يمكنه إجبار السكان على الدعم والاستيلاء على المناطق غير المأهولة مؤقتاً. إذا تُرك (داعش) دون رادع، فسيفرض تدريجيّاً سيطرة أكبر على السوريين، ويحاول الاستيلاء على المناطق المأهولة بالسكان. فالصحراء السورية الوسطى، حيث يعمل التنظيم بشكل أساسي، مناسبة تماماً لإيواء وتدريب وتنظيم قواته الحالية. لكنّ (داعش) العائد سيحاول السيطرة على المراكز السكانية للوصول إلى الموارد المالية والعسكرية، والعثور على مجندين جدد، واستعادة الاتصالات الموثوقة للعمليات في جميع أنحاء سوريا وخارجها. من شبه المؤكد أنّه سيستغل هذا الزخم لمهاجمة مراكز الاحتجاز في سوريا، وبالتالي تحرير المزيد من أعضائه. في نهاية المطاف، ومن خلال هذا المسار، سيستعيد التنظيم القدرة على التخطيط وتنفيذ هجمات في الغرب انطلاقاً من سوريا".

تداعيات الانسحاب الأمريكي 

يُشكّل الانسحاب الأمريكي من سوريا نقطة تحول محورية على مستوى الأوضاع الطارئة في سوريا، وتوازنات القوى الإقليمية والدولية بالمنطقة. فبعد أعوام من الوجود العسكري المحدود الذي ركز بشكل رئيسي على محاربة التنظيم الإرهابي، أعلن، بين الحين والآخر، مسؤولون أمريكيون مراراً نيتهم تقليص أو إنهاء التواجد العسكري في شمال وشرق سوريا. ورغم تفاوت مستويات الانسحاب، فإنّ هذه التحركات تبعث بمخاوف جمّة من تجدد خطر التنظيم الإرهابي وعودة الفوضى الأمنية والسياسية في مناطق كانت قد شهدت نسبياً استقراراً هشاً. بالتالي، تؤشر السياسات الانعزالية الأمريكية مع عودة دونالد ترامب للبيت الأبيض إلى مخاطر متفاوتة سياسية وأمنية. فالإدارة الأمريكية تضع الأولويات الاستراتيجية في مواجهة الصين وروسيا، حيث تشكلان التحدي الرئيسي للأمن القومي الأمريكي. كما أنّ هناك ضغوطاً مستمرةً من تركيا، التي تعتبر الوجود الكردي تهديداً مباشراً لأمنها القومي.

يُشكّل الانسحاب الأمريكي من سوريا نقطة تحول محورية على مستوى الأوضاع الطارئة في سوريا

ويمكن القول إنّه رغم خسارة تنظيم (داعش) المساحات الجغرافية التي سيطر عليها، وشملت أجزاءّ واسعةً من سوريا والعراق، إلا أنّه لم يُهزم بشكل نهائي. وما يزال يحتفظ بخلايا نائمة في عدة مناطق، وهي منتشرة في البادية السورية وبعض المناطق الحدودية. ويشن هجمات متفرقة تستهدف القوات المحلية والمدنيين. ومع غياب الضغط العسكري الذي توفره القوات الأمريكية، قد يجد التنظيم فرصة لإعادة ترتيب صفوفه. وقبل فترة وجيزة نجح التنظيم الإرهابي في تنفيذ عملية إرهابية جنوب سوريا، حين استهدف دورية للجيش السوري الجديد في السويداء، وقضى فيه جندي وإصابة (3) آخرين من الفرقة (70) التابعة للجيش.

تعتمد قوات سوريا الديمقراطية إلى حد كبير على الدعم الأمريكي في مجالات التسليح، والاستخبارات، والغارات الجوية. ومع تقلص هذا الدعم، قد تصبح (قسد) عرضة لهجمات مزدوجة من تنظيم (داعش) من جهة، ومن تركيا أو الفصائل الموالية لها من جهة أخرى. كما أنّ آلاف المقاتلين السابقين في تنظيم (داعش) المحتجزين في شمال شرقي سوريا، بالإضافة إلى نسائهم وأطفالهم، في مخيمات مثل "الهول" و"روج"، سيكونون بؤرة عنف وانفجارات متتالية مع ضعف السيطرة الأمنية، وقد تشهد عمليات فرار جماعية تعزز صفوف التنظيم من جديد.

في المحصلة، الفراغ السياسي والأمني، في ظل غياب استراتيجية دولية واضحة لإعادة إعمار المناطق المحررة وتوفير الاستقرار المجتمعي، يُشكّل بيئة خصبة لنمو التنظيمات الإرهابية والجماعات المسلحة. إذ إنّ انسحاب واشنطن من سوريا لا يعني فقط انسحاب قوة عسكرية، بل انسحاب قوة رئيسية وازنة واستراتيجية من موقع تتشابك فيه تعقيدات عديدة، أمنية وسياسية وإقليمية وقومية، مرتبطة بالمصالح المحلية والدولية. فقد أدى "سقوط الأسد إلى تحسين الظروف العسكرية والسياسية في سوريا بشكل كبير، وهو ما ينبغي للولايات المتحدة استغلاله بدلاً من تجاهله لسنوات"، وفق المركز العربي لدراسة التطرف، مشيراً إلى أنّ السياسة الأمريكية في سوريا وصلت إلى طريق مسدود جزئياً؛ لأنّ الأسد جعل من الصعب للغاية هزيمة (داعش) أو تحقيق الأهداف الأمريكية المعلنة الأخرى. لقد فشل الأسد في أخذ تهديد (داعش) على محمل الجد، بل غضّ الطرف عن نشاط السلفية الجهادية في بعض الأحيان.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية