سوريانو: الإرهابيون أسرع من الدول في مجال الابتكارات!

سوريانو: الإرهابيون أسرع من الدول في مجال الابتكارات!


30/10/2018

ترجمة: علي نوار


حذّر خبير إسبانيّ، يعمل لصالح الشرطة الأوروبية، "يوروبول"، من التّبعات الوخيمة للهجمات التي تُشنّ عن بعد، من مسافة تصل لآلاف الكيلومترات.

يعمل الإسباني مانويل ريكاردو توريس سوريانو (40 عاماً)، أستاذ العلوم السياسية والقانون العامّ بجامعة بابلو دي أولابيدي في مدينة إشبيلية، مع 14 مستشاراً عالمياً آخرين، لصالح مجلس المشورة حول الإرهاب والدعاية التابعِ للمركز الأوروبي لمكافحة الإرهاب، وهو أحد أجهزة الشرطة الأوروبية "يوروبول" ومقرّه مدينة لاهاي الهولندية.

تأسّس هذا المجلس قبل ثلاثة أعوام تقريباً، ويعدّ مركز عمليات متخصصاً في زيادة كفاءة تعامل الاتحاد الأوروبي مع الإرهاب الذي يلجأ للتقنيات والأدوات والأساليب التي يوفّرها العصر الرقمي الراهن، ويسهمُ توريس سوريانو في هذه المؤسسة بوصفه خبيراً في تحليل الإرهاب الجهادي والتطرّف والحركات الأصولية.

وهنا نصّ الحوار الذي أجرته صحيفة (الباييس) الإسبانية بتاريخ 14 تشرين الأول (أكتوبر)  2018، مع سوريانو:

ما هو الإرهاب السيبراني؟

الإرهاب السيبراني هو صورة أخرى من سبل الإرهاب التي تسعى إلى الاستفادة من وسائل مثل؛ شبكة الإنترنت. ويعكف هؤلاء على ملاحظة الوسط المحيط ويستغلّون الفرص التي تسنح لهم.

هل هناك تهديد فعلي؟

نعم صحيح، هناك تهديد حقيقي. فبعد هجمات 11 أيلول (سبتمبر) الإرهابية، عام 2001، بات الأمر واضحاً بشكل جليّ. وفي أوروبا يكون ذلك الخطر كامناً حتّى تقع اعتداءات على الأراضي الأوروبية. بالطبع هو خطر قائم وسيظل كذلك لفترة من الوقت.

ما هي الأسلحة التي في متناول الإرهاب التّقني؟

هي مزيج بين الردع والإبداع. والفارق بين هذا النمط من الإرهاب والأنماط الأخرى، هو أنه يمارس العنف على نسق منظم معتمداً العامل الدعائي. حيث يستطيع الإرهابيون تخويف الكثيرين بقتل البعض، لكنّ عدد المستهدفين ليس كبيراً، و تمتلك هذه المنظمات قدرة على إشاعة الخوف بصورة تفوق بدرجة كبيرة إمكاناتها الحقيقية، فلا تستطيع مدّ نطاق العنف إلى جميع من يصدّرون إليهم هذا الشعور بالتهديد.

إذا حقّق الإرهابيون مرادهم بتغيير السلوكيات عن طريق الدعاية والردع فإنّهم يصيبون النجاح

لذا؛ تعمدُ هذه المنظمات إلى إضفاء العامل المسرحيّ على عمليات القتل التي تنفذها، سعياً وراء تضخيم تأثير ممارساتهم عبر وسائل الدعاية خاصّتهم، وتصبح النتيجة النهائية هي الدفع للاعتقاد بوجود وحش، لكنّه لا يعكس بتاتاً إمكاناتها الفعلية. إذا أحسّ النّاس بالتهديد، حتى لو كان شعوراً ينبع من داخلهم، فإنّهم يسقطون كضحية، وتتغيّر مواقفهم وسلوكياتهم كما لو كانوا ضحايا لهجوم حقاً.

إذا داهم المجتمعات شعورٌ بأنها عرضة لهجوم إرهابي فإنّها تتوقف عن ارتياد أماكنَ معيّنة وفعل أمور بعينها، رغم أنّ فرص استهدافها في الحقيقة متدنية للغاية. وإذا حقّق الإرهابيون مرادهم بتغيير السلوكيات عن طريق الدعاية والردع، فإنّهم يصيبون النجاح.

تختلف سرقة البيانات كثيراً عن إسقاط الطائرات

هل تصنّف التدخّل في الاستحقاقات الانتخابية إرهاباً تقنياً؟
أنا مِنَ الدّاعين إلى الحدّ من استخدام مصطلح إرهاب. هناك اتجاه واضح لتصنيف أمور على أنّها إرهابية وهي ليست كذلك في الواقع، رغم أنّها مستهجنة ولها نتائج على المجتمع. فالإرهاب هو دائماً وأبداً يتضمّن اللجوء للعنف أو التهديد المحتمل. أمّا كلّ ما يخلو من هذه الشروط، فلا يمكن اعتباره إرهاباً.

لكن، ألا يعد الهجوم المعلوماتي الواسع النطاق والذي يلحق الضرر بالحياة اليومية ويخلق حالة من القلق والفوضى إرهاباً؟
لن أصنّف سوى الأعمال الهادفة لإحداث ضرر مادي على أنّها إرهاب سيبراني. تختلف سرقة البيانات كثيراً عن إسقاط الطائرات، الأمر يتعلّق بالإضرار بالنتائج التي تحققها شركة ما. وقد يكون في حالة الأخيرة مدمراً، لكنّه لن يتسبّب في إثارة حالة من الذّعر المصحوب بالعنف وسقوط قتلى بين المدنيين. كما أنّني سأحاول قصر الأمر على فاعلين ليسوا دولاً.

اقرأ أيضاً: "غوغل بلس" منصة داعش لغزو الإنترنت مجدداً

الواقع أنّ الكثير من الدول متورطة بدرجة كبيرة في هذه الأعمال بسبب النّزاع على الهيمنة، والتي تستغلّ الوسائل السيبرانية لتوليد حالة من الفوضى لدى دول أخرى، وتقف وراء هذه الممارسات جهات تضمّ متخصّصين وتحظى بموارد مادية، ولحسن الحظ أنّها حتّى يومنا هذا، لم تسقط في أيدي الجماعات الإرهابية.

باعتبارك خبيراً في الفكر الجهادي، هل يستخدم هذا النّوع من الإرهاب تقنياتِ المعلومات؟
نعم يستخدمها، لكنّ الهدف الأساسي الذي يسعى وراءه الجهاديون هو الدعاية. لقد تمكّنوا بشكل كبير من تطوير قدراتهم على إيصال رسائلهم أكثر من أيّ وقت مضى على مدار التاريخ، ومقارنة بما وصلت إليه أيّة جماعة إرهابية. وأيضاً على صعيد نشر الفكر الأصولي والتجنيد. تحدُثُ اليومَ ظواهرُ لم تكن في الحسبان، مثل أنْ ينتهي الأمرُ بشاب منخرطاً في مشروع إرهابي بعد تواصله عبر هاتف جوال مع شخص يتواجد على مسافة آلاف الكيلومترات. لا توجد علاقة مباشرة، لكنّ النتيجة تكون كارثية أحياناً، لم يكن هذا وارداً قبل أعوام عديدة، يتمتّع الإرهابيون بالقدرة على الوصول لمناطق لا تمكن مساءلتهم فيها. تغلق الدول نوافذها، لكنهم يبحثون فوراً عن مداخل أخرى. إنّها عملية مستمرّة من التكيّف، ويكمن التّحدي في كيفية التعامل السريع. لأنّه خلال هذا الفارق الزمني إنْ لم يتمّ تأمين هذه النقاط، فستكون العواقب وخيمة والأضرار غير قابلة للتعافي منها.

اقرأ أيضاً: "السلاح المثالي": تكنولوجيا الدمار في عصر الإنترنت

ترتبط الكثير من الهجمات الإلكترونية بالصراع على الهيمنة بين الدول

هل ثمة أسلحة لمواجهة ذلك؟
السلاح الأساسي هو الإرادة. سيظل الإرهاب حاضراً دوماً. فهو ليس فكراً؛ بل أسلوب وأداة لتحقيق هدف. وهو في النهاية خيار قد تلجأ إليه جماعات ذات طبيعة متباينة. ليس صحيحاً أنّ الإرهاب أصبح مشكلة عصيبة لا يمكن تجنّبها بالنسبة للمجتمع، حيث إنّه يمكن احتواؤها عند مستويات معقولة. نحن نتعايش مع مشكلات لا تجعل مسألة الحياة طبيعية وحرة وآمنة. الهدف النهائي، رغم استحالة منع بث رسائل أصولية عبر الإنترنت، هو ألّا يجد هؤلاء مساحة محدّدة وألّا نهدر نحن الفرص التي توفّرها لنا التّقنيات؛ لأنّها أصبحت بالفعل بين يدي الجماعات الأصولية. لذا فإنّ الإستراتيجية تتمحور حول أنْ نتحلّى بالتصميم والإبداع.

ما الأسلحة التي يستخدمها الإرهابيون؟
يلجؤون بصورة كبيرة إلى التشفير وإخفاء الهوية. كان يُنظر إلى هذه الأدوات باعتبارها غير ذات أهمية، لأنّ الدول لم تؤدّ بشكل فعال دورها فيما يخصّ هذه النقطة عبر الفضاء السيراني. لذا حقّقوا هم تقدماً كبيراً في هذا المجال. يختلف استخدام الإرهابيين للإنترنت اليوم بصورة جذرية مقارنةً به منذ 10 أعوام، حيث أصبح يتضمّن إجراءات حماية وبرمجة بهدف عدم ترك بصمات وراءهم. إنّ الخبرة التي يتمتع بها إرهابيٌّ على الإنترنت تفوق بصورة كبيرة تلك التي يمتلكها المستخدم العادي.

ما الأهداف التي يمكن لهم مهاجمتها؟
لحسن الحظ أنّ الإرهاب السيبراني، كسلاح هجومي يتسبّب في إحداث خسائر مادية، لم يبتعد خارج نطاق الاحتمالات الفرضية حتى الآن. إنّهم يوجّهون تهديداتهم منذ أعوام، لكن هذه القدرات تحظى بها الدول والمؤسسات العملاقة وحدها. لا يمتلك الإرهابيون أيّة إمكانات خاصة؛ لأنّ الأمر لا يتعلق بمهارات تقنيّة فحسب، بل يحتاج لمنظمات وموارد مادية لا يحظى بها الإرهابيون. بيد أنّ كل ذلك من شأنه أنْ يتغير إذا حدثت طفرة تقنية تسمح بالوصول إلى الأدوات التي تملكها، حصراً، الدول في يومنا هذا. إذا شنَّ إرهابيٌّ هجوماً أدّى لتوقف الخدمات وأصاب موقعاً إلكترونياً بالشلل فهذا تخريب أكثر منه صورة جدارية تحوي رسالة تهديدية. يجب أنْ نكون متيقظين وجاهزين للتحرك إذا بدأوا في امتلاك هذه القدرات.

"تتأخر الدول في اعتماد الأدوات على الإنترنت.

هل يتحركون عبر الإنترنت العميق؟
كان هذا هو الاعتقاد السائد حتّى أعوام مضت. لكن الزّخم الدّعائي حاضرٌ بصورة أكبر في الإنترنت المفتوح؛ لأنّهم بحاجة إلى وجود جمهور يستمع إليهم. أمّا في الإنترنت العميق فالأمر يختلف، حيث لا جدوى من نشر مقطع فيديو إذا لم يكن سيشاهده أيّ أحد. لكنّهم يلجؤون إلى الإنترنت العميق لغرض التّواصل الداخليّ وإعطاء الأوامر والمعلومات الدقيقة. وفي النهاية، أيضاً، فإنّ كل شيء قابل للتغيير وعلى وتيرة أسرع مما نظن.

هل تتميّز الدول بسرعة الردّ؟
الدول أبطأ من الإرهابيين. إحدى أهم نقاط أفضليتهم تكمن في كونهم هياكل صغيرة، ما يعني قدراً أقلّ من أوجه القصور، ومع تمتّعهم بقدر من الكفاءة؛ فإنّ هذا يترجَمُ إلى كونهم أسرعَ حينَ يتعلّقُ الأمرُ بالتّوصلِ إلى ابتكارات تتأخر الدّولُ في اعتمادها كأدوات عمل. وهذا هو بالضبط الوقت الذي يستغلّه الإرهابيون للاستفادة من نافذة الفرص المفتوحة على مصراعيها إلى أقصى حدّ ممكن.


المصدر: صحيفة (الباييس) الإسبانية 


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية