من الجهادية إلى الإسلام السياسي... التحديات التي تواجه هيئة تحرير الشام

من الجهادية إلى الإسلام السياسي... التحديات التي تواجه هيئة تحرير الشام

من الجهادية إلى الإسلام السياسي... التحديات التي تواجه هيئة تحرير الشام


11/05/2025

 

تنظيم هيئة تحرير الشام الإسلامي الذي يمسك بزمام السلطة اليوم في دمشق، يواجه تحديات كبيرة في إدارة السلطة وتوحيد بلد مزقته سنوات من الحرب الأهلية، وقام التنظيم بتغيير سرديته تمامًا من الجهادية إلى الإسلام السياسي الحاكم، هذا التغيير التدريجي والعملي يهدف إلى الحفاظ على السلطة.

 

ووفق المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية، فإنّ التحدي الذي يواجه هيئة تحرير الشام الآن هو إدماج جميع المكونات في سوريا الجديدة دون تمييز بين الرجال والنساء، أو اللغة والدين، وهو تحدٍّ يبدو أنّ قيادة التنظيم قد تقبلته بشكل عملي، ولكن ما يزال يحتاج إلى أن يتم قبوله بشكل كامل من قبل قاعدة الحركة.

 

التحدي الذي يواجه هيئة تحرير الشام الآن هو إدماج جميع المكونات في سوريا الجديدة دون تمييز بين الرجال والنساء، أو اللغة والدين.

 

وأضاف المعهد في دراسته أنّ هيئة تحرير الشام، المعروفة سابقًا باسم جبهة النصرة، مرت بتحولات إيديولوجية وتنظيمية وتحالفات كبيرة منذ تأسيسها في عام 2012. وحدث هذا التطور تدريجيًّا، حتى خلال فترات ارتباطها بتنظيم داعش في العراق وتنظيم القاعدة.

 

وظلت سرديتها مميزة؛ في البداية عندما كانت جزءًا من تنظيم داعش في العراق (2012 ـ 2013)، كان نهجها أقلّ تطرفًا بشكل ملحوظ من تنظيم داعش. كانت جبهة النصرة تهدف إلى حشد المقاتلين الإقليميين لتحدّي نظام بشار الأسد بدلًا من الحكم. ومع ذلك جذب التنظيم آلاف المقاتلين الأجانب إلى صفوفه، خاصة في مراحله الأولى. لقد ركزت المجموعة على دعم المسلمين في سوريا، دون إظهار طموحات للحكم، وخلال هذه الفترة سعت أيضًا إلى بناء روابط وتحالفات مع الفصائل المحلية والمدنيين، ووضعت نفسها بشكل أساسي كحركة مكرَّسة لمحاربة النظام السوري وحلفائه.

 

في نيسان (أبريل) 2013 قطعت جبهة النصرة علاقاتها مع تنظيم داعش في العراق، وتحالفت مع تنظيم القاعدة المركزي بقيادة أيمن الظواهري. على عكس التوقعات بأنّ المجموعة ستتبنّى موقفًا أقلّ تطرفًا نظرًا لنهج القاعدة الأكثر اعتدالًا نسبيًا مقارنة بتنظيم الدولة الإسلامية في العراق، دخلت جبهة النصرة مرحلة أكثر تطرفًا. كان هذا التحول إلى حد كبير، بسبب انشقاق مئات المقاتلين الأجانب الذين رأوا أنّ زعيم المجموعة (الجولاني) "المعروف لاحقًا باسم أحمد الشرع، الرئيس السوري الذي عيّن نفسه"، كان متساهلًا للغاية. اعتقد هؤلاء المقاتلون أنّ تنظيم داعش كان أكثر انسجامًا مع آرائهم، ممّا أدى إلى مغادرتهم.

 

هيئة تحرير الشام، المعروفة سابقًا باسم جبهة النصرة، مرت بتحولات إيديولوجية وتنظيمية وتحالفات كبيرة منذ تأسيسها في عام 2012.

 

وتابعت الدراسة: "ولمواجهة هذا التصور والاحتفاظ بمقاتليه، سعى الجولاني إلى إعادة تأكيد التزام جبهة النصرة بالقضية الجهادية السلفية، ممّا يدل على أنّ المجموعة ظلت حازمة وقوية. ويتمثل هذا التطرف التنافسي في حادثة عام 2015، حين تم تصوير شادي الويسو، الذي كان آنذاك قاضيًا، وأصبح الآن وزير العدل في هيئة تحرير الشام، وهو يشرف على عمليات إعدام علنية لنساء، ممّا يؤكد موقف المجموعة المتشدد. على الرغم من هذه الإجراءات، كانت المجموعة في صراع داخلي حول اتجاهها. بينما كانت تهدف إلى إظهار القوة والالتزام بالقضية الجهادية السلفية لأعضائها وأعدائها، سعت أيضًا إلى الاندماج وإظهار التضامن مع المجتمعات المحلية التي كانت جزءًا منها. وهكذا خلال هذه الفترة كانت جبهة النصرة تعاني من سرديات متضاربة حول هويتها وأهدافها.

 

بحلول عام 2016 أدركت جبهة النصرة التكلفة العالية لارتباطها بتنظيم القاعدة، وقطعت علاقاتها مع المجموعة. وتحوّل الخطاب العام للمجموعة من أجندة القاعدة العالمية إلى تركيز أكثر محلية. توقفوا عن استخدام العبارات ذات الدلالات العالمية مثل "الجهاد ضد الغرب"، أو "الجهاد ضد الدول العلمانية"، واستبدلوها بمصطلحات تؤكد تركيزهم على سوريا.

 

عندما قطعت جبهة النصرة علاقاتها مع القاعدة، وأعادت تسمية نفسها جبهة فتح الشام في عام 2016، واجهت مقاومة داخلية من الأعضاء المؤيدين للقاعدة داخل المجموعة، فقد انشق معظم هؤلاء الأعضاء وشكّلوا جماعة حرّاس الدين، التي ظلت تابعة للقاعدة في سوريا. وعلى الرغم من أنّ جماعة حراس الدين أعلنت حلّها الشهر الماضي، إلا أنّها كانت قد توقفت فعليًا عن الوجود في عام 2020 بعد أن قامت هيئة تحرير الشام بقمعها وإغلاق قواعدها العسكرية. وسعى الجولاني، مدفوعًا بالرغبة في البقاء والهيمنة على شمال غرب سوريا، إلى الاندماج مع الفصائل المحلية الأخرى لدمج مجموعته ضمن المعارضة الإسلامية المحلية، وقد أدت هذه الجهود إلى تشكيل هيئة تحرير الشام.

 

المجموعة في صراع داخلي حول اتجاهها. وبينما كانت تهدف إلى إظهار القوة والالتزام بالجهادية السلفية لأعضائها وأعدائها، سعت أيضًا إلى الاندماج مع المجتمعات المحلية.

 

بحلول عام 2017 بدأت هيئة تحرير الشام في الترويج لمفهوم الكيان السنّي، الذي يجسد سردية المجموعة كحامٍ للسنّة في سوريا ضد النظام العلوي وحلفائه. لقد ظلت هذه السردية دون تغيير إلى حد كبير حتى كانون الأول (ديسمبر) 2024، عندما تقدمت هيئة تحرير الشام نحو دمشق، وقد حدث خلال هذه العملية تحوّل جذري في خطابهم، بالابتعاد عن مفهوم الكيان السنّي إلى تبنّي شعار أكثر شمولية، "سوريا لجميع السوريين"، وهذا يمثل تغييرًا كبيرًا في سرديتهم الإسلامية مع اقترابهم من العاصمة.

يتحدث الخطاب الرسمي لهيئة تحرير الشام حاليًا عن حماية جميع السوريين، بغضّ النظر عن جنسهم (رجال ونساء) أو طائفتهم، ممّا يعكس حسًّا عاليًا من التكيف العملي لدى قيادتها؛ فهدف القيادة هو استقرار وتثبيت سلطتها لضمان استمرار الحكم. والشرع مستعد لفعل أيّ شيء ضروري لتحقيق ذلك، بما في ذلك التفاعل مع الأقليات وتشكيل حكومة شاملة اسميًّا. 

 

ووفق المعهد، فإنّ التحدي الرئيس داخل هيئة تحرير الشام يكمن في العلاقة بين قيادتها وقاعدة التنظيم من مقاتليها وأعضائها العاديين الذين عاشوا التحول من الجهادية العالمية لداعش والقاعدة إلى الإسلام السياسي الموجه نحو الحكم.

 

عام 2017 بدأت هيئة تحرير الشام في الترويج لمفهوم الكيان السنّي، حتى كانون الأول (ديسمبر) 2024، ليحدث تحول جذري في خطابها، وتبنّي شعارات أكثر شمولية.

 

حتى 27 تشرين الثاني (نوفمبر) 2024 كانت هيئة تحرير الشام تضع نفسها علنًا كمدافع عن الإسلام السنّي، مع التركيز على حماية الكيان في إدلب. ومع توسع سيطرتهم على مناطق سوريا التي كانت تحت سيطرة الأسد سابقًا، بدأت القيادة في الدفاع عن جميع السوريين، مع التحول إلى خطاب أكثر شمولية. ويمثل هذا التغيير المفاجئ في السردية تحدّيًا كبيرًا للأعضاء العاديين الذين تم تلقينهم لسنوات بإيديولوجيا حماية الهوية السنّية، بل قد يكون هذا التحول صعبًا على المقاتلين المعتادين على منظور طائفي أضيق. علاوة على ذلك، فإنّ العديد من مقاتلي هيئة تحرير الشام، الذين لم يغادروا أبدًا البيئة المحافظة في إدلب، يواجهون الآن مجتمعات أقلّ محافظة في دمشق، وقد تؤدي هذه التفاعلات الجديدة إلى تعزيز تغييرات اجتماعية أعمق داخل المجتمع السوري، حيث تتطور العلاقات البشرية وتؤثر على وجهات النظر والسلوكيات.

 




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية