لماذا لا يراجع الإخوان أخطاءهم؟

لماذا لا يراجع الإخوان أخطاءهم؟

لماذا لا يراجع الإخوان أخطاءهم؟


04/05/2025

هشام النجار

على ضوء الضجة التي تسبب فيها بث صوتي للرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر، يصح الآن أن تُعَاد قراءة مجمل المسيرة بالنظر إلى المستوى غير المسبوق من تبجح عناصر تيار الإسلام السياسي ولصقهم كوارثهم وخيباتهم بغيرهم.

تسبّب القطاع الأكبر داخل تيار الإسلام السياسي ومن وراء قادة الإخوان والجماعة الإسلامية وغيرهما، والذي اختار المفاصلة عن الدولة واستمر في اعتناق الرؤى الخيالية الوهمية بشأن الوضع الإقليمي والصراع مع إسرائيل والغرب، في كوارث بلا حصر على مختلف المستويات.

وتسببت قناعات المفاصلة عن الدولة ومؤسساتها والتصميم على استمرار وجود تنظيمات مؤدلجة وطائفية داخلها في الاضطرابات والقلاقل ونشر الفوضى وعدم الاستقرار، وقادت تحالفات هذا التيار مع قوى غير عربية إلى أكبر الهزائم التي مُني بها المسلمون والعرب في العصر الحديث.

مثّل جمال عبدالناصر حالة ثورية عربية ضد الاستعمار الغربي، وحقق العديد من الإنجازات في ما يتعلق بالاستقلال والخروج من حيز التبعية للأجنبي والانتفاع بالثروات الوطنية وتحسين أوضاع المواطن العربي الاجتماعية والاقتصادية، وكانت له أيضا إخفاقاته على ضوء ظروف المرحلة وتوازناتها.

لم تكن مسيرة الصراع والتدافع العربي – الغربي منذ عهد عبدالناصر تمضي على وتيرة واحدة، فلم ترضخ إسرائيل لواقع ما جرى في العام 1956، لصالح الحالة النضالية المصرية بما شهدته من مقاومة شعبية.

ولم تستسلم مصر لواقع وتداعيات هزيمة يونيو 1967، بالنظر إلى أن عصر الرئيس المصري الراحل أنور السادات هو امتداد لعصر عبدالناصر، وكلاهما مرجعيته ثورة يوليو 1952، وما أنجزه السادات من تحرير للأرض في العام 1973 يُحسب لمجمل التيار الوطني الذي لم يبدأ زعيم من زعمائه من الصفر إنما بنى على ما أنجزه ووعاه سلفه.

يخالف تيار الإسلام السياسي الحقائق رغم ذلك ويصفون عبدالناصر بأنه (أبوالهزائم)، في حين يُفصح ما تسبب فيه هذا التيار من نكسات ونكبات مُذلة وآخرها محو قطاع غزة من الوجود وهزيمة حركة حماس وحزب الله اللبناني مع الإصرار من قادة هذه الجماعات على أن ما حدث نصر مؤزر لها، عن أن هذا التيار هو أبو الهزائم وأمها.

راجع قوميون عهد الزعيم جمال عبدالناصر وناقشوا تجربتهم ومسيرتهم، وبنى كل عهد على تجربة العهد الذي سبقه وصولا إلى قناعات ومناهج وأدبيات تحافظ على الدولة الوطنية وتماسكها وتحول دون الاختراق والانقسام الطائفي، وتبنى رُؤى أكثر واقعية في التعاطي مع الشأن الإقليمي والصراع العربي – الإسرائيلي.

بينما لم يُجر تيار الإسلام السياسي مراجعات تمسّ السياقين، لذا ظل معتنقا للصدام والانفصال عن الدولة الوطنية ومؤسساتها (في مقدمتها الجيش)، إلى جانب المُضي إلى النهاية في وهم إزالة إسرائيل من الوجود وإلحاق هزيمة منكرة بالحضارة الغربية. تُنبئ القراءة الدقيقة لتاريخ هذه المسيرة ومحطاتها بأن من زعموا أنهم جديرون بالسلطة من قادة ونشطاء تيار الإسلام السياسي ثبت أنهم أفشل من تقلدوا المناصب والمراكز السياسية والإدارية طوال تاريخ المنطقة.

وكانت الدولة في مختلف المراحل، ورجالها، هي صاحبة الرؤية الأدق، وهو ما وضح من النتائج، وعلى ضوء المقارنات بين حال العرب والمسلمين تحت قيادة التيار القومي – الوطني رغم بعض التعثر، وحالهم عندما تصدى لقيادتهم تيار الإسلام السياسي.

ثبت من محصلة التدافع الفكري بين الإسلاميين والقوميين (مرجعيتهم ثورة يوليو) أن من فهم المعادلة وعرف حدودَه وحجمه ودورَه من قادة الإسلام السياسي ونشطائه هو من ذُكر برجاحة عقله وإسهامه بشيء يُحفظ في تاريخه بمعزل عن تخبط ومسيرة تيه وجمود مجمل تياره.

عبدالناصر طرح المعادلة في سياق حلقات متصلة من مراجعاته، كونه كان قريبا من جماعة الإخوان خلال فترة الإعداد لثورة يوليو 1952، فلم يتورط في الانحياز لتيار أحادي مؤدلج، طارحا رؤية جامعة تضم كافة الكيانات والانتماءات الوطنية بما فيها التوجه الإسلامي، مُخيبا رهانات الإخوان عليه.

حدد الرئيس الراحل الهدف بعد نجاح ثورة يوليو في الإطاحة بالحكم الملكي، وهو دمج الإخوان في الدولة بمنحهم الجانب الشعبي لخدمة الثقافة الإسلامية، حيث لا يوجد مبرر لاستمرار عمل التنظيمات المختلفة بعد نجاح الثورة، سواء شيوعية أو إسلامية، فهي إما أن تعيق المسيرة أو يتم توظيفها من الخارج لإعاقتها.

رأى عبدالناصر أن الحل هو أن تُدمج كوادر مختلف التنظيمات التي أسهمت في الثورة في مؤسسات الدولة الشرعية وهيئاتها المختلفة، واختار للإسلاميين المهام التربوية والدعوية والتثقيفية. عرض الرئيس المصري الأسبق على الإخوان والإسلاميين وفقا لمُيولهم وما يمتلكونه من خبرات العمل في إطار ما عُرف بهيئة التحرير، وهي تنظيم شعبي بديل عن الأحزاب، واختار لهم حقيبة الأوقاف في التشكيل الوزاري.

وكما مضى السادات على خط سلفه عبدالناصر في تصويب مسار السياسة الخارجية باتجاه العثور على معادلة سلام إقليمي، تُعاد معها الأرض ويُقَر في المقابل بحق الوجود لإسرائيل ودول المنطقة دون استثناء، مضى أيضا على فلسفته في التعامل مع مختلف التنظيمات الأيديولوجية عبر دفعها لتذوب في جسد الدولة ونسيج المجتمع بعد تفكيك هياكلها التنظيمية.

منح السادات الإسلاميين وجماعة الإخوان الجانب الدعوي وفق الصفقة أو الاتفاق مع زعيمها حين ذاك عمر التلمساني حيث اشترط عليهم عدم الاشتغال بالسياسة أو الانخراط في دسائسها وعدم العودة إلى الصراع البارد أو الساخن على السلطة تحت شعار جملته الشهيرة “لا دين في السياسة ولا سياسة في الدين”، وهو ما لم يلتزم الإسلاميون به.

بخلاف التصور السائد الذي ينفي تدشين مراجعات حقيقية لجماعة الإخوان فإن عبدالناصر نجح في شق صف جماعة الإخوان وإقناع مجموعة مؤثرة ونخبوية من قادتها بفكرته، وهي مجموعة قليلة العدد والتي انضمت للدولة بعد أن انفصلت فعليا عن الجماعة. نصرت مجموعة من قادة الإخوان السابقين مشروع عبدالناصر وتركت إسهامات فكرية راقية مثل مُنجز عبدالعزيز كامل الذي منحه عبدالناصر حقيبة الأوقاف لفترة طويلة، والبهي الخولي وأحمد حسن الباقوري.

مثلت هذه المجموعة المنشقة من قادة الإخوان التي نصرت مسار الدولة ومشروع عبدالناصر بعد الثورة على النقيض من موقف مجمل التيار والجماعة، فاللبنة الأولى لتيار مُشابه انتهج نفس النهج بعد أحداث ما عُرف بالربيع العربي، لكن من داخل فصيل آخر وهو تنظيم الجماعة الإسلامية المصرية مُمَثلا في جناح كرم زهدي وناجح إبراهيم.

تكرر نفس السيناريو الذي جرى في الخمسينات والستينات من القرن الماضي بعد العام 2011؛ حيث انفصل الباقوري والبهي الخولي وعبدالعزيز كامل وآخرون عن التنظيم واندمجوا في الدولة، مقابل القطاع العريض من جماعة الإخوان الذي صمم على استمرار التنظيم والتعامل مع الدولة الند للند.

انفصلت كذلك مجموعة ناجح إبراهيم وكرم زهدي قليلة العدد عن الجماعة التي قادها عبود وطارق الزمر وعاصم عبدالماجد وصفوت عبدالغني ورفاعي طه وغيرهم للصراع بطرق أخرى مع الدولة، ومواصلة خطة الوصول إلى السلطة بالسياسة بعد فشل العنف والاغتيالات، من منطلق أن الجماعة لديها مشروع مختلف عن مشروع الدولة ينبغي أن تنصره.

تمثل هاتان الحالتان نقطتي الضوء الوحيدتين في تاريخ تيار الإسلام السياسي منذ نشأته إلى اليوم. من ترجم رؤية عبدالناصر في اتجاه حل وتفكيك التنظيمات ودمج كوادرها في مؤسسات الدولة هم قلة قليلة من الإخوان والجماعة الإسلامية، بداية من البهي الخولي وحسن الباقوري وعبدالعزيز كامل، وصولا إلى مجموعة ناجح إبراهيم وكرم زهدي.

المجموعتان ضئيلتا العدد داخل الإخوان والجماعة الإسلامية تبنتا قناعات الدولة المصرية ومؤسساتها، حول التحلي بالمنطق والواقعية في التعاطي مع الشأن الإقليمي والدولي وعدم الإصرار على تحقيق أهداف مستحيلة على ضوء توازنات القوى وحسابات الحرب والسلام الدقيقة، أو بشأن التحلي بالتواضع والنقاء وعدم اتخاذ الجماعات مَطية لتحقيق أمجاد شخصية والوصول غير المستحق لرأس السلطة.

عندما كرّر القطاع الأكبر داخل الجماعة الإسلامية وراء قيادة عبود وطارق الزمر وعاصم عبدالماجد وصفوت عبدالغني وآخرين ما فعلته جماعة الإخوان في الخمسينات والستينات بمواصلة تبني القناعات الحماسية المهووسة بالسلطة والصراع، أصابهم نفس ما أصاب جماعة الإخوان قديما وحديثا من تشرّد ومحن بالسجون.

انشغلت المجموعتان اللتان انضمتا للدولة من الإخوان في الستينات ومن الجماعة الإسلامية بعد العام 2011 بما يجيده ويبرع فيه عناصرهما وفق ما أسماه كرم زهدي “الشراكة التخصصية”، فصاروا أكثر شبها بالمصريين من حيث الهوية والخطاب والممارسة، يفيد كل منهم مجتمعه في مجال تخصصه سواء في الطب أو الهندسة أو الدعوة والفكر الديني.

تسبب في الكوارث مجمل التيار الذي يشمل القطاع العريض من جماعة الإخوان والجماعات الجهادية، حيث لم يتعلم شيئا من دروس التاريخ وظل مُصمِما على الحكم ولو بالمواجهة المسلحة حتى لو تسبب في انهيار الدولة وتقسيمها، علاوة على الكارثة الأكبر، ومُني العرب والمسلمون على يديه بهزائم نوعية حققت لإسرائيل جانبا من مخططات توسعها وتمددها.

العرب




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية