القاعدة في سوريا وتوجيهات العمل الجهادي

القاعدة في سوريا وتوجيهات العمل الجهادي

القاعدة في سوريا وتوجيهات العمل الجهادي


09/04/2025

أعلن تنظيم حراس الدين (القاعدة في سوريا) حلّ نفسه في بيان نشرته صفحته الرسمية، وتداوله الجهاديون والمهتمون بالحركات الإسلاموية، ويمكننا معرفة مدى صدقية هذا الحل، وتوقعاتنا المستقبلية لهذا القرار وتأثيره على النشاط الإرهابي للقاعدة في عموم الشام، من خلال المقارنة بالرسالة التي كتبها عبد الملك درودكال، قبل مقتله، والتي حملت اسم (توجيهات عامة بخصوص المشروع الجهادي بأزواد)، حيث تعبّر عن الحالة السورية نفسها، وكيف يفكر قادة القاعدة من قبل ثم الآن.

الرسالة وما تحويه

كتب الرسالة زعيم تنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي، الجزائري عبد الملك درودكال، قبل أن يتم قتله فيما بعد، وذلك في عام 2012، ونشرتها نخبة الإعلام الجهادي، كنصيحة من القائد إلى المقاتلين، وأعضاء مجلس الشورى في إمارة الصحراء الكبرى، وهي تتضمن مجموعة من التوجيهات والتوصيات، المتعلقة بـ (تصور عام للمشروع الإسلامي - ضبط وضع تنظيم القاعدة ـ رؤية لتشكيل الحكومة المؤقتة ـ توجيهات بشأن التدخل الخارجي المحتمل).

رأى درودكال أنّه من السابق لأوانه اعتبار أزواد دولة إسلامية، وأنّه رغم ضعف فرنسا وبعض الدول الغربية إلا أنّ هناك أسباباً كبيرة ستدفعهم للتدخل لمنع قيام الدولة الناشئة، وأنّ هناك جملة من أخطاء الحركات الإسلامية التي يجب تلافيها، ولهذا تكمن أهمية هذه الرسالة وتوجيهاتها.

 زعيم تنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي: الجزائري عبد الملك درودكال

بدأت الرسالة باستعراض أهمية أزواد وشعبها في قيام دولة إسلامية، وكيف أنّ هناك فرصة سانحة لمدّ الجسور مع مختلف شرائح المجتمع الأزوادي، وكيفية التوحّد مع المجتمع على هذا المشروع، وهذا سيتأتى بعدم العزلة الاجتماعية، وعدم الهيمنة على المشهد السياسي منفردين عن مكونات المجتمع الأخرى، وكيفية إشراك القوى الفاعلة مثل حركة تحرير أزواد.

رأى كاتب الرسالة أنّ هناك فوائد جمة للتوحّد مع المجتمع، أوّلها ألّا يتحمل التنظيم الخسارة وحده حال وقع هذا، وثانيها كون أنّ مهمة الوقوف أمام المعارضة الإقليمية والدولية أكبر من التنظيم، فلا بدّ من تضافر الجهود الفعالة في هذا المضمار، حتى يتم تخفيف الضغوط الدولية.

وترى الرسالة أنّ من أهم التوجيهات هي أنّ الدولة في بدايتها، وأنّها مثل المولود الذي يحتاج لجهود الجميع، وكذا يحتاج من الجميع أن يوقفه على رجليه، وهذا لن يتأتى إلا بتحييد الخصوم، وعدم تهييج الأعداء، وعدم استعداء القوى الأخرى.

ورغم أنّ هذه الرسالة تمثل تنظيم القاعدة، وتمّت بالمشورة بين قادته، إلا أنّها تحدثت عن التدّرج في الإصلاح، وضرورة درء المفاسد قبل جلب المصالح، والتزام السياسة الشرعية المنوطة بهذا الأمر.

ورأت الرسالة أنّ هناك أخطاءً جرت في أزواد، منها قرار الحرب الذي تم أخذه لمحاربة حركة تحرير أزواد، حيث تم الاستناد لوقائع يجب ألّا تتحول إلى حرب شاملة مع مكون أصيل من داخل المجتمع الأزوادي، بل كان يجب أن يتم الصلح معه ومعالجة القضايا العالقة بدلًا من المعركة.

طالبت الرسالة حركة أنصار الدين في أزواد بمشاركة زعماء العشائر والقبائل، وعدم إقصاء أيّ طرف، وعدم إثارة مسائل التكفير، وتبنّي خطاب ناضج خارجي يطمئن دول الإقليم.

وكان من أهم الأخطاء وفق الرسالة، وكاتبها (أبو مصعب عبد الودود) عبد الملك درودكال، السرعة في تطبيق الشريعة، وعدم التدّرج، حيث إنّه من المعروف أنّ عدم التدّرج يؤدي إلى عدم الامتثال، وإلى مشاكل مجتمعية كبيرة، أهمها النفور من الشريعة، وأنّه كان من الحكمة عدم التسرع والاقتداء بسيرة الخليفة عمر بن عبد العزيز وتهيئة الظروف المناسبة لتطبيقها.

وكان من الأمثلة التي ضربها على التسرع في تطبيق الشريعة، هو تطبيق حد الزنا، ثم هدم الأضرحة، لأنّ ذلك أدى إلى نفور المجتمع، الذي يحتاج إليه التنظيم حال المواجهة مع الأعداء في الخارج.

القاعدة في سوريا

تحدثت الرسالة عن العلاقة بين تنظيم القاعدة، وبين المشروع الأزوادي وتطويره، وكيف أنّ التنظيم لا بدّ له من أن يحدد طبيعة النشاط الخاص به، وهل يدعم الجهاد العالمي أم يدعم المشروع الأزوادي المحلي، وكيف يوازن بينهما، لأنّ كلّاً منهما سيؤثر على الآخر، مقترحةً: الاحتفاظ بكيان التنظيم مستقلاً عن إدارة مشروع أزواد، أو أن يكون النشاط الداخلي تابعاً لإدارة أزواد ونشاط الجهاد العالمي تابعاً لإدارة التنظيم، أو تفريغ قسم من التنظيم وجعله تحت تصرف أمير أنصار الدين في أزواد، وكل هذا يحتاج إلى حق التجنيس لعناصر التنظيم بجنسية أزواد، ووقف النشاط الجهادي فوق أرضها، مع الاحتفاظ بالانتماء للتنظيم، وضرورة الموازنة بين المصالح والمفاسد، ووقف العمليات على الأرض الأزوادية مطلقاً.

وطالبت الرسالة حركة أنصار الدين في أزواد بمشاركة زعماء العشائر والقبائل، وعدم إقصاء أيّ طرف، وعدم إثارة مسائل التكفير، وتبنّي خطاب ناضج خارجي يطمئن دول الإقليم، وعدم تبنّي نظرية فقهية معينة الآن في مشروع الدستور الإسلامي.

تحدثت الرسالة عن العلاقة بين تنظيم القاعدة، وبين المشروع الأزوادي وتطويره

وبالنظر إلى رسالة التوجيهات السابقة، والتي تم نشرها على أوسع نطاق، وتم تداولها من قبل الفصائل التابعة للقاعدة، سنرى أنّهم يقومون بتطبيق ما ورد بها بالحرف الواحد، عقب سيطرتهم على النظام في سوريا.

أوّلاً قام تنظيم القاعدة، ممثلاً في حراس الدين، بحلّ نفسه، من أجل التخفّف من التكلفة التنظيمية التي ستؤثر على النظام الجديد في سوريا، وتم هذا القرار بالتشاور مع القيادة العامة للقاعدة، والممثلة في سيف العدل، حسب قاعدة العائد والتكلفة، والتي رأوا فيها أنّ بقاء التنظيم محشوراً في الزاوية بهذا الشكل غير ذي فائدة، وأنّه من الأجدى حله لتحقيق مكاسب كثيرة، وحمل بيان الحل دعوة الجماهير والمواطنين لاستكمال الطريق لبناء الدولة الإسلامية.

تم إدماج الفصائل في الجيش السوري، وعمل المسؤولون الجدد على تجنيس العديد من قادة الفصائل بالجنسية السورية، كما اختار النظام الجديد في سوريا أن يكون الفقه هو المصدر الرئيسي للتشريع، وهو عنوان واسع يمكن فيما بعد تفسيره على هوى القادة الجدد، وحاول قادة النظام الجديد إعطاء تطمينات إقليمية ودولية، بل حرصوا على ذلك في كل مناسبة.

وقد وضح أنّ تنظيم القاعدة قد اختار مسار الحل، والفصل بين توجهات القاعدة عالمياً، وبين البقاء تحت سياسة النظام السوري الجديد، والالتزام بسياسته، حرصاُ على استكمال جهود بناء الدولة الجديدة.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية