
طارق ديلواني
وصلت الاحتجاجات الشعبية التي تقودها جماعة "الإخوان المسلمين" في الأردن إلى مرحلة "الاحتكاك" السياسي، بعد هتافات مستفزة أطلقها أنصار الجماعة وطالوت هذه المرة الجيش الأردني.
وطالب متظاهرون خلال احتشاد كبير وسط العاصمة عمان الجيش الأردني بالانتظام في حرب ضد إسرائيل، وعدم الاكتفاء بمراقبة ما يحدث في غزة، وهي دعوة عدها مراقبون وناشطون بمثابة استثمار شعبي للتظاهرات، ووصفة لدمار الأردن وخرابه، في ظل الظروف الإقليمية المعقدة والتحديات الداخلية التي تواجهها عمان.
قلق وإرباك
في المقابل اعتبرت السلطات الأردنية هذه الهتافات غير المسبوقة طوال نحو عام ونصف العام من التظاهرات التضامنية مع غزة مقلقة ومربكة للموقف الأردني، الذي يعده مراقبون بأنه متقدم على صعيد التضامن مع غزة ومحاولة إيقاف الحرب فيها.
وبدا وكأن التظاهرات الأخيرة تجاوزت الخطاب التقليدي باتجاه رسالة أكثر جرأة وإرباكاً للسلطة، فيما طالب ناشطون على منصات التواصل الاجتماعي بمحاسبة الجماعة على ما سموه" التجاوز" ضد المؤسستين العسكرية والأمنية، ومحاولة زج البلاد في أتون حرب غير متوازنة، والتغافل عن كل الخيارات وأدوات الضغط التي مارستها الدبلوماسية الأردنية على إسرائيل طوال الأشهر الماضية.
ونفذت الأجهزة الأمنية اعتقالات طاولت اثنين ممن قادوا ترديد الهتافات المستفزة، فيما أكد مصدر مقرب من الحكومة الأردنية لـ"اندبندنت عربية" أن جماعة "الإخوان المسلمين" بدأت تستنفد رصيدها من الصبر الذي تتحلى به السلطات الأردنية حيال أدائها التحريضي وغير المنضبط في الشارع، والذي تجاوز حرية التعبير والتظاهر إلى الإساءة لمؤسسات الدولة، عبر ترديد هتافات "تشكيكية" و"استفزازية" تجاوزت السقف وبعضها حمل رسائل سياسية كالدعوة إلى العصيان المدني.
يؤكد المتخصص الأمني والإستراتيجي عمر الرداد أن "الإخوان المسلمين" يدركون حساسية القضية الفلسطينية، لذلك كانوا على رأس التظاهرات التي جرت في الأردن، بهدف استقطاب أكبر قطاعات في المجتمع الأردني بمختلف مكوناته، في إطار الاستثمار في الحالة الشعبية والتعاطف الكبير مع الفلسطينيين في غزة، وهو ما تجلى في دعوات جماعة "الإخوان" إلى الحشد وإغلاق السفارة الإسرائيلية وإلغاء "وادي عربة"، بموازاة الإشادة بالموقف الأردني في بادئ الأمر.
ويرى الرداد أن "الإخوان" وجدوا أنفسهم في مأزق، بعد موقف العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، وموقف الدولة الأردنية المتقدم، بحيث لم يسمح للمعارضة بالمزايدة عليه.
انغلاق سياسي
بينما يؤكد مراد العضايلة المراقب العام لجماعة "الإخوان المسلمين" أن الدولة الأردنية لم يعد لديها خيارات وبدائل للتعامل مع العدوان الإسرائيلي، وأنها باتت في مرحلة انغلاق سياسي وأن موقفها حيال غزة يتسم بالجمود.
ويعتقد مراقبون أن الأمر لا يتجاوز تصرفات فردية من عناصر منفلتة محسوبة على الجماعة، تجعلها في حال مواجهة مع الدولة، بينما يصر آخرون على أن الجماعة تمارس في حقيقة الأمر ضغوطاً عبر استثمار الغضب الشعبي في الشارع.
ويخشى طرف ثالث من أن تتحول هذه الاحتجاجات التضامنية إلى تظاهرات سياسية ومطالب تتقاطع مع استغلال الحال الاقتصادية بشكل يعيد إلى الأذهان تفجر هبات شعبية سابقة كهبة معان جنوب البلاد عام 1989، وهبة الدوار الرابع التي أطاحت حكومة سمير الرفاعي مع بداية الربيع العربي.
لكن تجدر الإشارة إلى أن تظاهرات الشارع الأردني المتضامنة مع غزة يقودها الملتقى الوطني لدعم المقاومة، وهو ملتقى شعبي يمثل العشرات من الشخصيات السياسية المعارضة إضافة إلى نحو سبعة أحزاب أبرزها حزب "جبهة العمل الإسلامي" الذي يمثل "الإخوان المسلمين".
تصعيد ضد وادي عربة
وشهدت الاحتجاجات في الأردن في الآونة الأخيرة تصعيداً ملحوظاً، وانقسم الأردنيون حيالها بين من يرى فيها تهديداً لاستقرار المملكة، وآخرون يعتبرونها رد فعل طبيعياً ضد الأوضاع السياسية الراهنة.
لكن ثمة من يعتقد أن جماعة "الإخوان المسلمين" تسعى إلى توسيع نفوذها السياسي وتوسيع قاعدة دعمها بين الجماهير الغاضبة، بعد أشهر من محاولة الضغط على الحكومة في ملفي معاهدة السلام مع إسرائيل والمعتقلين السياسيين تحت قبة البرلمان.
وكان رئيس الوزراء الأردني جعفر حسان شدد على أهمية معاهدة السلام مع إسرائيل، مؤكداً أنها تخدم الفلسطينيين عبر تسهيل تقديم الدعم الأردني لهم، مضيفاً أن إلغاءها من شأنه أن يحد من قدرة الأردن على مساعدة الفلسطينيين في ظل الأوضاع الراهنة.
اندفاع غير محسوب
يؤكد الوزير الأردني السابق بسام العموش أن مشاهد الدمار والقتل والتهجير في غزة تفرض نفسها على الوجدان العربي، مما يدفع بالتظاهرات الغاضبة إلى المطالبة بالتحرك وعدم الاكتفاء بالتنديد وتوجيه سهام النقد إلى الجيش الأردني، في خطاب انفعالي يهاجم المؤسسات ويشكك بالرموز ويتهم الجميع بالتقصير.
ويضيف العموش أن الخطاب الذي يردده بعض الأردنيين ويطالب بـ"فتح الحدود" أو "قطع العلاقات" أو "الزحف الشعبي"، يحتاج إلى آليات عقلانية وتنفيذية، في ظل واقع دولي معقد ودولة ذات موارد محدودة كالتي نعيش فيها لا يمكن أن تتخذ قرارات بهذا المستوى من الحدة من دون حسابات دقيقة لتبعاتها.
الجماعة والشارع
كثيراً ما اعتبرت جماعة "الإخوان المسلمين" في الأردن أن القضية الفلسطينية وبخاصة غزة تمثل نقطة ارتكاز خطابها التعبوي والديني والسياسي، ومنذ اندلاع حرب غزة الأخيرة وجدت الجماعة في الميدان منبراً لإحياء حضورها الشعبي والسياسي في لحظة إقليمية متوترة.
مع اندلاع الحرب في غزة دفعت الجماعة أنصارها نحو احتجاجات حاشدة قرب السفارة الإسرائيلية، وفي قلب العاصمة، وخصوصاً بعد مجزرة المستشفى المعمداني.
تبنت الجماعة شعارات دينية ووطنية، وحرصت على عدم تجاوز "الخطوط الحمراء"، وكان خطابها يركز على رفض التطبيع، ودعم "المقاومة الباسلة"، مع مطالبات بطرد السفير الإسرائيلي، وعبر أداوت تعبئة مثل المساجد ومواقع التواصل الاجتماعي.
بدورها سمحت السلطات نسبياً بالتظاهرات، لكنها بدأت تضيق ذرعاً بها لاحقاً بسبب تصاعد سقف الهتافات، وانتقالها من كونها رد فعل عاطفياً إلى أداة ضغط سياسية منظمة، إذ أصبحت الهتافات موجهة ضد الموقف الرسمي.
وفي الأشهر الأخيرة شهدت الجماعة تنافساً مع التيارات القومية واليسارية التي عادت بقوة إلى الساحة على وقع الحرب في غزة، ووقع الخلاف مع السلطات حينما بدأت الهتافات تتحول إلى "الهوية الأردنية" و"السيادة الوطنية"، بينما اتهمت الجماعة الحكومة الأردنية بمحاولة شيطنتها.
اندبندنت