حماس الإخوانية والسلطة الأكثر كلفة

حماس الإخوانية والسلطة الأكثر كلفة

حماس الإخوانية والسلطة الأكثر كلفة


22/03/2025

أيمن خالد

لم يدفع شعب كلفة الحرب وأوزارها بحجم ما دفعه الفلسطينيون خلال حكم حركة حماس لقطاع غزة، فهناك ست حروب وخلالها ثمة جولات عديدة محدودة، والسابعة كانت هي الأولى ونقطة البدء أثناء استيلاء حماس على دوائر السلطة الفلسطينية في غزة والتي أطلقت عليها السلطة آنذاك انقلاباً، فيما كان توصيف حماس الداخلي لها أنها حرب الاستقلال عن الاحتلال الثاني الذي هو بنظرها السلطة الفلسطينية وما تلتزم به من المعاهدات التي نتج عنها نشأة هذه السلطة برعاية دولية، وما بين الحرب الأولى والأخيرة بقي الاستعصاء السياسي سيد الموقف في غزة.

يأتي ذلك على الرغم من قسوة الحرب الحالية، باعتبارها غير مسبوقة في فلسفة الحروب المعاصرة، فالمساحة الضيقة، والكثافة البشرية الكبيرة، ثم الاستخدام المفرط للقصف، والحصار والجوع واختفاء المحاور القتالية والتماس المباشر بين خيام اللاجئين والدبابات الإسرائيلية، وصولاً إلى جدلية المفاوضات والهدنة، والذهاب نحو صفقات التبادل الناجحة والمعطلة، وغياب الحالة المدنية المعقدة عن طاولة العهود والشهود.

هنا يأتي حجم الثمن الذي يدفعه المدنيون كلفة للرهان السياسي منذ بداية الحرب، وصولاً إلى شفير الهاوية الأخيرة، فقد كانت تعلم حماس أن نتنياهو يواجه أزمة سقوط الحكومة من جديد مع بداية عرض أزمة الموازنة على الكنيست، والتي استدعت نتنياهو إلى استعادة "بن غفير" للحكومة من جديد بشروطه وهي عودة الحرب، وكان يمكن إدارة اللعبة السياسية بالعمل ضمن آلية سياسية تتيح استمرار المفاوضات ريثما تنتهي مسألة التصويت على الموازنة، غير أن حماس في تحدٍ عجيب ذهبت إلى الحلقة الأولى من المعادلة بينها وبين نتنياهو، جعلته يعمل على استعادة مبررات العودة للحرب بما يضمن بقاء حكومته وتعزيزها بالأصوات اللازمة للتصويت على الموازنة والتي يمتلكها بن غفير في الكنيست. وهنا عادت الحرب وعادت الكارثة الإنسانية لتشكل الساعات الأولى منها مقتل المئات وتجاوز الجرحى الألف، في معاناة فظيعة شهد فيه اليوم الأول حالات بتر للأطراف بدون مخدر، وسط صدمة غير متوقعة من المدنيين الذين اختبروا أقل من شهرين من الهدوء النسبي ليجدوا أنفسهم من جديد في وسط الكارثة.

الإشكالية أن حماس لا تمارس خطاباً تجريبياً في معادلة السياسة، بقدر ما هي مسألة الإصرار على الأيديولوجيا، فالخطاب الإعلامي الذي ظهر على ألسنة إعلامييها وتناولته فضائيات كبرى كان كالتالي:

(إن الفلسطيني أمامه خيار واحد أن يصمد ويقاتل بأطفاله أو بأظافره ولحم أطفاله) وهو بالضبط الخطاب السابق لإسماعيل هنية والسنوار وغيرهما، وبالتالي عندما تذهب حماس نحو المفاوضات لا تشعر بثقل الحرب على المدنيين، بقدر ما يهمها تحقيق إنجازات تخدم استمرار سلطتها، وهو ما ذهبت إليه في مفاوضاتها مع الموفد الأميركي، فما تسرب للصحافة أنها طالبت الأميركان بهدنة بين خمس وعشر سنوات مقابل إتمام صفقة الرهائن مع بقائها في غزة، وهو ليس مطلباً جديداً، فقد عرضه خليل الحية في نيسان ابريل 2024 مضيفاً آليه قيام دولة فلسطينية، ولكن بالطبع هو كان يريد بقاء سلطة حماس في غزة كنقطة تفاوض للدولة الفلسطينية التي يريدها، وهنا يأتي إعادة طرح هذه الفكرة مع الوفد الأميركي لتكون في مضمونها الجديد بمثابة تعطيل لمخرجات القمة العربية الطارئة، وبالتالي طرحت حماس رؤيتها على الأميركيين بما يخلط الأوراق السياسية في المنطقة بالكامل، وهو ما رد عليه الأميركان بالقول (إن مطالب حماس غير عملية تماماً).

بالتالي، كيف يمكن الذهاب إلى اتفاق هدنة جديدة يوقف الحرب، وكيف يمكن الحديث عن اليوم التالي في غزة، كل ذلك يبقى إشكالية معقدة، مع توالي أدوات الضغط التي تمارسها حكومة نتنياهو على المدنيين والثمن اليومي الباهظ، ومع تعنت حركة حماس من جانب آخر، والتي لا تزال عقدة التمسك بالسلطة هي جوهر المعادلة، والتي تعبر عنها باستمرار الاحتفاظ بالسلاح والإمساك بملفات الأمن أمام أي من الحلول المقترحة في غزة.

مؤكد أنها السلطة الأكثر كلفة عبر التاريخ الحديث، أمام مقتل قرابة الخمسين ألفاً وثلاثة أضعاف ذلك من الجرحى، إضافة إلى آلاف المفقودين ودمار غير مسبوق لم يحدث مثله خلال المئة عام الأخيرة، ناهيك عن الكلفة السياسية والاجتماعية والمادية والنفسية التي لا يمكن تدارك نتائجها في فترة وجيزة، وكل ذلك مقابل إقامة (كيانية إخوانية صغيرة) على بقعة حجمها 365 كيلومتراً مربعاً بطول 41 كيلو وعرض يتراوح ما بين 5 إلى 12 كيلومتراً فقط، لكي يثبت الإخوان أنهم يستطيعون أن يكونوا البديل السياسي.

يمكن إقامة دولة الأيديولوجيا على كرسي وطاولة فقط وحاكم وحرس وملايين الضحايا.

العربية




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية