مناخات طائفية في تونس بسبب محاولات لـ "التشيع" السياسي... ما القصة؟

مناخات طائفية في تونس بسبب محاولات لـ "التشيع" السياسي... ما القصة؟

مناخات طائفية في تونس بسبب محاولات لـ "التشيع" السياسي... ما القصة؟


27/02/2025

تثير العلاقات المتنامية بين الرئيس التونسي قيس سعيد والنظام في طهران تحفظات عديدة في الأوساط السياسية، وقد زار قيس سعيد طهران في أيار (مايو) العام الماضي لحضور مراسم عزاء الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي الذي قضى في حادث سقوط طائرته الغامض نتيجة عطل مباغت، والمرجح أن يكون ضمن الاستهدافات الإسرائيلية بعد تفجيرات البيجر، كما أنّها الزيارة الأولى الرسمية منذ منتصف الستينات. ووصلت العلاقات إلى مستويات لافتة من الانفتاح إلى حدّ إعفاء تونس الإيرانيين من التأشيرة. 

ومن بين التخوفات التونسية، محاولات التشيع السياسي، والميل باتجاه إيران سياسياً وعقائدياً وعلى المستوى الإيديولوجي، بما يفقد المجتمع التونسي خصوصيته المحلية والثقافية، واستثمار ذلك في التعبئة السياسية والإقليمية. وبعد العام 2011 سعى الشيعة في تونس إلى بناء تكتلات حزبية لها مزاج طائفي، وتشكيل ما عُرف بـ "حزب الله" في نسخته التونسية، وأعلن عن مرجعيته الشيعية. وكل هذه التحركات المحمومة تبعث باحتمالات وجود دور خارجي إيراني  لتشكيل مرتكزات استراتيجية لها من خلال المكونات الشيعية، واستثمار وجودها سياسياً، وتعبئتها في كيانات وتنظيمات وأحزاب، لتحقيق هيمنة وإدارة مصالح عدة، وتكون جيوباً للتسلل منها في المجال العام.

منتصف الشهر الحالي زارت أنسية خزعلي نائبة الرئيس الإيراني لشؤون المرأة والأسرة تونس، وألقت محاضرة في ندوة بشأن مكانة المرأة في المجتمع الحديث، وذلك في فعاليات ثقافية عرفت باسم "الأسبوع الثقافي الإيراني". قوبلت الزيارة والندوة التي تحدثت فيها خزعلي بانتقادات حادة على خلفية محاولات المسؤولة الإيرانية وضع روابط قسرية مشتركة بين المرأة التونسية والإيرانية في نسختها المتشددة داخل حيز الولي الفقيه، الأمر الذي يهمل ويهدد المكتسبات كافة التي حققتها المرأة التونسية، بل يقوض ربما حقوقها في ظل تنامي وتمدد النفوذ الإيراني ورغبته في تعميم قيمه وسياساته بتونس.

نائبة الرئيس الإيراني لشؤون المرأة والأسرة: أنسية خزعلي

أدانت الكاتبة التونسية آمنة الرميلي استضافة خزعلي، وتساءلت: "كيف يمكن لمن كانت وراء سجن ناشطات نسويات إيرانيات أن تتحدث عن المرأة ومكانتها؟"، وفق منشور لها على صفحتها في موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك)، والأمر ذاته حمله منشور مماثل للكاتبة الصحفية منية العرفاوي، قالت فيه: "لم تأتِ شيرين عبادي المحامية وأول امرأة تعيّن قاضيةً في إيران ورمز النضال النسوي من أجل الحرية التي قادتها إلى جائزة نوبل...، وأتت أنسية خزعلي التي قُتلت مهسا أميني في عهدها، كنائبة للرئيس رئيسي في ملف شؤون المرأة الإيرانية، في مركز أمن، واكتفت فقط بتقديم التعازي إلى العائلة".

من جهته، أبدى المرصد الوطني للدفاع عن مدنية الدولة "استغرابه الكبير" من هذه الدعوة. وقال في بيان: إنّ الوضع المتطور والناجح للمرأة التونسية ليس مجرد تجربة، وإنّما هو نتيجة عمل جبار قامت به نخبة من المستنيرين التونسيين أمثال الطاهر الحداد والهادي العبيدي والحبيب بورقيبة ضد الفكر الرجعي المتشدد، وهو ما أدى، بحسب ما أشار رئيس المرصد منير الشرفي، إلى "إرساء قانون وضعي مُتقدّم يتمثّل في مجلة الأحوال الشخصية التي قفزت بمكانة المرأة التونسية وبتحرّرها مقارنةً بمثيلاتها في البلدان العربية والإسلامية". وعليه، فإنّ استضافة مثل هذه الندوات تمثل تهديداً خطيراً لمكتسبات المرأة التونسية.

صحيفة (الشروق) التونسية قالت: إنّ "تجربة النساء الإيرانيات يعرف القاصي والداني أنّها الأسوأ دولياً تحت حكم نظام ثيوقراطي لا يمنح النساء حقوقهن، ويسمح بجميع الانتهاكات، بما في ذلك فرض الحجاب وتزويج القاصرات"، وأوضحت الصحفية أسماء سحبون في مقالها: "في رصيد خزعلي ما يفيد بأنّها غير مؤهلة لإلقاء محاضرة علمية في تونس حول النساء، والحال أنّها شريكة في قمع النساء وغير ذلك هو إهانة للتونسيات ولتاريخ تونس في منح النساء مواطنتهنّ كاملة".

وعبّرت إحدى المنظمات النسوية، وهي جمعية النساء الديمقراطيات، عن استهجانها للحضور الإيراني المعادي للحريات والقيم الحديثة، والذي يقوم بقمع النساء، وجاء في البيان: "الوجوه الإيرانية معروفة بتبريرها للسياسات القمعية ضد النساء الإيرانيات، خصوصاً في ما يتعلق بفرض الحجاب الإجباري، ودعمها زواج القاصرات، وانتقادها مبدأ المساواة بين الجنسين، وتورطها في قمع الحريات، فقد لعبت دوراً رئيسيّاً في إقصاء الناشطة ورسامة الكاريكاتير الإيرانية آتينا فرقداني من الجامعة وإدانتها (بتهمة الإساءة إلى قادة الأمة)، كذلك وقفت إلى جانب النظام الإيراني وأدانت الاحتجاجات التي أعقبت وفاة مهسا آميني التي قتلت إثر رفضها ارتداء الحجاب".

الكاتبة التونسية: آمنة الرميلي

وبحسب النساء الديمقراطيات التونسيات، فإنّ حضور المسؤولة الإيرانية، بما لها من "رمزية سياسية ودينية، إنّما يتناقض مع مسار النضال النسوي التونسي ومع الحقوق الإنسانية للنساء". 

واصطف أكاديميون وكُتّاب وصحفيون لمواجهة هذا الحضور الرسمي الإيراني، وتصدير شخصية راديكالية معروفة بمواقفها العنيفة والمتشددة بحق المرأة وحقوقها، فضلاً عن أدوارها الخارجية لجذب الدعم السياسي والإقليمي للنظام في طهران، والاستفادة من المراكز الثقافية والقوى الناعمة لتحقيق ذلك، وتم تدشين عريضة بتوقيع النخب الثقافية والأكاديمية في تونس عنوانها واضح لا يحتمل التأويل هو "لا لتمرير الدعاية السياسية في الأنشطة الثقافية"، كما عبّروا عن سخريتهم من دعوة مسؤولة إيرانية في موضوع سجالي عن حقوق المرأة وطرح نقاش ثقافي، بينما هي تنتمي لنظام حكم ديني ثيوقراطي، لا يتورع عن قمع وكتم أصوات النساء، وتهميشهنّ، بل قتل غالبيتهنّ على خلفية رفض الحجاب القسري، أو أثناء الاحتجاجات الحقوقية المختلفة. ورفضوا بشكل تام استقبال بلادهم كل من يحفل سجله بخروقات حقوقية بغضّ النظر عن الانتماء المذهبي والسياسي. 

وسبق لـ "الرابطة التونسية لمناهضة المد الشيعي"، التي تأسست كجمعية لمواجهة نفوذ طهران الطائفي في تونس، سياسياً وعقائدياً، أن طالبت بضرورة التصدي لهذا المدّ الإيراني ووقف تأثيراته الخطيرة على المجتمع التونسي، والمطالبة بضرورة "سنّ قانون يُجرّم التعدي على المقدسات من سبّ الصحابة وزوجات الرسول صلى الله عليه وسلم"، ودعت الجمعية "الحكومة التونسية إلى الإسراع في إغلاق المركز الثقافي الإيراني، وإيقاف كل البرامج الحكومية المشتركة بين تونس وإيران في مجالي الثقافة والتعليم".

لا تبدو حالة الاستقطاب جديدة، إنّما لها سوابق عديدة تؤشر إليها العلاقات المتنامية بين طهران وتونس، لا سيّما مع تصريحات لرئيس الوزراء الفرنسي السابق مانويل فالس، قبل أعوام، الذي قال: إنّ "الحجاب مفروض على النساء في تونس مثلما هو الحال في إيران"؛ الأمر الذي دفع عدة أصوات نسائية وآخرين إلى رفض تصريح المسؤول الفرنسي، والتلميح إلى مقارنة كهذه.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية