الذكاء الاصطناعي والانتشار الافتراضي للجماعات الإرهابية.. رقمنة العنف ومعضلة الأصولية

الذكاء الاصطناعي والانتشار الافتراضي للجماعات الإرهابية.. رقمنة العنف ومعضلة الأصولية

الذكاء الاصطناعي والانتشار الافتراضي للجماعات الإرهابية.. رقمنة العنف ومعضلة الأصولية


26/02/2025

عمدت التنظيمات المتشددة والإرهابية إلى الاستفادة القصوى والبراغماتية من الوسائط المتعددة  لخلق فرص جديدة وشروط متنوعة للانتشار الافتراضي. وسعت إلى بناء صلات متينة وقوية في البنى التحتية للشبكات الإلكترونية، والتماس التطور الهائل تقنياً، لتوظيف الذكاء الاصطناعي لأغراضها العسكرية والدعائية، والإيدولوجية والحركية؛ الأمر الذي عكس تغييرات جذرية في مواجهة مخاطر الأمن ومكافحة الإرهاب، لا سيّما مع الأنشطة الإرهابية المتزايدة بطرق غير مسبوقة. 

وبرز دور هذه التنظيمات في الاعتماد على تقنيات لتوليد مقالات ومقاطع فيديو وصور مزيفة  لخداع الجماهير، أو تزييف تصريحات لمسؤولين حكوميين، ومن ثم إثارة الفوضى.

وقد نجم عن التطور السريع في تقنيات الذكاء الاصطناعي فتح آفاق مغايرة في مختلف المجالات. غير أنّه في المقابل، عمدت التنظيمات الإرهابية إلى توظيف هذه التقنيات لتعزيز عملياتها وتوسيع نطاق تأثيراتها. ويمثل هذا التوظيف للذكاء الاصطناعي تهديداً أمنياً يتخطى المحلي إلى الإقليمي والعالمي، ويتيح للإرهابيين تنفيذ هجمات أكثر تعقيداً وفعالية، ممّا يجعل التصدي لهذه المخاطر أمراً مُلحّاً ومحتوماً.

نجم عن التطور السريع في تقنيات الذكاء الاصطناعي فتح آفاق مغايرة في مختلف المجالات

وكان لافتاً اعتماد تنظيم (داعش) الإرهابي على الذكاء الاصطناعي، حتى بعد هزيمته عام 2019، وسقوط "دولة الخلافة" المزعومة في آخر معاقلها في الباغوز، شمال شرقي سوريا. إذ إنّ انحسار التنظيم، ميدانياً، لم يتسبب في ظل العوالم الافتراضية إلى تلاشي وجوده نهائياً، بما يكشف عن فجوة بين القوة العسكرية وقوة التكنولوجيا، وتطور وسائل الاتصال المختلفة. فالتمدد في المساحات غير المعلنة عبر الخرائط الرقمية، انبنت معه حوامل غير مرئية للأفكار المتشددة، وطبيعتها الراديكالية، التي تحفز على العنف بفعل تجنيد مقاتلين، والاستفادة من الموارد التقنية الحديثة، وقدرتها على جذب المرشحين، والفئات المستهدفة، بطرق غير تقليدية. وتحولت هذه التقنيات الحديثة إلى وسائل تبدو سحرية، يتطلب معها مواجهة غير تقليدية لنفوذ ومخاطر الإرهابيين، بينما باتت تباغت الجميع بهجمات ومستويات عنف لها الأثر المدوي.

ذلك ما يمكن رصده في مقطع مزيف نجح تنظيم (داعش) الإرهابي في صناعته بشكل مزيف، برز فيه رجل بزيّ عسكري وخوذة يروج للهجوم الإرهابي في روسيا على قاعة حفلات في آذار (مارس) العام الماضي، والذي قضى فيه (140) شخصاً. وتشير منظمة "سايت" للاستخبارات، المعنية بتحليل المحتوى الرقمي، إلى أنّ المقطع لم يكن حقيقياً، بل تم توليده بوساطة الذكاء الاصطناعي. 

وعليه، فإنّ تطوير التنظيم الإرهابي لاستراتيجياته الإعلامية، وتوظيف تكنولوجيا الاتصال الحديثة، حقق عدة فرص للمناورة التكتيكية ومضاعفة أثر حوادثه، بغية الانتشار المعنوي مع الأثر المادي والخسائر البشرية في صفوف المدنيين. ويتجاوز هذا الدور في نتائجه الجانب الدعائي، وتجنيد أعضاء جدد ونشر الأفكار أو بالأحرى الرعب، إلى بناء مصائد للحصول على دعم وتلقي عوائد مالية وتبرعات، مقابل هذه الهجمات بين مؤيديه وحواضنه.

كما أنّ الهجمات السيبرانية المتطورة تعتمد التنظيمات الإرهابية فيها على تقنيات الذكاء الاصطناعي، لتنفيذ هجمات إلكترونية معقدة تستهدف البنى التحتية الحيوية، مثل شبكات الطاقة، وأنظمة النقل، والمؤسسات المالية. ويتم ذلك من خلال استخدام برمجيات الذكاء الاصطناعي لاختراق الأنظمة الأمنية والتجسس على البيانات الحساسة،  التحكم في الفيروسات الإلكترونية، لابتزاز الحكومات أو الشركات الكبرى، ثم التلاعب بالخوارزميات الخاصة بالأنظمة المصرفية والاتصالات لتعطيلها أو لسرقة المعلومات، فضلاً عن الروبوتات والطائرات المسيّرة، فقد أصبحت الطائرات بدون طيار والأسلحة ذاتية التشغيل واحدة من أخطر أدوات الجماعات الإرهابية، ويمكن برمجتها باستخدام الذكاء الاصطناعي لتنفيذ عمليات اغتيال دقيقة أو تفجيرات في أماكن مزدحمة. 

الهجمات السيبرانية المتطورة تعتمد التنظيمات الإرهابية فيها على تقنيات الذكاء الاصطناعي، لتنفيذ هجمات إلكترونية معقدة

ويؤشر ذلك إلى احتمالية تضاعف دقة الهجمات الإرهابية، بما يجعل عمليات مكافحة الإرهاب أكثر صعوبة، خاصة مع استخدام الطائرات المسيّرة في عمليات الاستطلاع لجمع المعلومات حول الأهداف المحتملة، فضلاً عن مخاطر تطوير أسلحة آلية قادرة على العمل من دون تدخل بشري، ممّا يقلل الحاجة إلى عناصر بشرية في الميدان. 

مركز مكافحة الإرهاب في (وست بوينت) العسكرية بولاية نيويورك، لم يتردد في فضح هذا الدور المشبوه للجماعات الإرهابية والتنظيمات المتشددة المسلحة، وقد كشف في دراسة قبل نحو عام عن اضطلاع الذكاء الاصطناعي في قبضة الإرهابيين بتوليد الدعاية ونقلها بالوسائط المختلفة، واستخدام روبوتات الدردشة في التجنيد. لكنّ المثير للانتباه، ويبعث على القلق والحذر معاً، استعمال هذه الروبوتات القاتلة في تنفيذ هجمات انتحارية، وكذا بالطائرات المسيّرة، وهي هجمات إلكترونية لا تحتاج إلى تكلفة مادية باهظة مثل وسائل القتال التقليدية. 

وبحسب موقع (العرب اللندنية) تنجح ألعاب الفيديو في استهداف الشباب، لأنّ بإمكانها التأثير فيهم وتغيير توجهاتهم بسهولة. لذا قام تنظيم (داعش) الإرهابي بتصميم ألعاب إلكترونية، وقام بتحميلها على المتاجر الإلكترونية، والمنتديات الجهادية، بهدف توفيرها لمناصري التنظيم واستغلالها كأداة في عمليات التواصل بينهم، وتحقيق أهدافه من دعاية وانتشار، واستقطاب الشباب للتجنيد عبر التواصل معهم من خلال هذه الألعاب وغرف الدردشة الخاصة بها.  كما حاول استغلال هذه الألعاب لتحقيق المحاكاة للعمل الميداني على أرض الواقع من خلال التواصل بين أعضائه، وممارسة التخطيط والتواصل عبر خوض المعارك الافتراضية في ما بينهم في هذه الألعاب.

مع ظهور وتبنّي نماذج التعلم العميق المتطورة مثل Chat Gpt، هناك قلق متزايد من استغلال عناصر التنظيمات الإرهابية ذلك لتطوير قدراتهم عبر الشبكات الافتراضية والإنترنت، فضلاً عن تنفيذ عملياتهم في الواقع. وتتمتع نماذج اللغة الكبيرة LLM بالقدرة على تمكين الإرهابيين من التعلم والتخطيط ونشر أنشطتهم بكفاءة ودقة وتأثير أكبر من أيّ وقت مضى. وعلى هذا النحو هناك حاجة كبيرة للبحث في الآثار الأمنية لهذه النماذج من التعلم العميق؛ لأنّ "الذكاء الاصطناعي يشكل تهديداً لبقاء البشرية، على قدم المساواة مع الحرب النووية والأوبئة العالمية"،  كما يقول الرئيس التنفيذي لشركة OpenAI، صامويل ألتمان، في جلسات الاستماع بالكونجرس الأمريكي في 16 أيار (مايو) العام 2023. 




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية