علي خليفة المنسق العام لحركة "تحرُّر" من أجل لبنان لـ (حفريات): نواف سلام آتٍ بمهمة دولية

علي خليفة المنسق العام لحركة "تحرُّر" من أجل لبنان لـ (حفريات): نواف سلام آتٍ بمهمة دولية

علي خليفة المنسق العام لحركة "تحرُّر" من أجل لبنان لـ (حفريات): نواف سلام آتٍ بمهمة دولية


23/02/2025

أجرى الحوار: رامي شفيق

مع المتغيرات العنيفة التي شهدها الإقليم بعد السابع من تشرين الأول (أكتوبر) العام الماضي، وتحديداً في لبنان وسوريا، حيث إنّ الأخيرة شهدت سقوط نظام بشار الأسد بعد نحو (14) عاماً من الحرب، بينما الأولى التي كانت ضمن ما عرف بـ "جبهة الإسناد" ومرتهنة بقرار المحور الإيراني، تشكلت فيها حكومة جديدة وتحاول مع المسار الذي أعقب الهدنة والانخراط في تسوية سياسية استعادة الدولة لوجودها ونزع السلاح المتفلت وغير الشرعي. 

تساؤلات عديدة تحاوط الحكومة الجديدة في لبنان، سواء ما يتصل بقدرتها على مقاومة العهد القديم والسابق، والخروج من بيت الطاعة الإيراني بوكلائه المحليين، أو دورها الخارجي إقليمياً ودولياً، والتعاون مع شركاء استراتيجيين في المحيط الحيوي العربي، وكذا أوروبا والولايات المتحدة، وبما يضمن مصالح لبنان، لبنان أوّلاً. بعبارة أخرى؛ تنحل أيّ روابط تجعل من لبنان ساحة ضغط أو تفاوض لحساب أطراف خارجية، وتحولها من دولة طبيعية لها سيادة وحقوق ومصالح، إلى مجرد جغرافيا وظيفية. 

ويرجح علي خليفة المنسق العام لحركة "تحرُّر" من أجل لبنان لـ (حفريات) أنّ رئيس الحكومة نواف سلام آتٍ بمهمة دولية. ويقول: "تترافق هذه المهمة مع التغيرات التي طرأت على المشهد السياسي الإقليمي، ومنها هزيمة مشروع الممانعة في المنطقة وسقوط نظام الطاغية في سوريا حيث كان من أهم حلفاء النظام الإسلامي في إيران ونافذته على المتوسط. التغييرات هذه طالت لبنان من خلال فرض انتخاب رئيس للجمهورية من خارج النادي السياسي (رأس المؤسسة العسكرية)، وفرض تسمية رئيس للحكومة من خارج هذا النادي أيضاً (رأس محكمة العدل الدولية). بالمقابل، جرى تشكيل الحكومة بأدوات محلية ودون السقف المرتجى، مع بعض الضوابط عبّرت عنها المبعوثة الأمريكية مورغان أورتيغاس. بالنتيجة، لن تتمكن هذه الحكومة من الإصلاحات الجذرية، وعلى كل الأحوال ففترة صلاحية هذه الحكومة ستكون عاماً واحداً فقط، لأنّ الانتخابات النيابية المقبلة ستكون في أيار (مايو) 2026".

وبحسب خليفة، فإنّ حكومة نواف سلام الحالية ما يزال يهيمن عليها وزراء يدينون بالطاعة الكاملة للثنائي أمل ـ حزب الله في وزارة المالية والصحة بشكل أساسي، وفي وزارة البيئة. إنّ هذه الوزارات ستكون بمثابة مراكز يسخّرها الثنائي الشيعي في خدمة مصالحه. وإصرار حركة أمل على الاحتفاظ بوزارة المالية جرى التسويق له من أبواب كثيرة: فتارة من باب المشاركة في السلطة عبر ضمان التوقيع الثالث للشيعة، وفي الأمر هرطقة دستورية، وطوراً من باب عدم إشعار المكوّن الشيعي بالتراجع خصوصاً بعد انتهاء الحرب وبروز أصوات عديدة تدعو إلى ترجمة خسارة الخيار العسكري للثنائي أمل ـ حزب الله بالسياسة وتحجيم مساهمة الثنائي في السلطة. ولكن خلف كل ذلك، فوزارة المالية تحتفظ بأسرار الفساد المالي للثنائي الشيعي في السلطة. ودون تغيير رأس القرار فيها لا يمكن التوسع بالتدقيق المحاسبي الجنائي لمصرف لبنان ومراقبة النفقات مع المؤسسات والدوائر المختلفة للدولة، والتي ستبقى خاضعة للابتزاز وللسرقة وللإنفاق غير المحسوب وغبّ الطلب. والعمليات المالية جميعها في ظل ممارسة وزير المالية المحسوب على حركة أمل ياسين جابر ستكون خارج متطلبات المحاسبة العمومية والشفافية.

وهنا نص الحوار:

كيف تُقيِّمون معايير تشكيل الحكومة التي يعتمدها رئيس الوزراء المكلف نواف سلام، مثل النزاهة وفصل النيابة عن الوزارة؟ وهل تعتقد أنّ هذه المعايير قادرة على تجاوز المحاصصة الطائفية؟ 

ـ وضع نواف سلام لتأليف حكومته معايير ثم انقلب عليها. زعم مثلاً أنّه يرفض توزير الحزبيين، ولكنّه استعاض عنهم بمستقلّين يأتمرون مباشرةً من رأس كل حزب، ولا يكاد ينقصهم ليكونوا حزبيين سوى بطاقة الانتساب. ثم زعم أمام اللبنانيين أنّه ليس هناك وزارة حكر على أيّ طائفة، وما لبث أن تنازل أمام تثبيت وزارة المالية بيد شيعي يأتمر مباشرة من حركة أمل، ويموّل حملاتها الانتخابية من ثروته، ومن تعاملاته المالية التي سلطت الضوء عليها بعض التقارير الصحفية. 

رئيس الحكومة اللبنانية: نواف سلام

ونواف سلام الذي أنكر أن يكون صندوق بريد يتلقّى فيه أسماء الودائع، ظلّ يعمل كساعي بريد يأخذ الأسماء ذهاباً وإياباً إلى أن تستقرّ على حقيبة، كما تعاطى مع الثنائي أمل ـ حزب الله. 

كذلك قال نواف سلام بعدم الجمع بين النيابة والوزارة، وهذا مبدأ ضروري من الناحية الدستورية في سبيل فصل السلطات، ولكنّه غير كافٍ من أجل تأمين أداء هذه السلطات مهامها. فإذا كانت الكتل النيابية الكبرى جميعها ممثلة بالحكومة، تصبح الحكومة صورةً مصغرة عن مجلس النواب حتى لو لم يكن فيها من يجمع النيابة والوزارة في شخصه. وتنتفي بذلك مهام المساءلة والمراقبة والمحاسبة إجمالاً أو تتعطّل بشكل كبير.

بالمقابل، كان المطلوب من نواف سلام عملاً آخر، بما هو رجل قانون، ويبدو أنّه قادم من لاهاي إلى لبنان بمهمة. كان عليه من اليوم الأول تقديم صورة عن الحكومة كفريق عمل، لا كقالب حلوى. فيها الحزبيون وغير الحزبيين وفق المقتضى. فتكون التربية والأشغال والطاقة مثلاً بيد اختصاصيين مستقلّين مشهود لهم بخبراتهم في مجالاتهم وقصص نجاحاتهم فيها، وتكون الخارجية والداخلية مثلاً بيد حزبيين أو فاعلين في المجتمع المدني يعكسون توجهات خطاب القسم. ولا يتساوى الحزبيون في أحزاب تنادي من أجل سيادة الدولة مع أحزاب كحزب الله الذي ولاؤه السياسي لقائد الثورة الإسلامية في إيران

حركة "تحرر" تُعارض هيمنة الثنائي الشيعي (أمل وحزب الله) على القرار السياسي. كيف تنظرون إلى مشاركتهما في الحكومة، خاصة في الحقائب السيادية مثل المالية والدفاع؟ 

ـ حكومة نواف سلام الحالية ما يزال يهيمن عليها وزراء يدينون بالطاعة الكاملة للثنائي أمل ـ حزب الله في وزارة المالية والصحة بشكل أساسي، وفي وزارة البيئة. إنّ هذه الوزارات ستكون بمثابة مراكز يسخرها الثنائي الشيعي في خدمة مصالحه. إصرار حركة أمل على الاحتفاظ بوزارة المالية جرى التسويق له من أبواب كثيرة: فتارة من باب المشاركة في السلطة عبر ضمان التوقيع الثالث للشيعة، وفي الأمر هرطقة دستورية، وطوراً من باب عدم إشعار المكون الشيعي بالتراجع، خصوصاً بعد انتهاء الحرب وبروز أصوات عديدة تدعو إلى ترجمة خسارة الخيار العسكري للثنالئي أمل ـ حزب الله بالسياسة وتحجيم مساهمة الثنائي في السلطة. ولكن خلف كل ذلك، فوزارة المالية تحتفظ بأسرار الفساد المالي للثنائي الشيعي في السلطة. ودون تغيير رأس القرار فيها لا يمكن التوسع بالتدقيق المحاسبي الجنائي لمصرف لبنان ومراقبة النفقات مع المؤسسات والدوائر المختلفة للدولة، والتي ستبقى خاضعة للابتزاز وللسرقة وللإنفاق غير المحسوب وغبّ الطلب. والعمليات المالية جميعها في ظل ممارسة وزير المالية المحسوب على حركة أمل ياسين جابر ستكون خارج متطلبات المحاسبة العمومية والشفافية.

في وزارة الصحة التي يديرها ركان ناصر الدين المحسوب على حزب الله، هناك مغامرة من نوع آخر. من تسجيل الدواء والتلاعب فيه، إلى الترخيص للدواء الإيراني بما لا يتوافق مع الآليات والإجراءات والمعايير الدولية، وصولاً إلى استنسابية دعم المستشفيات والصناديق الصحية، قد نشهد إعادة إحياء المجهود الحربي لحزب الله عبر المساعدات الصحية وتوجيهها وتسخير مقدّرات الدولة لإنعاش شبكات الحزب، وهنا الخطورة.  

وزير الصحة في الحكومة اللبنانية: ركان ناصر الدين

خذ أيضاً وزارة البيئة التي ستشغل حقيبتها تمارا الزين، وهي المحسوبة على حركة أمل. وقد وضعت سابقاً كل تجربتها وخبراتها بخدمة المشروع السياسي والتبعية الحزبية للجهة التي تنتمي إليها. فتراها تتحدث مثلاً عن الأثر البيئي للاعتداءات الإسرائيلية على الجنوب، ولكنّها لا تتحدث عن الأثر البيئي للمشاريع السياحية التي يطلقها المتنفذون في البيئة المحسوبة عليها، كما على شاطئ صور ومحميتها.

هل تعتقد أنّ التوازنات الإقليمية، خاصة الدعم الإيراني لحزب الله، ستؤثر على قدرة الحكومة الجديدة على تنفيذ إصلاحات دستورية؟

ـ أعتقد أنّ رئيس الحكومة نواف سلام آتٍ بمهمة دولية. تترافق هذه المهمة مع التغيرات التي طرأت على المشهد السياسي الإقليمي، ومنها هزيمة مشروع الممانعة في المنطقة وسقوط نظام الطاغية في سوريا الذي كان من أهم حلفاء النظام الإسلامي في إيران ونافذته على المتوسط. التغييرات هذه طالت لبنان من خلال فرض انتخاب رئيس للجمهورية من خارج النادي السياسي (رأس المؤسسة العسكرية)، وفرض تسمية رئيس للحكومة من خارج هذا النادي أيضاً (رأس محكمة العدل الدولية). بالمقابل جرى تشكيل الحكومة بأدوات محلية ودون السقف المرتجى، مع بعض الضوابط عبّرت عنها المبعوثة الأمريكية مورغان أورتيغاس. بالنتيجة؛ لن تتمكن هذه الحكومة من الإصلاحات الجذرية، وعلى كل الأحوال ففترة صلاحية هذه الحكومة ستكون عاماً واحداً فقط، لأنّ الانتخابات النيابية المقبلة ستكون في أيار (مايو) 2026. 

في ورشة "من المسألة الشيعية إلى حاضنة الدولة"، انتقدتم استخدام حزب الله السلاح لقمع المظاهرات في الجنوب. كيف يمكن للدولة استعادة احتكار السلاح في ظل هيمنته العسكرية؟ 

ـ سلاح حزب الله اليوم هو سلاح رديف للقوى العسكرية الشرعية، أي أنّه سلاح ميليشيا، تحدّد إمرته ووجهته القيادة الإيرانية. إزاء ذلك ليس على الدولة اللبنانية سوى فرض استراتيجية الأمن القومي، فالدفاع والأمن ليسا فقط بالسلاح والعتاد. يسعى الأمن القومي إلى تعزيز سيادة الدولة من خلال تحصين المؤسسات الأمنية الشرعية من جيش وقوى أمن وشرطة. وتنمية الاقتصاد الوطني كجزء من الأمن القومي لضمان الاستقرار الداخلي. وإقامة النظام السياسي لتعزيز مفهوم المواطنة بدلاً من تعطيل النظام أو الانقلاب عليه نتيجة غلبة طائفية. وتطرح استراتيجية الأمن القومي تعزيز علاقات لبنان الدولية وترميم ما انقطع منها مع محيطه والعالم عبر سياسة تحمي المصلحة الوطنية العليا للبنان.

وهنا يأتي الحياد الإيجابي، المبدأ المنصوص عنه في القانون الدولي العام، كخيار استراتيجي قائم على التوازن والانفتاح وبعيداً عن الاستقطابات الحادة التي تقسم المجتمع أو تقصم ظهره... والحياد بصفته الإيجابية ليس انغلاقاً على الذات، بل الفعالية في القضايا الإقليمية والدولية دون الاصطفافات التي تؤدي إلى الانحياز إلى أيّ محور، مع الحفاظ على علاقات جيدة مع الجميع. فتُبنى سياسات اقتصادية مستقلة تمنع الارتهان لأيّ طرف خارجي، وتتعزز الدبلوماسية المعروفة بالوقائية لمنع الوقوع في الأزمات الناشئة خارجاً. مع دعم التوجه نحو قضايا السلام وحقوق الإنسان، ممّا يجعل لبنان يسترجع صورته ورسالته، ويتم الفصل بين المكونات الطائفية اللبنانية والمحاور الإقليمية والدولية.

إذاً استراتيجية الأمن القومي ومشروع الحياد، لا سلاح حزب الله والحرب الدائمة.

بعد الحرب الأخيرة مع إسرائيل، قدَّر البنك الدولي خسائر لبنان بـ (5.1) مليارات دولار. هل تعتقد أنّ حزب الله يجب أن يُحاسَب على تداعيات هذه الحرب؟ وكيف؟ 

ـ طبعاً يجب محاسبة حزب الله بعد الحرب، من خلال إقصائه عن المشاركة في السلطة كثمن سياسي لفشل خياراته العسكرية؛ الأمر الذي لم يحصل نتيجة عدم إقدام رئيس الحكومة نواف سلام على استبعاده. فالرئيس سلام يريد ممارسة الحكم والدخول إلى نادي رؤساء الحكومات السابقين إسوة بمن سبقوه من أبناء عائلته، ويفضّل ذلك على المواجهة الضرورية مع مشروع حزب الله. 

من جهة ثانية، البيئة الشيعية هي الأكثر تضرّراً من مشروع حزب الله، وينبغي عليها في الانتخابات النيابية المقبلة بعد عام وعدة أشهر أن تنتفض وتعاقب حزب الله وتسقط نوابه كتعبير عن فشل ما كانوا يطرحونه. أهم هذه الشعارات التي ساقها حزب الله في الانتخابات النيابية السابقة كان شعار: "نحمي ونبني". اليوم سلاحه لم يحفظ حتى حامله. وصواريخه الدقيقة، إن وُجدت، فليس بيده قرار تشغيلها، بل في طهران وبين أيدي الحرس الثوري الإيراني والسفير المفوض السامي الإيراني الذي تبيّن أنّ له دوراً مباشراً في إمرة عناصر حزب الله بعد إصابته بتفجير أجهزة الـ Pagers، على خلاف كل المعاهدات والاتفاقيات التي ترعى أعمال البعثات الديبلوماسية الأجنبية والعلاقات الدولية. ومشرّعة بيوت اللبنانيين وأرزاقهم وأرضهم وماؤهم وسماؤهم على الأخطار الجمّة في ظلّ دفاع الحزب المزعوم عن لبنان أكثر من أيّ وقت مضى على امتداد تاريخ لبنان المعاصر.

 البيئة الشيعية هي الأكثر تضرّراً من مشروع حزب الله

وكلّ هذا الدمار الماحق يشهد: عشرات القرى التي أزيلت عن الخريطة ومئات الآلاف من الوحدات السكنية التي سوّيت بالأرض. بـ (4) آلاف دولار و(6) آلاف كبدلات إيواء لسكان بيروت والضاحية وبقية المناطق المنكوبة، يريد حزب الله التعويض عن مليارات الدولارات من الخسائر الفادحة، فيدفع لمناصريه جماعاتٍ وأفراداً، ويرمي عبء الباقي الأعم على الدولة ومؤسساتها وسائر اللبنانيين.

يدَّعي حزب الله أنّ سلاحه ضروري "للمقاومة"، لكنكم تؤكدون فشله في تحقيق الأمن. ما البديل الذي تطرحونه لضمان حماية لبنان دون الاعتماد على الميليشيات؟  

ـ أكدت في سؤال سابق بالقول إنّ البديل عن سلاح حزب الله هو استراتيجية الأمن القومي للدولة ومشروع الحياد الإيجابي. طبعاً هناك إصلاحات دستورية منصوص عنها في اتفاق الطائف. وهي لم تنفّذ؛ أهمّها: إصلاحات اللّامركزية الموسعة، بحيث تتحسّن ظروف الحكمية السياسية والإدارية والاقتصادية وإنشاء مجلس الشيوخ وإلغاء الطائفية.

حركتكم "تحرّر من أجل لبنان" تدعو إلى "دمج التشيّع مع قيم الدولة". كيف يمكن تحقيق ذلك في ظل سيطرة أحزاب طائفية على تمثيل الشيعة؟ 

ـ علينا أن نسعى إلى تظهير البديل عن الأحزاب الطائفية الشيعية، وأن يكون لهذا البديل شرعية شعبية عبر الانتخابات. هذا الأمر يتطلب نشر وعي بأهمية عودة اندماج اللبنانيين الشيعة بمشروع الدولة. الحرب التي كانت بمثابة النكبة على الطائفة الشيعية تحديداً من شأنها تحفيز الانتقال إلى مشروع الدولة الذي لا بدّ منه ولا بديل عنه بعدما اختبر الشيعة تحديداً مرارة الخيارات الأخرى، والشقاء التلقائي المترتب عنها وصولاً إلى الموت المجاني والذلة والمهانة.

ما خطتكم العملية لتعزيز اللّامركزية وتشكيل مجلس الشيوخ كخطوة نحو تجاوز النظام الطائفي؟ وهل تتوقعون دعماً دوليّاً لهذا الإصلاح؟ 

ـ اللّامركزية وتشكيل مجلس الشيوخ هي إصلاحات دستورية. أي أنّها تتطلب الوجود في مراكز القرار في السلطتين التشريعية والتنفيذية. نحن سنضمّن هذه الخطوات في البرامج الانتخابية لمرشحينا، أي أننا سنعمل على تنفيذها فور فوز أحد مرشحينا في الانتخابات النيابية المقبلة. وهذه الإصلاحات ضرورية لإقامة النظام السياسي، وهي تحظى في الوقت نفسه بالدعم العربي والدولي على حدٍّ سواء، كونها جزءاً من اتفاق الطائف. 

كيف تفسرون تصريحات وزير الخارجية الإيراني الأخيرة التي انتقدتموها؟ وهل ترون أنّ الحكومة الجديدة قادرة على مواجهة التدخلات الخارجية؟ 

ـ يتدخل النظام الإسلامي في إيران في الشؤون الداخلية للدول، ومنها لبنان، تحت عنوان تصدير الثورة الإسلامية ومناصرة المستضعفين. والدستور الإيراني في هذا المجال يتنافى مع القانون الدولي والعلاقات الدولية وسيادة الدول. وثمة ما هو أخطر وأدهى، أنّ هذه التدخلات الإيرانية تستهدف استقطاب الشيعة وانتزاعهم من مجتمعاتهم وإلحاقهم عبر الولاء السياسي والديني بمشروع الولاية العامة للفقيه الإيراني. هذا المشروع لا يواجه بالديبلوماسية وحدها، فالعطب الأساسي هو في النظام الإسلامي في إيران وعقيدة تصدير الثورة المتضمنة في دستورها. إنّ التغيرات الطارئة على المشهد السياسي في المنطقة يبدو أنّها مستمرة، والنظام الإسلامي في إيران سيواجه صعوبات جمّة إزاء التشدد بالعقوبات من جانب إدارة الرئيس الأمريكي الجديد، وتنامي الاحتجاجات الداخلية على مظالم النظام وفساده؛ ممّا قد يؤدّي إلى سقوط النظام الإسلامي في إيران كتتويج للمرحلة وتغيراتها، والتمهيد للانتقال إلى مرحلة جديدة بملامح مختلفة تماماً عن السابق.

يتدخل النظام الإسلامي في إيران في الشؤون الداخلية للدول، ومنها لبنان، تحت عنوان تصدير الثورة الإسلامية ومناصرة المستضعفين

تتحدثون عن "ضرورة رعاية دولية" لحل أزمة لبنان. ما الدور المحدد الذي تتوقعونه من المجتمع الدولي، خاصة في نزع سلاح حزب الله؟ 

ـ كل ما جرى لغاية الآن في لبنان كان نتيجة عوامل خارجية أدّت إلى سقوط مشروع حزب الله في لبنان وتحجيم دور إيران. وقد ضعفت القدرات العسكرية لحزب الله بعد الحرب إلى حدٍّ كبير، وللأسف الفاعلون المحليون لم يواكبوا كل تلك التغيرات، وظلّوا يتعاطون مع الواقع المحلي بالأدوات القديمة... تشكيل حكومة نواف سلام لم يكن على قدر مواكبة التغيرات الإقليمية الحاصلة في المنطقة.

بعد عام على إعلان حركة "تحرّر"، ما الإنجازات التي تحققتم منها؟ وما الخطوة التالية في مشروعكم لاستعادة الدولة؟ 

ـ ثبّتنا مشروعاً سياسياً واجب الوجود من أجل إحداث المايز داخل البيئة الشيعية في لبنان عن خطاب حزب الله وأدبياته وسردياته. وستستكمل حركة "تحرُّر" عملها اليوم من خلال المشاركة في الانتخابات النيابية المقبلة وتقديم مرشحين وفق برنامج عمل يقوم على مشروع الدولة واستراتيجية الأمن القومي والحياد الإيجابي. ويستهدف مشروعنا بشكل أساسي فئة الشباب وخياراتهم النابعة من الحداثة، وتبنّي الحريات التي لطالما شكلت خصوصية لبنان وهويته الثقافية والاجتماعية.

كلمة أخيرة إلى اللبنانيين الذين فقدوا الثقة بالطبقة السياسية؛ كيف تقنعونهم بأنّ مشروعكم قادر على النفاذ نحو المستقبل؟

ـ كل المشاريع البديلة تمّت تجربتها، من عسكرة الطائفة إلى المقاومة الأبدية دون أفق، وكانت النتيجة أنّ السلاح وحده لا يحمي، ولا بديل ولا غنى عن أدوار الدولة ووظائفها الحصرية في الدفاع والأمن والاقتصاد والمجتمع. إيران تاجرت بدماء اللبنانيين، وحزب الله استرخص التضحية بها... الوقت حان لإيقاف هذه المتاجرة وهذه التضحيات، والتنبه إلى ضرورة العودة إلى لبنان ومشروع الدولة، وما يحفظ أمن المواطنين وأمانيهم بمستقبل أفضل وفرص يستحقونها في التنمية والعيش الكريم.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية