الاتحاد الإسلامي الكردستاني وجدل التنوع في كردستان بين السياسة والهوية

الاتحاد الإسلامي الكردستاني وجدل التنوع في كردستان بين السياسة والهوية

الاتحاد الإسلامي الكردستاني وجدل التنوع في كردستان بين السياسة والهوية


16/02/2025

مع الانتخابات البرلمانية الأخيرة نهاية العام الماضي في إقليم كردستان العراق، لم تكن النتائج تؤشر إلى تغييرات جذرية في ظل ما أسفرت عنه من مقاعد، تفاوتت بين (39) مقعداً للحزب الديمقراطي الكردستاني، و(23) مقعداً للاتحاد الوطني الكردستاني، وخسارة حركة التغيير. بيد أنّ اللافت هو انحسار وتقلص تمثيل الاتحاد الإسلامي الكردستاني (فرع جماعة الإخوان)، الذي جاء في المرتبة الرابعة بنحو (7) مقاعد، وذلك بما لا يرجح انخراطهم السياسي أو وجود نفوذ لهم بالحكومة. 

ويمكن القول إنّ تراجع وانحسار نفوذ الإخوان في الإقليم، سياسياً، له جملة اعتبارات، تتمثل في ضعف قدرة حوامله الاجتماعية على تشكيل كتلة صلبة في مواجهة القوى التقليدية الكردية الممثلة في أربيل والسليمانية والحزبين الرئيسيين، وهما الديمقراطي والاتحاد. حيث إنّ كردستان ذات تنوع ديني وإثني وسياسي، وهو ما يتطلب بإلحاح ضرورة التوازن بين مختلف الأطياف، للحفاظ على الاستقرار. ويهدد هذا الاستقرار الخطاب الإسلامي الراديكالي من قبل الاتحاد الإسلامي، لا سيّما في ظل بيئة متعددة الأديان والمذاهب، ممّا قد يتسبب في توترات سياسية واجتماعية وحتى أمنية.

التنوع الثقافي من ركائز الهوية

كردستان تضم أكراداً مسلمين سنّة وشيعة، بالإضافة إلى أقليات دينية مثل الإيزيديين، والمسيحيين، والكاكائيين. وعليه، فإنّ الخطاب الإسلامي الذي يقدمه الاتحاد الإسلامي، رغم إعلانه الالتزام بالمواطنة والتعددية، قد يرسّخ لإقصاء ناعم لهذه الأقليات، الأمر الذي تتخوف منه القوى الحاكمة، خاصة في حال تصاعد التأثير الإسلامي في المجال السياسي والتشريعي. فالتوجه نحو "أسلمة" المجال العام قد يفاقم التمييز ضد الأقليات، ممّا يؤدي إلى تآكل التنوع الثقافي الذي يُعدّ من ركائز الهوية الكردية.

كردستان تضم أكراداً مسلمين سنّة وشيعة، بالإضافة إلى أقليات دينية مثل الإيزيديين، والمسيحيين، والكاكائيين

يؤدي الاتحاد الإسلامي عدة أدوار سلبية في تعقيد المشهد السياسي الكردي، فهو يتبنّى مواقف تجمع بين المعارضة السياسية للحزبين الحاكمين (الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني)، وبين خطاب إسلامي يسعى لاكتساب شرعية دينية في مجتمع كردي يميل إلى العلمانية النسبية. هذا الوضع يؤدي إلى صدامات سياسية متكررة، حيث تتزايد الانقسامات الإيديولوجية بين الأحزاب العلمانية والإسلامية، ممّا يضعف وحدة الموقف السياسي الكردي ويجعل الإقليم أكثر عرضة للأزمات الداخلية.

الحركات الإسلامية الكُردية باختلاف هوياتها السياسية لا تختلف فيما بينها حول نظام الحكم. ولكنّ المَيل الباطني لحكم الشريعة، وشراكتها مع الأحزاب القومية في المؤسسات السياسية والتشريعية، منعها من إبراز دور يمكن من خلاله استقطاب الشباب. وبالنظر إلى الأعداد الضخمة من الشباب الكردي الذي انضم إلى تنظيم (داعش) في مناطق مختلفة من كُردستان، يمكننا القول إنّ الأحزاب الإسلامية الكُردية، حالها حال الأحزاب القومية، فشلت في تفريغ حمولة (داعش) الإيديولوجية، وتفسيرها للدين بطبيعة الحال، وفق معهد واشنطن.

إذ يختلف الاتحاد الإسلامي الكُردستاني، وهو فرع الإخوان المسلمين في كُردستان الذي تأسس عام 1994 عن باقي الأحزاب الإسلامية اختلافاً طفيفاً فيما يخص رؤيته وتأسيس حكم الشريعة، بحسب المعهد الأمريكي، وتابع: "خلافاً للحركة الإسلامية التي نشأت في إيران ولديها جناح عسكري، نشأ الاتحاد الإسلامي الكردستاني في كردستان العراق ولم يكن لديه جناح عسكري. ومع ذلك يعتبر الاتحاد الإسلامي الكردستاني أقلّ ميلاً للوضوح السياسي حول المنهج الجهادي الذي اعتمدته الحركات. كان الحزب قبل تاريخ تأسيسه عبارة عن منظمة باسم (الإغاثة الإسلامية)، وقد استطاع تأسيس الحاضنة الاجتماعية والثقافية والنفسية قبل الكشف عن نفسه كحزب سياسي، وذلك من خلال العمل الخيري المتمثل بتوزيع الاحتياجات اليومية مثل الغذاء والملابس والنقود على الناس. كما عمل بين المؤسسات التربوية والصحية في القرى والمناطق البعيدة عن المراكز الحضرية. وقد استطاع من خلال سياسة "ليّنة" وغير عسكرية تأسيس جيل جديد تكفل بتربيته الإيديولوجية والفكرية نهاية تسعينات القرن المنصرم والعقد الأول من الألفية الثانية، وإيصال كوادره -بشكل خاص الكوادر النسائية- في مجالات الطب والتربية والهندسة والإعلام والعلوم الحديثة إلى غالبية المؤسسات في إقليم كُردستان. وتتميز هوية سياسة الإخوان المسلمين في كُردستان كمثيلاتها في المنطقة والعالم، بخصوصية مدنية مرنة، تملك قدرة الامتصاص قبل الاصطدام، إنّما لا تنفك سياسته عمّا يرسمه الإخوان المسلمون في المنطقة والعالم".

مناورات الإسلامويين

الخطاب الإسلامي المسيس، حتى في صيغته المعتدلة المتوهمة والتي تروج لها القوى الإسلاموية، يميل إلى التأثير على الحريات الاجتماعية، باعتباره مدخلاً ضمن تعميم إيديولوجيته وتشكيل هيمنة يفرض بها النفوذ السياسي، ثم التمكين لاحقاً، خصوصاً فيما يتعلق بحقوق المرأة والحريات الشخصية، وهذه الجوانب الأخيرة يمثل الانفتاح فيها شروط الاستقرار في الإقليم الكردي الذي يحتمي بالتنوع والحرية. لكنّ صعود الاتحاد الإسلامي قد يدفع باتجاه سياسات أكثر تشدداً، ممّا يؤدي إلى تقييد الحريات الفردية وتقويض النهج الليبرالي النسبي الذي تتبناه كردستان مقارنة بمناطق أخرى في العراق تقع تحت وطأة الطائفية. كما أنّ هذا التوجه قد يثير ردود فعل اجتماعية حادة، خاصة من قبل القوى الشبابية والنسوية التي تطالب بمزيد من الحريات.

الخطاب الإسلامي المسيس، حتى في صيغته المعتدلة المتوهمة والتي تروج لها القوى الإسلاموية، يميل إلى التأثير على الحريات الاجتماعية

الاتحاد الإسلامي الكردستاني يتبنّى خطاباً متشدداً علانية في مواقف عديدة، مثل دفع الإقليم بعد السابع من تشرين الأول (أكتوبر) قبل عامين تقريباً، في مواقف مرتهنة بما عرف بـ "محور المقاومة"، وتحويلها إلى ساحة إسناد على مستوى إيديولوجي وتعبوي لولا تأميم الحكومة هذه المحاولات ورفضها والسيطرة عليها. بالتالي، فوجود حزب إسلامي مؤثر في بيئة كردية معقدة قد يوفر أرضية أو بالأحرى حواضن لظهور تيارات أكثر تشدداً. تاريخياً، شهدت بعض المناطق الكردية نشاطات لمجموعات متطرفة استغلت المناخ العنيف والمؤدلج لاستقطاب الأفراد، خصوصاً في أوقات الأزمات السياسية والاقتصادية. حتماً توسع نفوذ الخطاب الإسلامي الحركي يساهم في تفاقم الاستقطاب الديني وفتح المجال العام أمام المجموعات التي تماثل (داعش) وغيرها.

الاتحاد الإسلامي يمثل شريحة معينة من المجتمع في ظل ما راكمه تاريخياً ومن خلال شبكاته الرعائية والمصلحية، التنموية والخدمية، لكنّه في المقابل يواجه تحديات جمّة في الحفاظ على التوازن بين تبنّي خطاب إسلامي مؤدلج وبين متطلبات التنوع وشروط الانفتاح في كردستان. وتصاعد دوره المحتمل وارتباطاته الإقليمية يؤدي إلى تفاقم الأزمات السياسية، وزيادة التوترات الاجتماعية، وخلق بيئة خصبة للتطرف، في ظل تقويض سياسات التعددية والتوازن، وإحداث شرخ في النسيج الكردي.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية