أي تفسير للتغيير في سوريا

أي تفسير للتغيير في سوريا

أي تفسير للتغيير في سوريا


12/12/2024

أحمد عبدالله

ما حدث في سوريا خلال الأيام القليلة الماضية ليس مجرد هجوم لجماعات من الثوار المسلحين تهاوى أمام تقدمهم الجيش السوري. إذ ليست هذه الجماعات مجهزة لتحارب جيشا نظاميا، وليس الجيش على ذلك القدر من الضعف الذي ظهر به.

ويرى محللون أن هناك جانبا آخر لتفسير الأحداث في سوريا وهو أن نظام رئيس هيئة تحرير الشام أبي محمد الجولاني أصبح ضرورة إسرائيلية بعدما قدّم نظام الرئيس المعزول بشار الأسد كل الخدمات المطلوبة منه إسرائيليا.

وتفسير ذلك أن إسرائيل تريد التوسع في الجولان والنظام السوري كان عقبة في سبيل ذلك وقد حاولت إسرائيل استفزاز النظام عبر عشرات الغارات الجوية لكنه لم يحرك ساكنا.

وتريد إسرائيل رد فعل عسكريا يبرر لها الانتقام والتوسع ربما لاجتياح دمشق. ولذلك فإن إسرائيل بمجرد سقوط نظام الأسد قامت بإلغاء اتفاقية فك الاشتباك الموقعة بين سوريا وإسرائيل عام 1974، كما قامت باحتلال المنطقة العازلة.

والمتوقع الآن أن يقوم النظام الجديد بدعوة الجهاديين من كافة أنحاء العالم، وفتح جبهة للحرب مع إسرائيل عبر الجولان. وستكون حربا غير متكافئة، تؤدي إلى هزيمة محققة، وربما يجري فيها ما جرى في غزة.

وتريد إسرائيل التخلص من اتفاقات السلام مع الدول المجاورة لأن هذه الاتفاقات أصبحت تقيدها، ولذلك حاولت دعم نظام الرئيس المعزول محمد مرسي في مصر. فقد نشأت خلال حكمه جماعة “أنصار بيت المقدس” في سيناء مما كان سيبرر لإسرائيل إلغاء معاهدة السلام مع مصر والتوسع شرقا بذريعة مطاردة الإرهابيين.

وهذا هو ما يحاول فعله نشطاء حماس في الضفة الغربية وفي الأردن لدفع الأمور باتجاه مواجهة غير متكافئة تسقط فيها اتفاقات السلام وتحقق فيها إسرائيل أهدافها في التوسع في المنطقة.

ويبدو التغيير الذي جرى في سوريا مدروسا بعناية ومخططا له بدقة، لإيصال الجولاني إلى سدة الحكم وانهيار جيش النظام كان من قبل ضباط مدسوسين داخل الجيش ينتظرون ساعة الصفر للتحرك.

ولم يقصّر الأسد في خدمة أهداف إسرائيل في حماية حدودها وتدمير سوريا وتخريب المنطقة ولكن دوره انتهى، فكان لا بد من التخلص منه.

ومن خلال وضع هذا التغيير في سياقه العالمي، نجد أنه يمثل من جهة أخرى أحد مظاهر الصراع بين الإدارتين: الديمقراطية والجمهورية في الولايات المتحدة. فالديمقراطيون الذين تربطهم علاقات متميزة مع جماعة الإسلام السياسي أرادوا أن يتركوا لإدارة الرئيس المنتخب دونالد ترامب قنبلة موقوتة في الشرق الأوسط.

ومن أهم آثار هذا التغيير خروج إيران من سوريا بعد انتهاء دورها الذي أدته في العقود السابقة بإخلاص.

ويتوقع السوريون بعد خروج إيران أن يصبح القرار السياسي في بلدهم وطنيا، بعيدا عن الإملاءات الخارجية، وهذا غير صحيح على الإطلاق لأن المرحلة الجديدة تقودها تركيا، التي خططت أجهزتها السرية لهذا التغيير، وأشرفت على تدريب المقاتلين وإعداد الخطط لهم، وزودتهم بالأسلحة والمدربين والمعلومات، لتحقق أهداف الحزب الحاكم في الوصول إلى الحدود السورية – الإسرائيلية.

ولا يصب ما فعلته الأجهزة التركية في المصلحة الوطنية للدولة التركية، ولكنه من الأهداف الخاصة بجماعات الإسلامي السياسي التي تقف خلف الحزب الحاكم، وهي أهداف تتلاقى مع أهداف جبهة النصرة والقاعدة وداعش.

وبدأ أثار التغيير في الظهور سريعا، فمنذ يوم الاثنين بدأ التداول بالليرة التركية في أسواق دمشق وهي نتيجة حتمية لدخول تركيا إلى سوريا وحلولها محل إيران.

ولا يمانع أكثر السوريين النفوذ التركي الاقتصادي حيث قدم نموذجا ناجحا، ولا النفوذ الديني حيث إن الأتراك يتبعون المذهب الحنفي، ولكن الأمر يتعلق بأجندة الحزب الحاكم في فرض أيديولوجيات الإسلام السياسي، واستغلال سوريا لتحقيق طموحاته.

ويطرح كل ذلك تساؤلا: ما هو الثمن الذي أخذته إيران لقاء تخليها عن “حزب الله” وعن سوريا؟

ورغم أن العديد من المحللين السياسيين يبررون هزيمة إيران بالضربات العسكرية الإسرائيلية، إلا أن هذا التحليل لا يستدعي الخروج من سوريا.

ويكمن الجواب في أن إيران قد طلب منها أن تنتقل إلى اللعب في ملعب آخر، ربما يكون دول الخليج خصوصا مع وصول ترامب إلى الرئاسة وعزمه على استخراج النفط الصخري لجعل الولايات المتحدة أكبر مصدر للنفط في العالم وليجعل الولايات المتحدة أقوى دولة في العالم.

العرب




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية