فكر إخواني منحرف وسيظل كذلك

فكر إخواني منحرف وسيظل كذلك

فكر إخواني منحرف وسيظل كذلك


30/11/2024

حسين القاضي

ينظر البعض إلى قرار رفع أسماء العشرات من قوائم الإرهاب والمنع من السفر، على أنه إيذان أو إعلام أو بداية أو تلويح من الدولة بقبول الجماعة وأفكارها وأيديولوجيتها وفكرها ومنهجها، وهذا تصور خاطئ وبعيد، إذ إن الموقف من الجماعة وأفكارها لم يتغير، ومحاولة الدمج في المجتمع وإعادة التأهيل أو تخفيف القيود لا ترتبط بصحة الأفكار، بل تؤكد انحرافها، وأن الفرصة متاحة لمن يريد التخلي عن هذا المنهج.

لا أعرف كامل المعلومات المختلفة حول خلفيات الأمر، والبعض يبحث عن توضيح يزيل الغموض، لكن النظام لن يتصالح مع الإخوان كفكرة أو تنظيم، ولن يعترف بالجماعة، والأزهر كمنهج يرفض هذه التنظيمات من الإخوان إلى داعش رفضاً فكرياً ودينياً، كما أن الجماعة نفسها مقسّمة إلى تنظيمات وكيانات متخاصمة ومتنازعة، وكل كيان لا يعترف بالكيان الآخر، ويرفضه رفضاً تاماً، والقرار لا علاقة له بالقضايا الجنائية والجرائم التي يُحاكم بها أعضاء الجماعة أو تم الحكم فيها.

المنطلقات الفكرية لهذه التيارات قائمة كما هي، وفي مواجهتها نعاني قصوراً، وهذا القصور لا ينفي وجود مجهودات من المؤسسة الدينية، والتطرف يحوِّل من لا يؤمن بفكرته إلى عدو، وقد يقف عداء المتطرف عند المستوى الفكري، وقد يتحول إلى المستوى السلوكي، وهنا يكون التطرّف عنيفاً، ثم يتحول إلى إرهاب.

مرتكزات التطرّف تعمل الدولة على مواجهتها ولن تتوقف عن ذلك، واليوم بات الاستقطاب المبدئي يعتمد على اجتذاب أي نفسية محتقنة ومنفجرة على السوشيال ميديا، وركز الاعتماد على الأبعاد النفسية، وبالتالي تراجع الجانب الفكري وصار هامشياً، وحدث اختزال الزمن في عمليات التجنيد، فعمليات التجنيد في الموجة المعاصرة باتت أسرع، وقد تستغرق دورة التجنيد عدة ساعات فقط، وهذا يرتبط بعدم الاعتماد على البنية الفكرية في التجنيد.

حدث أيضاً أن البذرة هي كتاب "في ظلال القرآن"، فمثلاً كتاب "رسالة الإيمان" لشكري مصطفى لا يعدو كونه بضع صفحات من كتاب "في ظلال القرآن"، وأيضاً كتاب "الفريضة الغائبة" لعبدالسلام فرج، عبارة عن بضع فقرات من كتاب سيد قطب، وقائد تنظيم "بوكو حرام" تحدث في لقاء سابق عن تأثره بكتاب "في ظلال القرآن"، وأبو محمد العدناني، المتحدث باسم "داعش"، عكف على دراسة هذا الكتاب لمدة 20 عاماً.

ولكن الفارق بين هذه التنظيمات أن النُّسخ الجديدة من التنظيمات عبارة عن منتج متقدّم من أفكار سيد قطب. وتشترك كل التنظيمات المتطرفة وعددها نحو 40 جماعة في نحو 50 فكرة رئيسية، ولكن هناك 7 أفكار تُعد هي القاسم المشترك بينها جميعاً، وهي: (الحاكمية، والجاهلية، والولاء والبراء، والفرقة الناجية، وحتمية الصدام، والاستعلاء بالإيمان، والتمكين)، فالخيمة الفكرية واحدة.

وفي ضوء المتغيرات التي طرأت على ظاهرة التطرف، لا بد من الاهتمام بدراسة الأبعاد المتعددة للتطرف والإرهاب، وتحديداً على مستوى البعد النفسي، في ظل عدم الاهتمام الواضح بهذا البعد، ولكن هناك إسهامات في هذا السياق، منها كتابات الدكتور قدري حفني، والدكتور شاكر عبدالحميد، وهذا البُعد يحتاج إلى توسّع كبير في الدراسات، خاصة مع توظيف التنظيمات المتطرفة والإرهابية في استقطاب أي نفسية محتقنة ثائرة تبحث عن غطاء ومبرّر، ولذلك نحتاج إلى دراسة نفسية أكثر تخصّصاً وعمقاً.

إنه لا علاقة بين الإجراءات القضائية المختلفة هنا وهناك، وبين السمات التي تلبست بها جماعات الانحراف الديني إخوانية أو غير إخوانية، وسيظل هذا الفكر منحرفاً لا تُغير الأحداث انحرافه، وستظل الدولة ضد هذه الانحرافات، وفي الوقت نفسه فإن من تراجع عن هذه الأفكار فالمأمول -ما لم يكن متهماً في قضايا جنائية- أن يندمج في المجتمع ويُعاد تأهيله.

الوطن




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية