ما السر وراء خسارة كامالا هاريس والحزب الديمقراطي؟

ما السر وراء خسارة كامالا هاريس والحزب الديمقراطي؟

ما السر وراء خسارة كامالا هاريس والحزب الديمقراطي؟


17/11/2024

ترجمة: محمد الدخاخني

إذا كانت الانتخابات الأمريكية الأسبوع الماضي قد أكدت أيّ شيء، باستثناء فوز دونالد ترامب، فهو انهيار الحزبين السياسيين الرئيسين في أمريكا باعتبارهما منظمتين نابضتين بالحياة كانتا في الماضي تَجمعان وتُمكِّنان الناس وتستجيبان لاحتياجاتهم.

كان هناك وقت عَنى فيه أن تكون عضواً في الحزبين الديمقراطي والجمهوري شيئاً. وكانت هناك بنية للحزبين من المستوى المحلي إلى المستوى الوطني، وشعر الناس بالانتماء وذهبوا إلى الاجتماعات وافتخروا بانتمائهم.

لكن اليوم، بالنسبة إلى معظم الأمريكيين، يعني كونك ديمقراطياً أو جمهورياً أنك على قوائم تلقي رسائل البريد الإلكتروني أو الرسائل النصية أو البريد المباشر أو المكالمات الهاتفية أو رسائل وسائل التواصل الاجتماعي من الحزب. وتطلب معظم هذه الرسائل المال. لا يوجد تنظيم ولا شعور بالانتماء ولا فرصة حقيقية لسماع صوت الناس.

الحزبان، اللذان كانا يمثلان ويُمكِّنان الناخبين ذات يوم، أصبحا الآن أداتين لجمع مليارات الدولارات خلال كل دورة انتخابية. وتذهب هذه الأموال إلى مجموعات استشارية تستخدم المليارات لجمع المزيد من المليارات لدفع تكاليف الإعلانات وإجراء الاستطلاعات لتشكيل الرسائل السياسية، إمّا للترويج للمرشح، وإمّا لتثبيط الدعم للخصم.

الرئيس الأمريكي المنتخب: دونالد ترامب

يضع هؤلاء الاستشاريون أجندات الحملات لأنّهم يسيطرون على كميات هائلة من دولاراتها. لقد حلوا محل الأحزاب فعلياً كقوى تُحرِّك السياسة. هؤلاء الاستشاريون هم سماسرة السلطة اليوم، ويعملون من دون الخضوع للمُساءلة.

أحد المنتجات الثانوية لهذا الوضع هو الانخفاض المتزايد في عدد الناخبين الذين يربطون هويتهم السياسية بأحد الحزبين الرئيسين. أصبح الحزبان أكثر تعلقاً بجمع التبرعات وأقل ارتباطاً بالعضوية الحزبية. وهذا هو السبب في السهولة الشديدة التي استولى بها ترامب على الحزب الجمهوري، والسبب وراء تحول الحزب الديمقراطي إلى أسير في أيدي كبار المانحين والمستشارين الذين ينفقون أموالهم.

وقد تفاقمت هذه المشكلة بسبب ظهور ما يعرف باللجان السياسية المستقلة التي يمكنها تلقي وإنفاق مساهمات غير منظمة من المليارديرات الذين في كثير من الأحيان يستأجرون المستشارين أنفسهم، والذين يتمتعون الآن بنفوذ أكبر على العملية السياسية من الأحزاب نفسها.

ولا تتمثل مشكلة طبقة المستشارين السياسيين في السلطة التي تمارسها فحسب، ولكن أيضاً في الأحكام التي تُصدِرها، وأمام من تقع مسؤوليتها في نهاية المطاف: ليس الناخبين أو الأحزاب السياسية، بل المانحين الذين يدفعون رواتب هذه الطبقة.

وهناك مشكلة أخرى وهي مدى الحذر المفرط وانعدام الخيال لدى هؤلاء الاستشاريين، وكذلك عدم تواصلهم مع الناخبين واهتمامهم باحتياجاتهم.

ندَّد أحد المسؤولين السابقين في حملة الرئيس السابق باراك أوباما ذات يوم بـ "كتلة السياسة الخارجية" التي وصفها بأنّها مجموعة من الشخصيات التي تعمل على إعادة إنتاج نفسها والتي خدمت في إدارات سابقة. هؤلاء يملؤون الآن مراكز الأبحاث والقنوات التلفزيونية. وهم بعيدون عن عالمنا الذي يتغير، ويعرضون الأفكار نفسها - نمط التفكير الجماعي القائم على الحِكَم التقليدية - التي فشلت من قبل، والتي من المحتم أن تفشل مرة أخرى.

وينطبق الشيء نفسه على كتلة المستشارين السياسيين، فهم بعيدون عن جمهور الناخبين المتغير، وليس لديهم الكثير ليقدموه بخلاف الأفكار القديمة نفسها التي ربما نجحت ذات يوم، ولكنّه محكوم عليها بالفشل في ضوء التغيرات التي طرأت على جمهور الناخبين.

على سبيل المثال، فشل أولئك الذين أداروا الحملات الديمقراطية هذا العام في تقدير انعدام الأمن الاقتصادي الذي يعاني منه الناخبون من أبناء الطبقة العاملة البيضاء، وركزوا بدلاً من ذلك انتباههم على ما سمّوه "تحالف أوباما" من الناخبين الشباب وغير البيض والنساء المتعلمات. ورفضوا زيادة الضرائب على أغنى واحد في المئة، وتوفير الرعاية الصحية الشاملة، ورفع الحد الأدنى للأجور، باعتبار هذه الأفكار يسارية للغاية.

لكن بدلاً من الاهتمام باحتياجات ناخبي الطبقة العاملة في الولايات الرئيسة، خاضت المرشحة الرئاسية الديمقراطية كامالا هاريس حملة مع النائبة الجمهورية السابقة ليز تشيني، معتقدة أنّها سوف تساعدها في كسب تأييد الجمهوريين المعتدلين ونساء الضواحي، وهو ما لم تتمكَّن من تحقيقه. والأمر الأكثر أهمية هو فشل المستشارين السياسيين في فهم تأثير الحرب في غزة ليس فقط على الناخبين الأمريكيين من أصل عربي، بل وأيضاً على المكونات الرئيسة في "تحالف أوباما"، خاصة الناخبين الشباب والتقدميين وغير البيض.

المرشحة الديمقراطية في إنتخابات الرئاسة الأمريكية: كامالا هاريس

وبعد أن استشعر الثغرة التي خلقتها أخطاء الديمقراطيين، احتضن ترامب الطبقة العاملة البيضاء المحرومة إلى حد كبير من حقوقها، ووعدها بتوفير فرص عمل جديدة، في حين استغل مشاعر الخذلان لديهم من خلال مهاجمة المهاجرين الذين اتهمهم بأخذ الوظائف وجلب الجريمة إلى مدننا.

لكن بدلاً من تخلي هاريس عن هذه المقاربة الفاشلة، تبنَّتها. وتراجعت عن سياساتها السابقة ذات الميول اليسارية التي كانت تُفضِّل الرعاية الصحية الشاملة ودعم الاقتصاد الأخضر. وبدلاً من إشراك الناخبين من أبناء الطبقة العاملة البيضاء ذات الميول اليسارية، تجاهلتهم حملتها إلى حد كبير، واختارت بدلاً من ذلك إشراك تشيني في الدعاية لهاريس.

وبدلاً من لقاء الأمريكيين العرب، تركت المجال مفتوحاً على مصراعيه أمام ترامب لاستغلاله. وبدلاً من استغلال الوقت القصير المتاح لها لتقديم نفسها إلى الدوائر الانتخابية الرئيسة من خلال لقاء قادة المجتمعات المحلية شخصياً وكسب حلفاء جدد، اكتفت بالتجمعات الحاشدة للمؤيدين.

وهنا فشل المستشارون، فقد خسر الديمقراطيون البيت الأبيض ومجلس الشيوخ، وفازت هاريس بأصوات أقل بكثير من تلك التي فاز بها الرئيس جو بايدن في عام 2020، وخسرت الأصوات في كل مجموعة ديموغرافية تقريباً، بما في ذلك مجموعات الأقليات الرئيسة.

وفي أعقاب ذلك، زعم خبراء الحزب الديمقراطي أنّ هناك خطأ في الناخبين واختياراتهم، وليس في القرارات السيئة التي اتخذوها. وندَّدوا بالناخبين البيض باعتبارهم عنصريين أو كارهين للنساء. وتساءلوا كيف يمكن للمتحدرين من أمريكا اللاتينية التصويت لصالح ترامب بعد ما قاله هو وأنصاره عنهم؟ وكيف يمكن للعرب والمسلمين أن ينسوا ما فعله ترامب بهم خلال ولايته الأولى؟

عندما أسمع هذا، أتذكر مقولة منسوبة إلى القديس أوغسطينوس: أنّه في الصراع بين الكنيسة والعالم، فإنّ الكنيسة هي التي يجب أن تذهب إلى العالم، وليس العالم إلى الكنيسة. بعبارة أخرى، لا ينبغي للحزب أن يلقي باللوم على الناخبين، فإذا كان يريد أصواتهم، فلا بدّ أن يكسبها.

كسب الحزب الديمقراطي ومستشاروه أموالهم، واتخذوا خيارات رديئة. ولكن هل سيدفعون الثمن؟

مصدر الترجمة عن الإنجليزية:

جيمس زغبي، ذي ناشيونال نيوز، 11 تشرين الثاني (نوفمبر) 2024

 




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية