كل ما تريد أن تعرفه عن صناعة الدفاع التركية

كل ما تريد أن تعرفه عن صناعة الدفاع التركية

كل ما تريد أن تعرفه عن صناعة الدفاع التركية


11/09/2024

ترجمة: محمد الدخاخني

قبل (50) عاماً دخلت القوات التركية شمال قبرص لمنع انقلاب مدعوم من أثينا على الجزيرة؛ وسُرعان ما منعت الولايات المتحدة وعدد قليل من حلفائها الغربيين مبيعات الأسلحة إلى تركيا، سعياً إلى الحد من تصرُّفات تركيا.

جاء الحظر بنتائج عكسية على المدى الطويل، ممّا وضع أنقرة على مسار تطوير واحدة من أكثر الصناعات الدفاعية قوة في العالم. فمع عدم قدرتها على الحصول على الأسلحة والمُعدّات اللازمة للدفاع عن نفسها، على الرغم من كونها عضواً رئيساً في (حلف شمال الأطلسي)، تعهّدت تركيا بأن تُصبح مكتفية ذاتياً وتبنّت التنمية المحلية.

رفعت الولايات المتحدة حظرها في عام 1978، لكنّ جهود تركيا تسارعت في الثمانينيات من القرن الماضي بسبب انقلاب عسكريّ وتمرُّد من قِبل (حزب العمال الكردستاني) في جنوب شرق البلاد. شُجِّعَت الشركات الناشئة الدفاعية التركية المحلية على الارتباط بشركات أجنبية للحصول على المعرفة الفنية، والتمويل، ونقل التكنولوجيا.

وفي عام 1983 وقّعت أنقرة اتفاقية مع شركتين أمريكيتين لإنتاج طائرات مقاتلة أمريكية من طراز (إف-16) في تركيا، وهو ما كان بمثابة دفعة مُبكِّرة كبيرة لصِيت تركيا. كما مَوَّل إنشاء (مؤسسة القوات المسلحة التركية) في عام 1987 تطويرَ جوهر صناعة الدفاع التركية: شركات (أسيلسان)، و(هافيلسان)، و(توساش)، و(أسبيلسان)، و(روكيتسان).

🎞

تركيا، التي أسَّسها زعيمٌ عسكريٌ موقَّر، بدأت في الظهور كدولة دِفاع وصناعة في وقت أبكر من معظم الدول الأخرى التي كانت تسير على خطٍّ تنمويّ زمني مماثل. وعلى الرغم من التباطؤ في التسعينيات من القرن الماضي؛ بسبب حظر جديد للأسلحة من جانب سويسرا، والنرويج، وألمانيا، وحظر جزئي من جانب الولايات المتحدة، فإنّه بحلول الوقت الذي تولَّى فيه حزب (العدالة والتنمية) السلطةَ في عام 2002، كانت تركيا على استعداد لتحقيق قفزة كبيرة.

بقيادة رجب طيب أردوغان، الذي أصبح الآن رئيساً، دعا حزب (العدالة والتنمية) إلى عصر "الحلول المحلية" وزيادة البحث والتطوير بشكل كبير خلال فترة من النمو الاقتصادي. ومن عام 2007 إلى عام 2017، تضاعف إنفاق أنقرة على البحث والتطوير الدفاعي (3) مرات ليصل إلى (1.2) مليار دولار.

وكانت النتائج واضحة للعيان: دبابة القتال الرئيسة (ألتاي) في عام 2008، وأول مروحية هجومية في البلاد (تي-129) في عام 2014، ومجموعة من الصواريخ الجديدة والطوربيدات ومعدات الاستشعار، وفرقاطة (بارباروس) في عام 2018، وتستمر القائمة. وقد كان الإنجاز الأكبر على الإطلاق هو طائرة (بايراكتار تي بي 2) المُسيَّرة، التي أطلقتها شركة (بايكار) في عام 2011.

استخدمت تركيا الطائرة المُسيَّرة بنجاح ضد المسلحين الأكراد في سوريا والعراق في عام 2018. وفي العام التالي أحدثت (تي بي 2) تأثيراً في الحرب الأهلية في ليبيا. وفي عام 2020 استخدمتها أذربيجان لهزيمة القوات الأرمنية في ناغورنو كاراباخ. وفي عام 2021  بعد توقيع صفقة لإنتاج (تي بي 2) محلياً، بدأ الجيش الأوكراني في استخدام هذه الطائرة المُسيَّرة ضد القوات الروسية.

ومنذ ذلك الحين، اكتسبت مركبة الهجوم التركية المُسيَّرة مكانة دولية كبيرة، وأخذت صناعة الدفاع التركية معها في هذه الرحلة. والآن تتمتَّع (بايراكتار) بمكانة شبه أسطورية في أوكرانيا، حيث أُطلق عليها اسم "كلب الشُرطة" و"حيوان الليمور" في كييف، و"فطيرة الكريب" في لفوف، ونُسِجَت حولها أغنية حرب سهلة التّذكُّر. واشترت أكثر من (30) دولة طائرات (تي بي 2)، التي أشادت بها شخصيات عالمية كبرى مثل عالم السياسة فرانسيس فوكوياما، ووصفتها مجلة (نيويوركر) بأنّها "الطائرة المُسيَّرة التي غيَّرت طبيعة الحرب".

ومع ذلك، واصلت أنقرة إطلاق حلول محلية جديدة، وتشمل هذه أول سفينة هجومية برمائية في البلاد وطائرة مقاتلة من دون طيار، "التفاحة الحمراء"، وموجة جديدة من السفن الحربية والفرقاطات البحرية، وسلسلة من الطائرات المُسيَّرة الأعلى تحليقاً. وفي شباط (فبراير) اختبرت تركيا بنجاح طائرتها المقاتلة المتقدمة (كان)، وانضمَّت بذلك إلى الولايات المتحدة وروسيا والصين باعتبارها الدول الوحيدة التي تُطيِّر طائرات جيل خامس مُصمَّمة محلياً.

فشلت تركيا قليلاً في تحقيق هدفها المتمثل في الاكتفاء الذاتي الكامل، حيث استندت معظم منتجاتها الدفاعية، بما في ذلك (كان)، إلى نماذج أجنبية أو صُمِّمت وأنتِجَت بمساعدة أجنبية كبيرة. وتظل الشركات التركية الكبرى تعتمد على المكونات والخبرات الخارجية، وتستورد من أوكرانيا وكوريا الجنوبية وروسيا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة وغيرها.

ومع ذلك، فإنّ ثاني أكبر جيش في (حلف شمال الأطلسي) لديه الآن الدعم التصنيعي المحلي الذي يجعله يقف شامخاً، فقد اكتسبت صناعته الدفاعية احتراماً كبيراً في الداخل والخارج. وتضاعفت صادرات الدفاع التركية (3) مرات تقريباً على مدى العقد الماضي، من (1.9) مليار دولار في عام 2014 إلى (5.5) مليار دولار في العام الماضي. والآن يحتل الاقتصاد التركي، وهو الاقتصاد التاسع عشر الأكبر في العالم، مرتبة المصدر الدفاعي العالمي الحادي عشر.

🎞

سلجوق بيركدار، مُبتكر (تي بي-2) وصهر الرئيس، أصبح بطلاً محلياً، ويُنظَر إليه على نطاق واسع باعتباره مرشحاً رائداً لخلافة أردوغان. وكانت طائرة مُسيَّرة من طراز (بيركدار أكينجي) هي التي عثرت على مروحية الرئيس الإيراني المتوفى مؤخراً إبراهيم رئيسي، التي أسقطت في الجبال الإيرانية في أيار (مايو)، وبعد ذلك رسم مُشغِّل الطائرة المُسيَّرة بفخر شكل العلم التركي. وعلى الرغم من تعاون تركيا الوثيق مع جهات فاعلة غير غربية مثل روسيا (شراء أنظمة صواريخ "إس-400" في عام 2019)، والصين (خطط جديدة لمصنع سيارات بقيمة مليار دولار)، فإنّ صناعة الدفاع التركية القوية والواثقة تُعزِّز بنية الدفاع الغربية.

وهذا ليس فقط لأنّ تركيا عضو في (حلف شمال الأطلسي)، ولكن أيضاً لأنّ التصنيع الدفاعي التركي تطوَّر إلى حد كبير داخل النظام البيئي الدفاعي الصناعي الغربي. وهناك حالتان تبرزان في هذه النقطة: في آذار (مارس)، مع مواجهة أوكرانيا لنقص في ساحة المعركة، لجأت الولايات المتحدة إلى تركيا لتعزيز إمدادات الذخيرة، وفي الشهر الماضي فقط انضمَّت تركيا إلى "مبادرة الدرع الجوي الأوروبية" التي تقودها ألمانيا، والتي تواجه روسيا، ممّا دفع المراقبين العسكريين إلى اقتراح أنّ منصات الدفاع الصاروخي التركية قد تعمل قريباً على تعزيز البنية التحتية الدفاعية الأوروبية.

أمّا بالنسبة إلى قبرص، فعلى الرغم من جولات المحادثات التي لا حصر لها على مدى نصف القرن الماضي، تظل الجزيرة منقسمة بشكل متوتر بين جمهورية قبرص العضو في (الاتحاد الأوروبي)، وجمهورية شمال قبرص التركية التي لا تعترف بها سوى أنقرة. وبينما يجتمع الزعماء الأتراك والقبارصة واليونانيون على الجزيرة هذا الأسبوع للاحتفال بالذكرى الـ (50) للتقسيم، فمن المؤكد أنّ البعض سيعرب عن أمله في التوصل إلى حل في الأعوام القادمة.

ربما تكون هذه أخباراً غير سارة للقبارصة الجنوبيين، لكنّ تركيا في وضع أفضل بلا شك اليوم ممّا كانت عليه في عام 1974 للدفاع عن مصالحها ووضعها في قبرص. وهذا يساعد في تفسير سبب تحول أنقرة في الأعوام الأخيرة بعيداً عن الحل المرجَّح للجزيرة، أي إعادة توحيدها داخل اتحاد ثنائي المنطقة، ودعوتها إلى دولتين منفصلتين.

وسواء أكانت هذه خطوة حكيمة أم لا، فإنّ الوقت كفيل بإخبارنا بذلك. لكن ليس هناك شك في أنّ هذا الأمر يمكن إرجاعه إلى ردّ الفعل الغربي الأوّلي تجاه وصول تركيا إلى الجزيرة.

المصدر:

https://www.thenationalnews.com/opinion/comment/2024/07/19/how-turkeys-defence-industry-has-gone-from-strength-to-strength/
 




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية