هل تحاصر أثينا أردوغان في المتوسط عبر ليبيا؟

هل تحاصر أثينا أردوغان في المتوسط عبر ليبيا؟


06/07/2020

في إطار المساعي اليونانية لحلّ الأزمة الليبية، توجّه وزير الخارجية اليوناني، نيكوس دندياس، في التاسع والعشرين من حزيران (يونيو) الماضي، إلى العاصمة التونسية، لبحث سبل إنهاء التدخل الأجنبي من جانب أنقرة، مع الجارة التونسية، التي أيدّت وجهة نظر أثينا، مطالبة بالحلّ السياسي الليبي، ومن تونس رحل دندياس إلى طبرق، للقاء رئيس مجلس النواب الليبي، عقيلة صالح، بعد أن أعلنت أثينا، على لسان وزير خارجيتها؛ أنّ ما تفعله تركيا "انتهاك واضح وصريح للقانون الدولي".

البداية من قبرص

كأحد مستعمرات الاحتلال العثماني، كانت جزيرة قبرص، الجارة التركية، تحت حكم إسطنبول، ثم الحكم البريطاني، حتى نالت استقلالها عام 1960، لكن في أعقاب وقوع الجارة أثينا لانقلاب عسكري، استهدف التوسع وضمّ الجزيرة إلى حكمه، عام 1974، قررت تركيا مواجهة اليونان ونشر جنودها أيضاً؛ إذ كانت الدولتان آنذاك تحت حكم عسكريّ، وفي الجزء الشمالي لجزيرة قبرص تنشر تركيا ما يزيد عن 30 ألف جندي من جيشها، ومع تجدد مطالبات كلّ من قبرص وأثينا لتركيا بسحب قواتها من الجزيرة، ترفض أنقرة، لكن بحلول عام 2017، تجددت المفاوضات بهذا الشأن، بعد اجتماع في جنيف بين القبارصة اليونانيين والأتراك، في مطلع كانون الثاني (يناير)، ليعلن بعدها أردوغان رفضه التام لانسحاب قواته من الجزيرة، طالما أنّ اليونان تنشر قواتها وتهدّد أمن تركيا، على حدّ زعمه، ما حطّم مساعي توحيد الجزيرة المقسمة منذ عقود، جاء هذا الرفض، بعد مناوشات بين تركيا وقبرص واليونان، في أيلول (سبتمبر) 2011، بعد أن أطلقت شركة "نوبل إينيرجي" الأمريكية أعمال التنقيب عن الغاز قبالة جزيرة قبرص.

لتعلن أنقرة رفضها التام لهذا القرار، طالما أنّ الجزيرة مقسّمة بين شمال تركي وجنوب يوناني / قبرصي، فلتلزم قبرص بجزئها الجنوبي، أمّا أردوغان، الذي كان رئيساً للوزراء حينها، فقد أعلن عقب هذا القرار، أنّ تركيا ستردّ بتنقيب مماثل عن الغاز في الشمال التركي من الجزيرة.

إعلان الرئيس التركي عن إجراءات التنقيب عن النفط، في مناطق البحر الأبيض المتوسط ​​التي تطالب بها اليونان، جدّد مخاوف أثينا، وجعل الحكومة اليونانية تفكر بالرد

 ولطالما رأت تركيا عدم أحقية قبرص في التقيب عن الغاز داخل مياه المتوسط، وهو لبّ الخلافات بينها وبين اليونان التي استعادت تلك المناوشات من جديد، في تشرين الثاني (نوفمبر) 2018،  حين حذّر الرئيس التركي، شركات النفط والغاز الأجنبية من أيّة عمليات استكشاف وتنقيب قبالة الشواطئ القبرصية، مشدداً على أنّ بلاده لن تسمح للمحاولات الرامية إلى "إقصاء تركيا وجمهورية شمال قبرص التركية وسلب الموارد الطبيعية المتوفرة شرق المتوسط"، التي، على حدّ زعمه، حقاً مكتسباً لتركيا؛ إذ تفاقمت مطامع أردوغان بعد اكتشاف حقل "أفروديت" 2011، والذي  يقدر احتياطيه من الغاز بنحو 4.5 تريليون قدم مكعب، ثمّ اكتشاف حقل ظهر المصري، في 2015، والذي أعاد آمال أردوغان في الاستيلاء على هذه الثروات، ليتّخذ من ليبيا بوابته.

ليبيا.. حلبة جديدة للصراع

في مقال له عبر صحيفة "Phileleftheros" القبرصية، كتب المحلل اليوناني المتخصص في الشأن الأوروبي، ورئيس تحرير موقع "Kappa News"، الإخباري اليوناني، الكاتب " "Yannis Koutsomiti؛ أنّ "أثينا قد اتخذت موقفاً محايداً منذ اندلاع الصراع الليبي الذي فاقمته تركيا بدعم الميليشيات الإرهابية"، واصفاً غزوها بالمراهنة الخطيرة، التي جعلت من  تركيا حظيرة دعم للإرهاب، إلّا أنّ الاتفاق التركي مع حكومة الوفاق بشأن ترسيم الحدود البحرية، رأته أثينا انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي، وأنّه تحدٍّ واضح للجارة اليونانية، التي قررت دعم الجيش الوطني الليبي، في مواجهة التدخل التركي السافر.

 ومع تفاقم الصراع، الذي لم توله اليونان اهتماماً كافياً، منذ 2016، أثارت تحركات أردوغان الأخيرة، لخلق أمر واقع في المتوسط، قلق الحكومة اليونانية، ما أدّى لتحول كبير في البوصلة السياسية اليونانية، لتنضمّ إلى حلفائها العرب من مصر والإمارات والمملكة العربية السعودية، وعبّرت أثينا عن ذلك، حين استضاف البرلمان اليوناني رئيس مجلس النواب الليبي، عقيلة صالح، أواخر كانون الأول (ديسمبر) الماضي، تبعتها زيارة وزير الخارجية اليوناني، نيكوس دندياس، لزعيم الجيش الوطني الليبي، خليفة حفتر، في بنغازي، وهي أول زيارة لمسؤول يوناني لشرق ليبيا منذ بداية الحرب.

تركيا لا تعترف بالسيادة اليونانية على الجزر القبرصية الواقعة على الجرف القاريّ، ويمكن أن يكون هذا النزاع مسألة يتعين حلّها من قبل محكمة العدل الدولية

لطالما أعربت أثينا عن استيائها من الاتفاقية المبرمة بين حكومة الوفاق وأنقرة، والتي تنتهك بموجبها تركيا المياه الإقليمية اليونانية، وبشكل شبه يومي، ومع تصاعد التوترات بين أثينا وأنقرة بشأن خطط أردوغان في البحر الأبيض المتوسط ​​، كانت هناك محاولات لإحياء المحادثات بين الحكومتَين، يمكن أن تؤدي في نهاية المطاف إلى مفاوضات رسمية حول ترسيم الحدود البحرية في بحر إيجه، وتمدد حصري لكلّ دولة في المنطقة الاقتصادية، لكن  فشلت هذه المفاوضات في الماضي، ومقدّر لها أن تفشل مرة أخرى، فتركيا لا تعترف بالسيادة اليونانية على الجزر القبرصية الواقعة على الجرف القاريّ، ويمكن أن يكون هذا النزاع الرئيس في نهاية المطاف مسألة يتعين حلّها من قبل محكمة العدل الدولية في "لاهاي"، لكنّ الحجج التركية حول ملكية عشرات الجزر الصغيرة في بحر إيجة تجعل الأمور أكثر تعقيداً.

 ووفق مقال "Koutsomitis"، فإنّ إعلان الرئيس التركي عن إجراءات التنقيب عن النفط، في مناطق البحر الأبيض المتوسط ​​التي تطالب بها اليونان، جدّد مخاوف أثينا، وجعل الحكومة اليونانية تعمل على تنفيذ خطط سياسية وعسكرية، تمكّنها من الردّ على تهوّر أردوغان.

طبول حرب جديدة

لا يتوقف الرئيس التركي عن استفزاز دول الجوار، بخطاب فحواه رعونة سياسية، يمضي به إلى طريق حرب لا مفرّ منها، فمنذ أيار (مايو) الماضي، تعمل سفينتا حفر غاز تركيتان داخل المنطقة الاقتصادية الخالصة في قبرص، ما دفع وزير الخارجية اليوناني، في الرابع والعشرين من حزيران (يونيو) الماضي، إلى اتهام أنقرة بتهديد الأمن والاستقرار في شرق البحر الأبيض المتوسط​​، من خلال خلق مشكلات مع جميع جيرانها، وانتهاك المجال الجوي اليوناني والمياه الإقليمية، والتحليق بالطائرات العسكرية فوق المناطق السكنية، وبحسب ما ذكرت وكالة "أسوشييتد برس"؛ فإنّ دندياس انتقد أنشطة تركيا الأخيرة في بحر إيجة، وحثّ أنقرة على "الامتناع عن دبلوماسية الزوارق الحربية غير القانونية"، كما اتهم أردوغان، بالانقضاض على أحلام اليونانيين في حياة أفضل، حين قرر الدفع باللاجئين إلى أثينا، بعد كلّ ما تسبّب به من اضطرابات في المنطقة، بداية من سوريا والعراق، وانتهاءً بليبيا وقبرص، وفي تصريح له عبر صحيفة "إيثنوس" اليونانية، أوضح السياسي الأمريكي، ريان جينجيراس؛ أنّ الاتحاد الأوروبي لم يردع تركيا بشكل كافٍ عن تعدياتها السافرة".

وجدّد وزير الخارجية اليوناني، رفضة لما سماه "التوغل التركي" في ليبيا، عبر لقائه بالرئيس التونسي، قيس سعيّد، خلال زيارته الأخيرة لتونس، معبّراً عن ارتياحه من الموقف التونسي، الرافض لأيّ تدخّل أجنبي في ليبيا، وأعرب عقب لقائه مع عقيلة صالح، عن دعمه الكامل للجيش الوطني الليبي، الذي يعدّ دعماً لحق الشعب الليبي في إدارة شؤونه الداخلية، بعيداً عن الغزو التركي؛ فهل ستحاصر اليونان، كحليف إضافي لمشير حفتر، أرودغان الذي يقف وحيداً بلا حلفاء، متورطاً في حرب ضروس، بأموال دولة خليجية، وميليشيات الإرهاب الإسلاموي؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية