
يعلّق سكان قطاع غزة آمالهم على مفاوضات الهدنة لوقف المعاناة التي يعيشونها، لكن تعيين يحيى السنوار في منصب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس يجعل من هذه الآمال بعيدة المنال لما عرف عن الرجل من تشدد في المواقف وتغليب للعمليات العسكرية ضد إسرائيل بدلا من المفاوضات.
ويأخذ الفلسطينيون على السنوار أنه يفكر في مكاسب حركة حماس وكتائب القسام أكثر من تفكيره في ما يعيشه سكان القطاع من دمار وجوع وعطش، وأنه بدلا من أن يبادر إلى التهدئة وفتح الباب أمام هدنة تتيح للسكان التقاط أنفاسهم، فإن تشدد مواقفه سيدفع إسرائيل إلى إدامة الحرب وتكثيف القصف بحثا عنه، ويضفي مشروعية على عملياتها.
وأعرب فلسطينيون أنهكتهم الحرب المستمرة منذ أكثر من عشرة أشهر عن قلقهم الأربعاء بعد تعيين السنوار رئيسا لمكتب حماس السياسي خلفا لإسماعيل هنية الذي اغتيل قبل أسبوع في طهران، معتبرين أن تعيينه قد يعيق جهود التوصل إلى وقف لإطلاق النار.
وقال محمد الشريف البالغ من العمر 29 عامًا لوكالة فرانس برس في مدينة دير البلح وسط غزة “لا نعرف كيف يفكر أعضاء حركة حماس أو ما الذي دفعهم إلى اختيار السنوار كزعيم لهم، خاصة وأن مكانه غير معروف”.
وتساءل النازح من مدينة غزة “إنه مقاتل. كيف ستتم المفاوضات؟… لا نريد شيئًا سوى نهاية الحرب”.
ويتهم الجيش والسلطات الإسرائيلية السنوار بأنه أحد المخطّطين الرئيسيين لهجوم حماس غير المسبوق على إسرائيل في السابع من أكتوبر الماضي. وفي دير البلح كذلك قال إبراهيم أبودقة “من وجهة نظري تعيين السنوار رئيسا لحركة حماس غير مناسب في هذه المرحلة الحرجة”.
وقال النازح من رفح البالغ من العمر 35 عاما إن القرار “قد يؤدي إلى نتائج سلبية على مستويات متعددة، منها وقف التفاوض أو عدم تسجيل تقدم في المفاوضات، خاصة وأن إسرائيل تبحث عن السنوار لاغتياله”. وتساءل “الاحتلال قتل المفاوض هنية، فماذا سيحدث مع المقاتل السنوار؟”.
ورأى بشير قرقز أن “الحرب لن تنتهي في المستقبل القريب لأن الإسرائيليين يرفضون السنوار؛ يريدون شخصية سياسية حتى يتنازل لهم والسنوار رجل عنيد من الممكن ألا يتنازل”.
ومن شأن سيطرة السنوار على قرار التفاوض وقرار الحرب في حماس أن تحد من مشاركة بقية قادة حماس الموجودين بالخارج في التفاوض وتضعف مصداقية الفلسطينيين وتقلل من تحمّس دول الإقليم لمساعدتهم على الخروج من محنة الحرب وإعادة إعمار القطاع وتأمين الحاجيات الضرورية للسكان من ماء وغذاء وأدوية.
ويروج أنصار حماس لفكرة أن تعيين السنوار سيقوي موقف حماس التفاوضي، وهي فكرة غير واقعية لأنها تصب في صالح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي يرفض المفاوضات ويريد حسم الحرب بالقوة غير عابئ بالآلاف من القتلى والجرحى وحجم الدمار في القطاع.
ورأى مسؤول كبير في حماس أن تعيين السنوار “رسالة قوية إلى الاحتلال مفادها أن حماس ماضية في نهج المقاومة”.
وكتب وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس على منصة إكس أن “تعيين السنوار على رأس حماس سبب إضافي لتصفيته سريعا ومحو حماس من الخارطة”.
وبدا هاني القانوع أكثر تفاؤلا بقوله “لم يكن أحد يتوقع السنوار بدلا من هنية… لكن هذا قد يؤثر على المفاوضات بشكل إيجابي وقد يكون تحديا لإسرائيل كون السنوار يعيش داخل قطاع غزة بين الشعب تحت الحصار”. وتابع أنه “يختلف عن هنية الذي كان يعيش في الخارج”، في قطر منذ سنوات.
وفي الضفة الغربية المحتلة هنأت فصائل سياسية فلسطينية حماس على اختيارها السنوار. ومن بين هذه الفصائل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين اليسارية التي “تمنت للسنوار النجاح” في بيان نشرته حماس.
وقال فرح قاسم (54 عاما)، وهو صاحب مقهى في رام الله، إن اختيار السنوار “قرار ممتاز” لأنه “يعيش في قلب المعركة، وبالتالي هو يعرف تماما على ماذا يفاوض وليس جالسا خارج البلاد”. وتابع “قراراته ستأتي من المعاناة التي يعيشها الشعب في غزة”.
أما عماد أبوفخيدة، وهو مسؤول في مدرسة بقرية قريبة، فقال إن “اختيار السنوار قرار في محله، ورسالة إلى الاحتلال (يفيد مضمونها) بأن الحل السياسي الذي رفضته إسرائيل باغتيالها هنية لن يكون إلا من تحت زناد البندقية”. وأضاف “كل الحروب تنتهي بالمفاوضات واليوم سيكون المفاوض هو من يقود المعركة”.
ولا شك أن تشدد مواقف السنوار في المفاوضات سيعني دعما لنتنياهو وليس ضغطا عليه، وسيزيد من يأس الوسطاء ومختلف المتدخلين الباحثين عن تهدئة، وسيكون سكان القطاع هم الخاسر الأكبر.
كما أن رفض السنوار للحوار سيجعله في مواجهة مع إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن التي تريد التوصل إلى تهدئة بين إسرائيل وحماس بأي طريقة. ولتحقيق ذلك تضغط على الوسطاء، وخاصة القطريين.
وأعلن البيت الأبيض الأربعاء أن إسرائيل وحركة حماس مازالتا قريبتين من التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.
وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي جون كيربي للصحافيين “نحن (اليوم) قريبون أكثر من أي وقت مضى حسب اعتقادنا” إلى التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة وإطلاق سراح الرهائن الذين تحتجزهم حماس.
وفي الأسابيع الأخيرة أعلن مسؤولون أميركيون في عدة مناسبات أن التوصل إلى اتفاق بات وشيكا، وحثوا إسرائيل وحماس على قبول اقتراح سيؤدي إلى وقف إطلاق النار لمدة ستة أسابيع.
وقال البيت الأبيض الثلاثاء إن المفاوضات التي تتوسط فيها الولايات المتحدة وقطر ومصر “وصلت إلى مرحلتها النهائية”، لكنه لم يقدّم تفاصيل.
العرب