
لم يكن ظهور الإرهابي الشهير الناجي عبد الله؛ أحد قادة ما تُسمّى بكتائب المجاهدين المكونة من منسوبي جماعة الإخوان المسلمين إبّان حرب جنوب السودان (1983 – 2005)، في مدينتي المناقل (وسط السودان) وسنار (جنوب شرق) المحاصرتين من قبل قوات الدعم السريع في حفلات خطابية وهو يدعو إلى الجهاد وذبح الأسرى من قوات الدعم السريع ومناصريها وقطع رؤوسهم، وقطع أرجلهم وأيديهم من خلاف؛ تدشيناً لمرحلة جديدة من الحرب الدائرة في السودان، بحيث يتم إظهار الصورة المخفيِّة منها والتي تتلخص في كونها حرباً شنتها الجماعة على قوات الدعم السريع، بعد أن وقفت حجر عثرة أمام طموحاتها في العودة إلى السلطة مُجدداً عقب انقلابها على حكومة عبد الله حمدوك، بالتنسيق مع قائد الجيش عبد الفتاح البرهان في 25 تشرين الأول (أكتوبر) 2021، وإنّما هو استمرار لخطة متكاملة ظلت قيد التنفيذ على مراحل؛ بدءاً ممّا عُرفت بمجزرة فض اعتصام المتظاهرين أمام مقر قيادة الجيش السوداني بوسط العاصمة الخرطوم في 20 نيسان (أبريل) 2019، وليس انتهاءً بإشعال الحرب الراهنة.
جماعات إرهابية مخفيّة
كان الظهور الأول لما تُعرف بكتائب وميليشيات الإخوان، وأبرزها كتيبة البراء بن مالك، وقوات العمل الخاص (هيئة العمليات) سابقاً، عقب التوقيع على الاتفاق الإطاري بين الجيش وقوات الدعم السريع من جهة، والقوى المدنية والثورية من جهة أخرى، توطئة لإنهاء انقلاب 25 تشرين الأول (أكتوبر) 2021، وعودة البلاد إلى المسار المدني الديمقراطي بحكومة انتقالية مدنية كاملة، مع عودة العسكريين (الجيش وقوات الدعم السريع) إلى ثكناتهم وتخليهم عن ممارسة العمل السياسي، فشعرت الجماعة باقتراب نهايتها الفعلية إذا ما تم تنفيذ الاتفاق، فحركت كتائبها الكامنة وحاصرت قوات الدعم السريع في معسكرها بالمدينة الرياضية (جنوب الخرطوم)، وأطلقت عليها النار فجر 15 نيسان (أبريل) 2023، وفقاً لشهادات وروايات متطابقة ومتداولة.
حاولت الجماعة منذ إشعالها الحرب عن طريق ميليشياتها وبمساندة ضباطها في قيادة الجيش التمويه على مشاركتها في الحرب وإخفاء دورها للحيلولة دون توصل طرفي النزاع الظاهرين (الجيش السوداني وقوات الدعم السريع) إلى اتفاق لإيقافها
حاولت الجماعة منذ إشعالها الحرب عن طريق ميليشياتها وبمساندة ضباطها في قيادة الجيش التمويه على مشاركتها في الحرب وإخفاء دورها للحيلولة دون توصل طرفي النزاع الظاهرين (الجيش السوداني وقوات الدعم السريع) إلى اتفاق لإيقافها، والشروع في الإعداد لمرحلة انتقالية تلعب فيها القوى المدنية الدور الأبرز؛ وصولاً إلى انتخابات ديمقراطية حرة، إلا أنّها فشلت في الاستمرار في هذه المسرحية بعد ظهور قادة كتائبها علانية في وسائل التواصل الاجتماعي وهم يحاربون بجانب الجيش كما يدّعون، وينشدون الأناشيد الجهادية، ويتوعدون خصومهم السياسيين ودول الجوار والعالم كله بالحرب والقتل.
سياق جديد
لم يكن ظهور الإرهابي الناجي عبد الله في الأسبوع المنصرم وهو يقود ميليشيات المجاهدين في مدينة سنار (جنوب شرق) المحاصرة من قبل قوات الدعم السريع، هو الأول له، فقد ظهر قبلها بمدينة المناقل (وسط)، كما ظهر قبل الحرب ببضعة أيام في الخرطوم معلناً أنّ عهد (الخطابة) انتهى وجاء عهد البندقية، مثلما كتب أحد قادة الجماعة الإرهابية واسمه عمّار السجّاد على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي منشوراً قبل (3) أيام من بداية الحرب، يدعو فيه قاطني العاصمة السودانية إلى مغادرتها فوراً، في إنذار مبكر بحرب كانت جماعته تعرف متى ستبدأ، لأنّها من خططت لها ونفذتها.
وفي هذا السياق الجديد من الحرب، بثت فضائية (طيبة) الإخوانية التي تبث من تركيا خلال الشهر المنصرم عدة مقاطع فيديو، يظهر في أحدها الإرهابي الناجي عبد الله، قبيل عيد الأضحى بقليل، وهو يخاطب جمعاً من أنصار جماعته بقوله: "لن نذبح الخراف والثيران والإبل بعد اليوم، بل سنذبح جنود قوات الدعم السريع، ونأكل لحومهم".
وكانت الميليشيات الإخوانية قد بثت مقطع فيديو يُظهر عدداً من عناصرها وهم يذبحون مواطناً في إحدى قرى ولاية الجزيرة (وسط) بتهمة التعاون مع قوات الدعم السريع، ثم يخرجون أحشاءه ويستعرضونها أمام الجمهور في مشهد ترتعد له الفرائص وتقشّعر الأبدان.
ولاية إسلامية
وكان عبد الحي يوسف مالك قناة (طيبة) الفضائية، الإخواني المتشدد الهارب إلى تركيا بعد اتهامه بفساد مالي، قد دعا في 29 نيسان (أبريل) 2023، أي بعد نحو أسبوعين من بداية الحرب، إلى قتل السياسيين وقادة الأحزاب والقوى المدنية، خصوصاً الداعمين للاتفاق الإطاري، أو على الأقل تفريقهم حتى لا يجتمعوا في مكان واحد، وإسقاط الجنسية السودانية عنهم باعتبارهم خونة مارقين.
كان عبد الحي يوسف مالك قناة (طيبة) الفضائية، الإخواني المتشدد الهارب إلى تركيا بعد اتهامه بفساد مالي، قد دعا في 29 نيسان (أبريل) 2023، أي بعد نحو أسبوعين من بداية الحرب، إلى قتل السياسيين وقادة الأحزاب والقوى المدنية
وقد اشتُهر مالك هذه القناة التي تبث العمليات الإرهابية وعمليات الذبح والقتل والترويج لخطاب الكراهية بفتواه للرئيس المخلوع عمر البشير، خلال اعتصام الشعب السوداني أمام مقر قيادة الجيش 2019، بقتل ثلث الشعب السودان ليعيش الثلثان، ناسباً ذلك إلى المذهب المالكي.
ودأبت قناة (طيبة) في الأسابيع الأخيرة على بث مقاطع فيديو للإرهابيين، وعلى رأسهم الناجي عبد الله الذي أكد أنّهم بصدد تجنيد الجميع رجالاً ونساء وكباراً وصغاراً، بمن فيهم الأطفال فوق سن العاشرة لخوض القتال ضد قوات الدعم السريع، والاستشهاد في سبيل ما سمّاها بمعركة (الكرامة)، الأمر الذي أثار مجدداً أمر تورط الجيش السوداني وميليشيات الإخوان المساندة له في تجنيد الأطفال والزج بهم في المحرقة.
كما أعلن الإخواني المتشدد توفيق محمد، والي ولاية سِنّار (جنوب شرق) خلال الحفل الخطابي نفسه الذي تحدث فيه الإرهاب الناجي عبد الله في 26 حزيران (يونيو) عن تدشين ما سمّاها بالدولة الإسلامية في ولايته، مشدداً أنّه بموجب إعلانه هذا ستتحول مواجهة قوات الدعم السريع من قتال إلى جهاد، مُعبِّراً عن سعادته بوجود عبد الله وميليشياته في سِنّار.
كتلة إرهابية متنامية
بإظهار الجيش السوداني النُسخة المخفية من الحرب، وإعلانه عن سيطرة الكتائب الإرهابية الإخوانية والداعشية على قرار الحرب والسلام وعلى القرار السياسي وعلى قيادته، يكون قد وضع السودان مرة أخرى في قائمة الدول الراعية للإرهاب، ولربما سيفضي ذلك إلى فرض عقوبات قاسية على بلد يعاني شعبه من ويلات ومترتبات الحرب الأكثر غباءً في العالم، بحسب وصف العديد من المراقبين.
إلى ذلك يثير ظهور الجماعات الإرهابية الداعشية والإخوانية التي تدعو إلى الذبح والحرق والصلب مخاوف جمة بالنسبة إلى حكومات وشعوب الدول المجاورة، خصوصاً أنّ هذه الميليشيات تتحرك تحت غطاء الجيش بالقرب من الحدود الإثيوبية في سنار وسنجة (جنوب شرق) وكسلا والقضارف وبورتسودان (شرق)، وبالقرب من الحدود المصرية في ولايتي نهر النيل والشمال اللتين تضمان أكبر عدد من المُستنفرين الإخونجية، وما يُسمّى بالمقاومة الشعبية، وبالقرب من جنوب السودان في ولاية النيل الأبيض؛ الأمر الذي يشكل تهديداً مباشراً للأمن القومي لهذه الدول، التي لن تظل صامتة كل الوقت على هذه الكتلة الإرهابية المتنامية بالقرب من حدودها.