
بالتزامن مع زيارة مرتقبة لوزير الخارجية الأمريكي إلى تل أبيب يفترض أنّ هدفها ممارسة الضغط على نتنياهو وحكومته، في ظل تباين بالرؤى الاستراتيجية والتكتيكية تجاه الحرب على حماس، والاحتمالات المتوقعة لأن يقدّم (بيني غانتس) استقالته من مجلس الحرب الذي تم تشكيله بعد السابع من تشرين الأول (أكتوبر)، أعلن الجيش الإسرائيلي أنّه تمكن من تحرير (4) رهائن من "مختطفي" السابع من تشرين الأول (أكتوبر)، في عملية وصفت بأنّها معقدة جداً، وجاءت نتاجاً لتنسيق وتعاون عالي المستوى بين المستويين العسكري والأمني الإسرائيليين.
ومن الواضح أنّ الإعلان عن تفاصيل العملية خضع لصناعة سياسية وإعلامية مرتبطة بالتجاذبات والانقسام الذي تعيشه إسرائيل، فقد جاء الإعلان عن العملية من قبل وزارة الدفاع وبصيغة أكدت على التنسيق بين المؤسستين العسكرية والأمنية، في رد مباشر على اتهامات نتنياهو واليمين المتطرف بفشل الجيش والأجهزة الأمنية باستعادة الرهائن، كما أكدت على توصيف العملية بأنّها معقدة واستندت لمعلومات استخبارية، وأنّها كانت محفوفة بمخاطر كثيرة، بما فيها "تعطل" الآلية التي أقلت المحررين، فيما يبدو أنّ روايات يتم سردها حول تفاصيل العملية بصورة "هوليودية"، بما فيها استخدام الميناء العام الأمريكي، واستخدام شاحنات نقل مواد إغاثة، وهي سرديات تحتاج لمعلومات استخبارية ربما يتم الإفراج عنها لاحقاً، ويتم السماح بنشرها.
ورغم ما يقال عن أنّ العملية ربما تشكل نجاحاً تكتيكياً، إلا أنّها لا تغير من حقيقة الفشل الإسرائيلي "عسكرياً وأمنياً" في محطتي السابع من تشرين الأول (أكتوبر)، وبعد شن الحرب البرية على قطاع غزة، بتحقيق هدفي "إنهاء حماس عسكرياً وسياسياً، والإفراج عن الرهائن"، إلا أنّ المؤكد هو أنّ الأطراف الإسرائيلية ستبني عليها، فمن جهته بدأ نتنياهو بإطلاق تصريحات تلامس مقولات اليمين المتطرف تؤكد على "صوابية" مقارباته بأنّ الضغط العسكري هو السبيل الوحيد للإفراج عن المخطوفين، وجاء احتفاء الجيش والأمن بالعملية لاستعادة بعض ما فقداه من الثقة بعد اتهامات بالفشل، وعلى المستوى السياسي فإنّ العملية دفعت بـ (غانتس) للتراجع عن تهديده بالانسحاب من مجلس الحرب، كما كان مقرراً في يوم العملية.
من الواضح أنّ الإعلان عن تفاصيل العملية خضع لصناعة سياسية وإعلامية مرتبطة بالتجاذبات والانقسام الذي تعيشه إسرائيل
أمنياً ولجهة المقاومة، لا سيّما حركة حماس، فإنّ العملية، ولأنّها الأولى من نوعها التي يتمكن فيها الجيش الإسرائيلي من تحرير (4) رهائن أحياء، ذهبت باتجاه التأكيد أنّه ما زال هناك أكثر من (100) أسير، في إشارة إلى التقليل من هذه العملية، وأنّ العملية أسفرت عن مقتل رهائن آخرين، وأنّها ستعيد النظر بإجراءات تأمين الأسرى لديها، بما يقلل من احتمالات تكرار مثل هذه العملية، ومع ذلك فإنّ العملية تكشف أنّ اختراقاً أمنياً هو الذي أسهم بنجاح العملية، ولا يستبعد أنّ هذا الاختراق ربما تم عبر مصادر فنية، إلا أنّ احتمالات أنّه تم الحصول على المعلومات من مصادر بشرية تبدو أكثر موضوعية، لأنّ القسام تتخذ احتياطات واسعة باستخدام الهاتف والاتصالات، مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ مكان احتجاز المفرج عنهم كان بمنازل، وليس في الأنفاق كما كان يُتوقع.
وبعيداً عن التقليل من انعكاسات العملية على مستقبل الحرب، وأنّها مجرد نجاح تكتيكي، إلا أنّه يتوقع أنّ سيناريوهات التصعيد ستكون الأكثر ترجيحاً، فالعملية ستكون دافعاً للجيش والأجهزة الأمنية لاستعادة الثقة، والقيام بعمليات مشابهة لإعادة المخطوفين، وربما تستخدم أساليب جديدة، وبالتزامن ربما تتوسع إسرائيل بعمليات أخرى، في مناطق محددة وعبر عمليات خاصة تستخدم تكتيك الأرض المحروقة، بحجة توفر معلومات استخبارية "دقيقة" حول وجود قادة من القسام وحماس، وهو ما جرى في عمليات الاقتحام المتكررة في بيت لاهيا وأحياء مدينة غزة بالإضافة إلى أماكن أخرى، وهو ما يطرح تساؤلات فيما إذا كانت كل عملية لتحرير عدد محدود من الأسرى ستنفذ عبر مجازر وحشية بقتل مئات الفلسطينيين الأبرياء. وربما تكمن الخطورة في مثل هذه العمليات في أنّ النجاح بالإفراج عن مخطوفين من قبل الجيش الإسرائيلي يغطي على صورة المجازر الوحشية المرتكبة.
بالخلاصة؛ فإنّ سيناريوهات ما بعد العملية تشير إلى أنّها ستكون في مصلحة نتنياهو، وسيتم تضخيمها للبناء عليها باتجاه استمرار الحرب، ومن المرجح أن تدفع بإسرائيل لفرض شروط جديدة في مفاوضات الهدنة الجارية بوساطة أمريكية بالتنسيق مع القاهرة والدوحة، وربما تكمن الخطورة في حال نجاح إسرائيل بعملية جديدة وتحرير المزيد من المختطفين، قبل زيارة نتنياهو إلى واشنطن وخطابه المرتقب في الكونغرس الأمريكي، وهو ما سيصبّ أمريكيّاً في صالح الفريق اليميني المؤيد لنتنياهو، ويزيد من المصاعب التي سيواجهها الرئيس بايدن في حملته الانتخابية، في ظل مقاربة تقديم الدعم لإسرائيل، وضغوطات الرأي العام الرافض للوحشية والانتهاكات الإسرائيلية.