
في مشهد ساحر تداخلت فيه الابتهالات مع أصوات المداحين، ودقات الطبول مع الإنشاد بمختلف اللغات والثقافات، على مسرح السور الشمالي، بجوار بوابة النصر، بالقاهرة التاريخية، انطلقت الدورة الـ (16) لمهرجان سماع الدولي للإنشاد والموسيقى الروحية، وذلك يوم الجمعة 22 أيلول (سبتمبر) الماضي.
نظمت المهرجان مؤسسة حوار لفنون ثقافات الشعوب، وقد استمر من 22 حتى 28 أيلول (سبتمبر) الماضي، تحت رعاية وزارة الثقافة المصرية، ووزارة السياحة والآثار.
ويُعدّ المهرجان الذي أسسه ويقوده الفنان انتصار عبد الفتاح من أهم الفعاليات الفنية السنوية، التي تُعنى بالحفاظ على التراث غير المدون الذي ينتقل من جيل إلى جيل عبر المنشدين والمرنمين وفرق الموسيقى الروحية. وقاد الفنان انتصار عبد الفتاح مؤسس ورئيس المهرجان في الافتتاح الورشة الفنية الدولية، التي تندمج فيها جميع الفرق المشاركة، ويزيد عددها هذا العام عن (12) فرقة، من مصر ودول أفريقيا، وأوروبا، والمنطقة العربية.
حضور دولي مميز رغم الثقافات المختلفة
من جهتها، قالت سهام إسماعيل، مديرة مهرجان سماع الدولي للإنشاد والموسيقى الروحية، في تصريحات خصّت بها (حفريات): إنّ عدد الدول المشاركة زاد في الأعوام السابقة، موضحة "لدينا أكثر من (12) ثقافة مختلفة، بالإضافة إلى الفرق المصرية المتنوعة، والدعوة مفتوحة مجاناً للجمهور، نحرص على التنوع بين أفريقيا وأوروبا والثقافة العربية، وهو ما يمثل ثراءً كبيراً للمهرجان، وكل الفرق المشاركة متميزة، بسبب تدقيق لجنة المهرجان، وحرصها على مراعاة التنوع والتميز الفني".
وتلفت سهام إسماعيل إلى أنّه في الأعوام التي سبقت جائحة كورونا، وصل عدد الدول المشاركة في المهرجان إلى (15) دولة، وربما أكثر، وتم تقليص العدد إلى (5) دول وقت كورونا، لكنّ وصول عدد الدول المشاركة إلى (12) دولة ، في ظل الأزمة الحالية، لا يعني فقط الاستمرارية بل القبول والنجاح، ومن الدول المشاركة بهذه الدورة: تتارستان، باكستان، البوسنة، الصين، جيبوتي، الجزائر، اليونان، رومانيا، جنوب السودان، أندونسيا، اليمن، قبرص، مصر.
مديرة المهرجان سهام إسماعيل: عدد الدول المشاركة زاد في الأعوام السابقة، موضحة: لدينا أكثر من (12) ثقافة مختلفة، بالإضافة إلى الفرق المصرية المتنوعة
وضيف الشرف لهذه الدورة هي دولة الكونغو برازفيل، بالإضافة إلى مشاركة خاصة لفرق سورية مقيمة في مصر، وفرق وزارة الثقافة المصرية، وكذلك يكرم المهرجان هذا العام اسم القس الراحل ديزموند توتو من جنوب أفريقيا، والمستشرق الإيطالي جوزيبي سكاتولين، والراهب الأمريكي توماس ميرتون أوكسو، إضافة إلى متحف الذاكرة والتسامح بالمكسيك، ودير سانت كاترين في سيناء.
محطات فنية تميز مهرجان سماع
نظراً لتزامن المهرجان هذا العام مع المولد النبوي الشريف، تمّ تنظيم احتفالية كبيرة يوم الثلاثاء 25 أيلول (سبتمبر) 2023، بعنوان: "دعوني أُناجي حبيبي"، بمناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف، التي شاركت فيها فرق من (10) دول مختلفة، كما أقيمت احتفالية ملتقى الأديان بعنوان: "هنا نصلي معاً" للمرة التاسعة، في أكبر ملتقى دولي لفن السماع والرقص الصوفي المولوي.
حسن خليل: إنّ المهرجان هذا العام شهد طفرة من حيث عدد الفرق المشاركة، وكذا الحضور الجماهيري الكبير، والذي تجاوز في بعض الأحيان (7) آلاف متفرج
تقول سهام: إنّ الورشة الفنية التي تضم كل الفرق الدولية، والتي يكون نتاجها على الأقل احتفاليتي الافتتاح والختام، هي عنصر يميز مهرجان سماع عن غيره من الفعاليات الفنية، حيث يتيح هذا المهرجان الفرصة لإجراء حوار حضاري بين مختلف شعوب العالم من خلال الفنون التراثية، ويعكس قدرة الإبداع على مد جسور التواصل بين الأمم، وخلق تقارب وجداني بينها، رغم اختلاف اللغات، وذلك من خلال فن السماع الذي يشدو مخاطباً وجدان البشرية أينما كانت، والتأكيد على التواصل الإنساني بين الشعوب بالموسيقى الروحية، بمشاركة مجموعة كبيرة من الفرق، التي تمثل ثقافات العالم، بقيادة الفنان انتصار عبد الفتاح.
تنشيط فني سياحي
وأوضحت سهام إسماعيل أنّ رعاية وزارة السياحة والآثار؛ ممثلة في الهيئة المصرية العامة للتنشيط السياحي، للمهرجان هذا العام، تأتي في إطار خطة الهيئة لتنشيط الحركة السياحية الوافدة إلى المقصد السياحي المصري، من خلال استثمار الأحداث التي تشارك في الترويج السياحي لمصر، وتشجيعاً من الهيئة لرفع الذوق الثقافي وتبادل الخبرات والعلاقات الثقافية بين شباب الدول الأجنبية والأفريقية، ففعاليات المهرجان تقام بالعديد من الأماكن السياحية والتاريخية منها: مسرح السور الشمالي بجوار باب النصر، قبة الغوري، بيت السناري، ساحة الهناجر بالأوبرا، الحديقة الثقافية بالحوض المرصود، مركز الطفل للحضارة والابداع بمصر الجديدة.
من جهته، يقول الزميل حسن خليل، بفريق تنظيم المهرجان، في تصريحات خصّ بها (حفريات): إنّ المهرجان هذا العام شهد طفرة من حيث عدد الفرق المشاركة، وكذا الحضور الجماهيري الكبير، والذي تجاوز في بعض الأحيان (7) آلاف متفرج، ممّا يؤكد تعطش الجماهير للفن الهادف، الذي يحاكي مفردات التاريخ والثقافة، ويخاطب الحس الروحي لدى الإنسان بشكل عام.
خليل أشاد بالتنظيم، وتعاون مؤسسات الدولة لإخراج هذا الحدث الثقافي الكبير، على هذا القدر من التنظيم، مؤكداً تناغم مفردات المنظومة ككل؛ من أجل التعبير عن روح مصر التاريخية، وقدرة المواطن العادي على التفاعل مع هذه الفعاليات، واستقبالها بهذا القدر من المسؤولية، والحس الواعي.
ولفت خليل إلى الدور الفاعل لمهرجان سماع، طيلة الأعوام الفائتة، في دعم التواصل بين الثقافات الشعبية المختلفة، عن طريق هذا الملتقى الذي يقام في بيئته الطبيعية، بين جنبات القاهرة التاريخية، وتحت إدارة فنان مختص ومحب لما يقدمه من فن متفرد، في رسالة تعكس قوة مصر الناعمة، وقدرة فنانيها على إدارة الأحداث الكبرى.