الخيارات الإيرانية في مواجهة أمريكا

إيران

الخيارات الإيرانية في مواجهة أمريكا


06/08/2018

تكاد سلّة الخيارات الإيرانية لمواجهة الضغوط الأمريكية المتصاعدة تكون فارغة إلا من خيارين، ربما لا يستطيع النظام الإيراني تحمّل كلفتهما باهظة الثمن.

الخيار الأول: الاستجابة لضغوطات الإدارة الأمريكية، بالجلوس معها للتفاوض، وهو ما يعني بحث الشروط الـ "12" التي طرحها وزير الخارجية الأمريكي، كما تعني انتحاراً سياسياً بالنسبة إلى قيادة الثورة الإيرانية، التي بنت سياساتها على معاداة الشيطان الأكبر.

أما الخيار الثاني فهو: التكيف مع تداعيات العقوبات التي سيبدأ تنفيذها بعد أيام، وبناء الرهانات الإيرانية على مواقف بعض الأطراف الدولية التي أعلنت رفضها الانصياع للعقوبات الأمريكية؛ كالصين وتركيا، وإلى حدّ ما روسيا، إلى جانب موقف أوروبي متردّد.

تتعدّد مظاهر انهيار الاقتصاد الإيراني حتى قبل بدء تنفيذ العقوبات الأمريكية الجديدة

وربما يطرح كثيرون تساؤلات حول الخيار العسكري واحتمالات بقائه خياراً ثالثاً أمام الإدارة الأمريكية والقيادة الإيرانية، إلا أنّ غالبية المعطيات تؤكد أنّ لا أمريكا ولا إيران في وارد الاستعداد لخوض حرب جديدة في المنطقة، فلن يكون ذلك الخيار في مصلحة إيران أو حلفائها، أو في مصلحة الولايات المتحدة، غير المستعدة أصلاً لتحمّل الكلفة المالية الباهظة للحرب، أو نتائجها.

الخيارات الأمريكية حسمت، بعد حوارات في الغرف المغلقة والسرية

كما أنّ حلفاء أمريكا بالمنطقة ليسوا في وارد خوض حرب شاملة، في الوقت الذي أصبحت فيه "التسويات" عنواناً لإنهاء الصراعات في المنطقة، بتوافقات أمريكية روسية، تنعكس تباعاً في كوريا الشمالية وسوريا، وستظهر عمّا قريب في تسوية النزاع الفلسطيني الإسرائيلي.

اقرأ أيضاً: هل تعمّق مناورات ترامب أزمات القيادة الإيرانية؟

وتبرز هنا تساؤلات أخرى حول التهديدات التي يطلقها المستوى العسكري الثوري والسياسي الإيراني، ممثلاً بقاسم سليماني، قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني، حول إمكانية إغلاق مضيقي هرمز وباب المندب، بما يؤثر في الملاحة البحرية الخاصة بحوالي 40% من إمدادات النفط العالمي، ومن الواضح أنّ هذه التهديدات مرتبطة برسائل للداخل الإيراني لتعزيز الشعور بالانتماء القومي، وأخرى خارجية لتحسين شروط التفاوض مع أمريكا، خاصّة أنّها مشروطة بتنفيذ التهديد الإيراني في حال منعت أمريكا صادرات النفط الإيرانية، البالغة حوالي 2.8 برميل يومياً، والتي تشكّل عصب الموارد المالية الإيرانية.

انخفضت قيمة الريال الإيراني إلى نحو 119 ألف ريال لكلّ دولار وتسارع هروب رؤوس الأموال

يبدو أنّ الخيارات الأمريكية حسمت، بعد حوارات في الغرف المغلقة والسرية، باتجاه تنفيذ سيناريو العمل على إسقاط النظام الإيراني من الداخل، إلى جانب "قصقصة" التواجد والتأثير الإيراني وأذرعه في الإقليم، من خلال حزمة واسعة من العقوبات الاقتصادية التي سيجعل تنفيذها إيران قطعة معزولة عن العالم، مع ضربات عسكرية نوعية لأذرعها ومليشياتها في المنطقة، ومن هنا جاءت تصريحات الرئيس الأمريكي كمفاجأة، باستعداده للتفاوض مع إيران دون شروط مسبقة؛ لإدراكه أنّ القيادة الإيرانية سيتعمّق مأزقها في حال قبول العرض أو رفضه؛ حيث إنّ قبوله يعني سلسلة من التنازلات التي تستجيب للشروط الأمريكية، ورفضه سيعفي أمريكا من عقوباتها ضدّ إيران، باعتبارها قدمت تنازلات ووافقت على مباحثات بلا شروط، وإن رفضت القيادة الإيرانية.

ليس أمام القيادة الإيرانية إلّا الذهاب باتجاه المفاوضات مع أمريكا

تتعدّد مظاهر انهيار الاقتصاد الإيراني، حتى قبل بدء تنفيذ العقوبات الأمريكية الجديدة، فقد انخفضت قيمة الريال الإيراني إلى حوالي 119 ألف ريال لكلّ دولار، فيما يتسارع هروب رؤوس الأموال، بعد أن تبيّن عدم قدرة الأوروبيين على الحفاظ على المكتسبات الاقتصادية، بعد الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي، هذا الانحدار ارتبط بالقطاعات التي تستهدفها الحزمة الأولى من العقوبات، وتشمل: حظر التعامل بالريال الإيراني، ومنع بيع الدولار والذهب والمعادن لإيران، ومنع استيراد البضائع الإيرانية، وعقوبات على قطاع السيارات. أما الحزمة الثانية؛ فستنطلق بتاريخ 4 تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، وستطال الدول التي تستورد النفط الإيراني، وكافة المؤسسات المالية الإيرانية ومن يتعامل معها، وبالمجمل كلّها عقوبات لا يمكن للاقتصاد الإيراني المتهاوي أن يتحمّلها، رغم خطابات المكابرة الإيرانية.

اقرأ أيضاً: هل تدفع الأزمة الاقتصادية إيران للتفاوض مع أمريكا؟

وفي غضون ذلك، تتصاعد موجة الغضب الشعبي من سوء الأوضاع الاقتصادية، التي يتم التعبير عنها عبر سلسلة موجات متواصلة من المظاهرات الشعبية التي تجتاح غالبية المدن والمحافظات الإيرانية، خاصّة في المناطق التي توصف بأنها مؤيدة للنظام قومياً ومذهبياً، ويبدو أنّ إجراءات مواجهة تلك المظاهرات بخطابات معلَّبة، كانت تجد صدى عند بداية الثورة، في أعقاب الثورة على الشاه، لم تعد تجد آذاناً صاغية، كما أنّ اتهام المتظاهرين بالعمالة، وأنّ أمريكا والقوى المضادة للثورة الإسلامية تقف خلف المتظاهرين، لم تعد تجدي نفعاً مع المتظاهرين الذين يعانون التمييز والاضطهاد والفقر والجوع، في وقت أثرى فيه قادة الثورة من خلال فساد ممنهج، كما أنّ محاولات استثمار تياري التشدّد والإصلاح المظاهرات لصالحهما لم تعد مجدية، في ظلّ شعارات المتظاهرين التي تساوي بينهما "الموت للدكتاتور الموت لروحاني".

اقرأ أيضاً: آفاق المخطط الأمريكي بإسقاط النظام الإيراني من الداخل

واضح أنّه ليس أمام القيادة الإيرانية إلّا الذهاب باتجاه المفاوضات مع أمريكا، لكنّ تساؤلات كبيرة تطرح حول هذه المفاوضات، فهل ستكون سرّية، كما تفضّل إيران، أم علنيّة تضمن للرئيس الأمريكي الظهور الإعلامي بالصيغة التي يحبذها بالإعلان عن تحقيق انتصار على إيران؟ وهل ستكون هناك مقايضة بين الدور الإقليمي لإيران ورفع العقوبات الاقتصادية عنها؟ وأين الملف النووي والبرنامج الصاروخي من هذه المفاوضات؟ ثمّ كيف ستبرر القيادة الإيرانية التنازلات التي ستقدمها؟ وما هي تداعياتها على الشارع الإيراني؟ وبأي اتجاه ستكون الأدوار الدولية في هذه المفاوضات، خاصة الصين وروسيا والاتحاد الأوروبي، وأدوار القوى الإقليمية ممثلة بإسرائيل والمملكة السعودية؟

اقرأ أيضاً: هل ستتنازل إيران عن العراق بسهولة؟


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية