الإمارات... والبعد الأخلاقي في العلاقات الدولية

الإمارات... والبعد الأخلاقي في العلاقات الدولية


02/04/2020

يوسف الحداد

إذا كانت أوقات الأزمات والصراعات تمثل اختباراً لمنظومة القيم والأخلاق السائدة في العلاقات الدولية، فإن أزمة كورونا كانت كاشفة لهذه الحقيقة، ففي الوقت الذي أدت فيه هذه الأزمة إلى تراجع دور العديد من القوى الكبرى التي بدت عاجزة عن القيام بأي مبادرات ملموسة وتخلت عن دورها الأخلاقي في تخفيف الآثار الكارثية لهذه الأزمة، فقد استطاعت قوى أخرى أن تعزز من مكانتها السياسية وتمد يدها لمساعدة الآخرين في مواجهة هذا الفيروس، وهو الأمر الذي سيكون له تداعياته في إعادة تشكيل منظومة العلاقات الدولية في مرحلة ما بعد كورونا، استناداً إلى معايير ومبادئ جديدة لا ترتكز فقط على قدرة الدول على التعامل مع الأزمات، وإنما أيضاً على مشاركتها الفاعلة في إدارة الأزمات الدولية التي تمثل تهديداً للأمن الدولي، وتمسكها بالمبادئ والقيم الأخلاقية في علاقاتها الدولية.
لقد برزت الإمارات كطرف فاعل ومؤثر في إعادة الاعتبار لدور الأخلاق في العلاقات الدولية، فمنذ الإعلان عن فيروس كورونا، وهي تعلي من الاعتبارات الأخلاقية والإنسانية في التعامل مع هذه الأزمة، لأنها تؤمن أن العالم في هذه المرحلة الصعبة من تاريخه في حاجة، أكثر من أي وقت مضى، إلى التوحد والتضامن والتكاتف من أجل الانتصار على هذا الوباء.
لقد جسدت مواقف ومبادرات صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، خلال الأيام الماضية هذا البعد الأخلاقي، وأثبتت أن الإمارات تنحاز دوماً لمصلحة الشعوب والوقوف بجانبها في أوقات المحن والأزمات، فالاتصال الهاتفي الذي أجراه سموه بالرئيس بشار الأسد، وتأكيده على «دعم سوريا الشقيقة ومساعدتها في التغلب على هذا الوباء وحماية شعبها الشقيق»، إنما يعبر عن إدراك الإمارات العميق لأهمية تجاوز أية خلافات والتسامي عليها، والعمل على توحيد الجهود التي من شأنها مواجهة «كورونا»، خاصة في الدول التي تواجه أزمات وصراعات وتعجز منظومتها الصحية عن القيام بدورها في منع انتشار هذا الوباء. في الوقت ذاته، فإن تأكيد سموه خلال الاتصال الهاتفي مع قداسة بابا الكنيسة الكاثوليكية البابا فرنسيس، قبل أيام، على دعم الإمارات لإيطاليا والفاتيكان في مواجهة محنة كورونا، وتشديده على «أهمية تعزيز التضامن والتعاون العالمي في مواجهة فيروس كورونا والتعامل مع تداعياته»، ثم مبادرة الإمارات بتحويل مركز «إكسل لندن» للمعارض والمؤتمرات المملوك لها في لندن إلى مستشفى ميداني مؤقت لمواجهة تداعيات فيروس «كورونا»، وتحويل ملعب الاتحاد الخاص بفريق مانشيستر سيتي إلى مركز لتدريب وتأهيل الممرضين للتعامل مع المصابين بفيروس كورونا، جميعها خطوات تجسد إيمان الإمارات بأهمية التضامن العالمي في هذه اللحظة الفارقة التي تحتّم على العالم التوحد وإعلاء القيم الإنسانية في مواجهة هذا التحدي غير المسبوق.
إذا كانت تجارب التاريخ تخبرنا أن هذه النوعية من الأوبئة المتفشية القاتلة تمثل لحظة فارقة في مسارات الإنسانية، بما تحدثه من تغييرات في شكل النظم السياسية وتحولات في مكانة الدول وتأثيرها في النظام الدولي، بناء على تعاملها مع هذه الأوبئة وكيفية احتواء تداعياتها، فإنني لا أبالغ إذا قلت إن المواقف والمبادرات التي يقودها الشيخ محمد بن زايد آل نهيان من أجل مواجهة فيروس كورونا، ستؤسس لنهج جديد في العلاقات الدولية في مرحلة ما بعد كورونا، ستبرز معه دولة الإمارات باعتبارها قوة إقليمية ودولية فاعلة ومؤثرة في إدارة الأزمات الدولية التي تهدد الأمن الإنساني.
لقد استطاعت الإمارات من خلال إدارتها الرشيدة لأزمة كورونا في الداخل والخارج، أن تحجز لنفسها مكانة متقدمة في عالم ما بعد كورونا، وقدمت العديد من الدروس المهمة التي ستظل مصدر إلهام للآخرين في إدارة الأزمات الدولية في المستقبل، أولها التسامي فوق أية خلافات سياسية في أوقات المحن والأزمات، وثانيها ضرورة التحرك الاستباقي لمساعدة الدول الشقيقة والصديقة من منطلق الأخوة الإنسانية، وثالثها أهمية العمل على بناء استجابة استباقية دولية في مواجهة فيروس كورونا وغيره من التحديات الكونية المشتركة، لتجنيب العالم التداعيات الكارثية التي قد تنجم عنها في المستقبل.

عن "الاتحاد" الإماراتية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية