كيف تنظر الأديان إلى مرض كورونا؟

كيف تنظر الأديان إلى مرض كورونا؟


15/03/2020

ثمة ما يمكن أن يطلق عليه "أمراض كونية"؛ مثل الإيدز الذي عبر الجغرافيا والثقافات والأديان أيضاً، أقصد هنا أنّ له متعلقات ثقافية ودينية مختلفة ومتعددة بين ثقافة وأخرى ودين وآخر، وثمة أوبئة عالمية، تتحول بسرعة أو ببطء من مجرد مرض إلى وباء؛ مثل "كورونا"، حيث أُعلن وباءً عالمياً من قبل منظمة الصحة العالمية.

أنتج انشغال العالم في الحديث عن كورونا مقاربات ثقافية ودينية مع المرض بدأت في التعامل النفسي معه

إنّ الأمراض والأوبئة العابرة للجغرافيا؛ شأن طبي وعلمي بامتياز، في حركتها ووسائل انتقالها، وليس شأن هذا المقال أن يبحث في ذلك وينقل أقوال العلماء والأطباء، لكنّ الغرض المقصود هو الإجابة عن سؤال؛ "كيف تنظر الأديان إلى المرض؟"، ولا شك أنّ انشغال كل العالم في الحديث عن "كورونا"، أنتج مقاربات ثقافية ودينية مع المرض؛ بدأت في منتجات نظرية تمثلت في  النصح والوعظ والإرشاد الديني بالتعامل النفسي أولاً مع المرض، ثم التعامل المادي.
في الأردن على سبيل المثال؛ أذكر أنّني قرأت مادة إعلامية حول دور الأديان في حفظ المجتمعات من الأمراض، كانت تتركز معظم محاورها على إنتاج برامج وعظية، لكنها مؤطرة ضمن إطار الخصوصية الثقافية للمجتمع، صحيح أنّ الحديث كان عن مرض "الإيدز" تحديداً، لكنّ خطاب الحوارية تلك كان عاماً يستوعب مختلف الأمراض؛ فالدين الذي يستولي على مساحة الأخلاق الواسعة، باعتباره المُنظّر الرئيس لها، هو معني أيضاً في التنظير للقيم السلوكية الأخرى؛ كالنظافة مثلاً، وهي القيمة التي من خلالها وجد الواعظ المسلم نفسه ملزماً بتقديم الإرشاد الديني في سياق مواجهة "كورونا".

اقرأ أيضاً: كورونا: ما تأثير الفيروس على الجسم؟
وينشغل الدين أيضاً بموضوع "الفقر"، إرشاداً ووعظاً وتوجيهاً، ولمّا كان العلماء قد خلقوا مجالاً للمقاربة بين الفقر والأمراض؛ فإنّ الدين ليس معزولاً عن هذا الباب من أبواب التنظير؛ عن الفقر الذي يؤدي إلى المرض، وعن المرض الذي يؤدي إلى الفقر، كما لو أنّها دائرة شر، وعدا عن هذا فقد صنف علماء الطب بعض الأمراض على أنها "أمراض الفقراء"، أو أمراض الفقر.

النظافة هي القيمة التي من خلالها وجد الواعظ المسلم نفسه ملزماً بتقديم الإرشاد الديني في سياق مواجهة كورونا

ولعلّ أبرز تعاطٍ للدين مع المرض؛ يتمثل بالصيغة الوعظية الأكثر حضوراً في حالات المرض، والتي عنوانها "الابتلاء"، حتى أنّ بعض الوعاظ ذهبوا إلى أنّ الابتلاء بالمرض فيه فائدة عظيمة تعود على المريض أو المبتلى في أمور دينه ودنياه، حيث يدفعه المرض للقرب من الله تعالى والصبر واحتساب الأجر.
وممّا يتداول من الأدبيات الدينية في المرض والابتلاء؛ قول الغزالي ـ رحمه الله ـ في بيان نعمة الله تعالى في الابتلاء؛ إنّ هناك مصائب وأمراض أكبر لم تصبه، وأنّ هذه المصيبة كان يمكن أن تكون في دينه، وأن المرض قد يكون عقوبة على معصية عُجِّلت له في الدنيا فلا يعاقب عليها في الآخرة، وأنّ من نعم الابتلاءات، أنّ ثوابها أكبر منها.

اقرأ أيضاً: الإخوان: ارتباك سياسي وشبهات فساد وشماتة بضحايا الطقس والكورونا
وتشترك الأديان بالتلاوات بنيّة الشفاء؛ فلدى المسلمين تلاوات الرقية، ولدى اليهود والمسيحيين تلاوات القداديس. وهناك مقاربة أخرى للمرض عند الديانة اليهودية، قد تبدو واضحة في أفعال واستجابات ذات طابع ديني تمت ممارستها في سياق مواجهة "كورونا"؛ منها احتساء المشروب الكحولي الذي أطلق عليه اسم "كورونا"، وبحسب تقرير نشرته "الحرة"، فقد وزّع أحد الحاخامات اليهود هذا المشروب على المؤمنين، طالباً منهم احتساءه والدعاء إلى الله تعالى أن يحد من انتشار الوباء، كما طلب الحاخامات أيضاً من المؤمنين تجنّب الذهاب إلى الكنيس والاستماع إلى الصلاة، وتحديداً لقصة "الملكة استير" التي تُقرأ عادة خلال احتفالات عيد "المساخر"، عبر الإذاعات.

يتقارب التنظير الديني الإسلامي والمسيحي في مواجهة المرض؛ في سياق وصايا دينية تتسم بالهدوء ومحاولة التخفيف من قلق الوباء

ومن المقاربات اليهودية للمرض ما قاله الحاخام زامير كوهين؛ الذي يخضع للحجر الصحي؛ إنّ "الفيروس نتيجة طبيعية لأنّ غير اليهود يأكلون أي شيء"، فيما ذهب الحاخام المتشدد الناطق بالفرنسية؛ رون تشابا، بعيداً مُعتبراً الوباء "علامة على ظهور السيد المسيح"، وقال الحاخام شلومو آفنر إنّه "على الناس أن يذهبوا إلى الطبيب، لأن الأطباء هم مبعوثو الله لعلاج الأمراض".
ولدى المسيحية مقاربة موضوعية مقارنة بالمقاربة اليهودية، التي ذهبت إلى حالة من التطرف الديني، حيث دعت بطريركية القدس للاتين؛ جميع كهنة الرعايا إلى تنظيم قداديس افتراضية لرعاياهم من خلال وسائل الإعلام، وحدّدت أعداد المشاركين في القداديس بما لا يتجاوز 15 شخصاً بمسافة بين الشخص والآخر لا تقل عن متر، عدا عن توجيهات وعظية كنسية بالصلاة والصوم وقراءة الكتاب المقدس.
يتقارب التنظير الديني الإسلامي والمسيحي في مواجهة المرض؛ في سياق إجراءات أو وصايا أو توجيهات دينية تتسم بالهدوء ومحاولة التخفيف من قلق الوباء، لكنّ "اليهود" ذهبوا مذهباً آخر، مقتربين من خلال وصايا حاخاماتهم للمؤمنين اليهود من حالة متطرفة تظهر أنّ معاصي الآخرين هي سبب البلاء، أو أنّ هذا علامة من علامات نهايات الزمان، والأخطر من هذا؛ هي حالة العداء التي يتمّ تكريسها في الخطاب الديني اليهودي في وصايا الوباء.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية