هل يكون مؤتمر برلين الفرصة الأخيرة لليبيا موحدة؟

ليبيا

هل يكون مؤتمر برلين الفرصة الأخيرة لليبيا موحدة؟


19/01/2020

لم يعد مفتاح حلّ الأزمة الليبية مجرد وقف إطلاق النار بين الجيش الوطني بقيادة المشير خليفة حفتر والمؤيَّد من البرلمان المنتخب من جهة، وحكومة الوفاق بقيادة فايز السراج، والميليشيات المسلّحة الأصولية الموالية له من جهة أخرى، بل أصبح المطلوب وحدة التراب الليبي.

اقرأ أيضاً: ليبيا: مؤتمر برلين وخطر الدوران في الحلقة المفرغة
وبعد دخول أطراف إقليمية ودولية حلبة المفاوضات، وفشل اجتماع موسكو، وتمسّك كل محور بمطالبه، ارتفعت المخاوف الدولية بأن تنتهي الأزمة بتقسيم ليبيا إلى أكثر من دولة، لذا تم تجديد الدعوة لتفعيل مؤتمر برلين، والذي سيعقد في العاصمة الألمانية اليوم، بعد أن تم تأجيلة لأشهر عدة، نظراً لعدم اتفاق الحاضرين على أجندة موحدة، فما الذي يحمله مؤتمر برلين ولم يقدمه مؤتمر موسكو؟


يمتاز مؤتمر برلين بحرص قوى المجتمع الدولي على نجاحه؛ فالحضور الدولي والأممي هو ما افتقده اجتماع موسكو، فقد تمت دعوة الدول الخمس دائمة العضوية، وهم؛ روسيا والصين والمملكة المتحدة وفرنسا والولايات المتحدة، مما جعل المؤتمر أكثر قوة وفاعلية من سابقه، فضلاً عن دعوة إيطاليا ودعوة طرفي النزاع؛ المشير خليفة حفتر قائد الجيش الوطني، ورئيس حكومة الوفاق فايز السراج، وكذلك دعوة مصر والإمارات وتركيا، إضافة للجزائر، الدولة ذات الحدود الشاسعة مع ليبيا (نحو 1000 كلم) وأكثر المتأثرين بالأزمة الليبية.

أصبح المطلوب وحدة التراب الليبي بعد دخول أطراف إقليمية ودولية حلبة المفاوضات

ومن اللافت للنظر أنّ الجزائر لم تكن مدعوة في بادئ الأمر، إلا أنّ الدعوة وجهت لاحقاً إلى رئيسها الجديد، عبد المجيد تبون، بعد أن أكد أنّ بلاده ستبقى فاعلة في الأزمة الليبية "شاء من شاء وأبى من أبى".
وعلى المستوى الأفريقي دعيت الكونغو في آخر لحظة، نظراً إلى أنّ الاتحاد الأفريقي كلف رئيسها، دنيس ساسو نغيسو، قبل ثلاثة أعوام، برئاسة لجنة رفيعة تعنى بالأزمة الليبية، وتمت دعوة منظمات دولية لحضور هذا المؤتمر، وهي؛ الأمم المتحدة وبعثتها إلى ليبيا، والاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى الاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية، مع استبعاد تونس واليونان.

اقرأ أيضاً: ثلاثة أطماع عثمانية

يقول الخبير في الشأن الليبي، عبدالهادي ربيع: "يأتي مؤتمر برلين في لحظة حاسمة بعد فشل مفاوضات موسكو للوصول لتسوية سياسية، وأهمية مؤتمر برلين تأتي من إدراك المجتمع الدولي بضرورة استقرار الأوضاع في ليبيا"، مضيفاً في تصريحه لـ "حفريات" أنّه يمكن تقسم الحضور إلى ثلاثة محاور: الأول (مصر، الجيش الوطني الليبي، الإمارات، فرنسا) ومن أهم مطالبه تفكيك الميليشيات المسلّحة وتسليم أسلحتها، والعمل على دمجها في المجتمع الليبي للمواطنين الليبيين، أما من يحملون الجنسيات الأخرى فيسمح لهم بالمغادرة، ثانياً تسليم المقارّ العسكرية ومراكز التدريب العسكرية للعسكريين الليبيين من الجيش الوطني سواء أكانوا من مناطق محايدة أو من أبناء نفس المنطقة، على أن يكونوا عسكريين خريجي الكليات العسكرية، ولهم أرقام عسكرية ورتب عسكرية.

أما المطلب الثالث، وفق ربيع، فيتجلى بإنشاء حكومة وحدة وطنية وطرح أسماء جديدة لتشكيلها منفصلة عن المجلس الرئاسي، ورابعاً السماح للمهجرين بالعودة لمنازلهم مثل أهالي مدينة تاورغاء الذين يقيمون في معسكرات في إجدابيا وبنغازي ممن هجروا بالكامل على أيدي ميليشيات مصراته المتشددة، واستخدموا المدينة مكباً للنفايات، يعد اتهامهم بأنّهم من مؤيدي النظام السابق (القذافي) ودعموه أثناء الصدام معهم، خامساً: عزل المؤسسة الوطنية للنفط عن الصراع، وعدم إشراف حكومة السراج عليها، سادساً إلغاء مذكرتي التفاهم مع تركيا (سواء الأمنية أو ما تخص الحدود البحرية)، والتمسك بالأراضي التي تم الحصول عليها أثناء القتال مما يعني عدم العودة لحدود ما قبل 4 نيسان (إبريل) الماضي.

يمتاز مؤتمر برلين بحرص قوى المجتمع الدولي على الحضور وهو ما افتقده اجتماع موسكو

ويتابع ربيع حديثه بقوله: أما المحور الثاني فهو محور(تركيا- السراج) ويطالب بوقف إطلاق النار والعودة إلى ما قبل 4 نيسان (إبريل)، والتأكيد على شرعية حكومة الوفاق، والتمسك بأحقية عقد الاتفاقات الدولية، ومنها التصرف في عائدات النفط، وضرورة تفعيل مذكرة التفاهم الليبي التركي.

في حين يتكون المحور الثالث، بحسب ربيع، من الأطراف الدولية المتباينة المواقف حسب المصالح المشتركة مع أي من المحورين، فموسكو تميل لمعسكر الجيش الليبي الوطني، أما إنجلترا وأمريكا فمع الشرعية الأممية لكن وجود الميليشيات ومتطرفين في جانب حكومة فايز السراج، ومنهم مشتركون في قتل السفير الأمريكي في بني غازي يمنع إعلان تأييد لندن وواشنطن لحكومة السراج، أما إيطاليا فتخشى على مصالح شركاتها البترولية مثل شركة "ايني".

وحول استبعاد بعض الدول المهتمة بالشأن الليبي من الحضور قال ربيع: "إنّ أبرز الغائبين هي دولة قطر المتحالفة مع تركيا السراج، وتونس الدولة الحدودية مع ليبيا واليونان المتأثرة بالوجود التركي في ليبيا ومذكرة التفاهم حول الحدود البحرية التركية الليبية، أما عن قطر فلم تتمكن من أن تفرض نفسها، ربما اكتفت بالحضور المميز لتركيا، أما تونس فتذبذب موقفها وضبابية انحيازاتها، جعل راعي المؤتمر يستبعدها من الحضور، وبخصوص اليونان فمشكلتها في مذكرة التفاهم التركي الليبي فيما يخص ترسيم الحدود البحرية مما يعرض مصالحها في غاز شرق المتوسط للخطر، وهذه المذكرة رفضها الإتحاد الأوروبي وليس لها قيمة ولن تفعّل على الواقع فيكون حضورها غير مجدٍ في هذا الشأن".

اقرأ أيضاً: الاتحاد الاوروبي يقطع مساعداته عن تركيا

وحول النتائج المتوقعة من مؤتمر برلين، قال ربيع: إنّه من المتوقع أن يتم الاتفاق على وقف إطلاق النار مع عدم العودة إلى حدود 4 نيسان (إبريل)، وتكوين لجنة محايدة لمراقبة الأوضاع في نقاط التماس، وربما من دول ليس لها مصالح في ليبيا وبرعاية أممية، والاتفاق على تكوين حكومة مشتركة منفصلة عن المجلس الرئاسي، ويستبعد ربيع أن يتم إلغاء اتفاق الصخيرات أو تعديل عدد المجلس الرئاسي أو إلغاء اتفاقة أردوغان والسراج، والاكتفاء بتأجيل المصادقة عليها إلى ما بعد هذه المرحلة الانتقالية.

اقرأ أيضاً: هل اقترب إجهاض التدخل التركي في ليبيا؟

من جهته، يقول الباحث المتخصص في الشأن الليبي بمركز "الأهرام" للدراسات السياسية والإستراتيجية، كامل عبدالله، إنّ "مؤتمر برلين سيتيح إشراك حفتر وشموله بالعملية السياسية وهو الذي ظل الأعوام الماضية معتمداً على الشرعية العسكرية، وتهدف المشاركة الدولية الكثيفة في عملية برلين للتهدئة وتثبيت إطلاق النار لتمهيد الأجواء وحشد الدعم لمفاوضات التسوية الجديدة التي تعثرت خلال العامين الماضيين".

وأضاف عبدالله لـ "حفريات" أنّ الدخول التركي المباشر على خط الأزمة "قد ساهم في التعجيل بعقد مؤتمر برلين الذي تأجل لما يقارب الستة أشهر، مما يسمح لمعسكر طرابلس أن يعد نفسه ويرتب أوراقه ربما أفضل من معسكر حفتر؛ تركيا وضعت العالم أمام الأمر الواقع وأنّها دولة جوار بحري وفق الاتفاقية الجديدة مع اعتبار كونها وسيطاً بالاتفاق الخاص بوقف إطلاق النار بروسيا".

اقرأ أيضاً: تونس تحذّر تركيا.. لماذا؟!

ويوضح أنّ "الدخول التركي إلى جوار حكومة فايز السراج يثير حفيظة أوروبا ويستدعي وجوداً روسياً، مما يهدّد المصالح الأوروبية في ليبيا، ويجعل ليبيا مشدودة الأطراف بفعل التدخلات الإقليمية والدولية، ويقلل فرص التسوية السلمية، فعلى سبيل المثال، إيطاليا لديها مصالح تريد الحفاظ عليها، وهي تتناقض مع مصالح فرنسا، وكلاهما لن يسمح بالوجود الروسي أو التركي في ليبيا".

اللافت أنّ الجزائر لم تكن مدعوة إلا أنّ الدعوة وجهت لاحقاً إلى رئيسها الجديد عبد المجيد تبون

ورأى عبدالله أنّ مَن يملك إيقاف الحرب هو من يملك فرض عقوبات على إمداد الأطراف بالسلاح، منوهاً إلى أنّ "الإدارة الأمريكية لا تريد التورط في الشأن الليبي وترغب في دفع الشركاء الأوروبيين لتحمل مسؤولياتهم في الشمال الأفريقي رغم وجود قوات الأفريكوم، بالقرب من طرابلس".

وحول التعديلات المتوقعة على اتفاق الصخيرات قال عبدالله: إنّ الاتفاق من الصعب إلغاؤه "فهو الركيزة الأساسية لشرعية حكومة الوفاق، لكن من المتوقع وقف إطلاق النار مع ترسيم نقاط التماس بين الفريقين، وهناك محاولة أمريكية لتشكيل قوة مشتركة لتأمين العاصمة سيجري مناقشتها خلال مسار الحوار الأمني، ثم القبول بتخفيض المجلس الرئاسي من تسعة إلى ثلاثة، تمهيداً لتشكيل حكومة منفصلة عن المجلس الرئاسي، ووقف مد السلاح لأطراف النزاع مع توقيع عقوبات على مَن يخالف القرار".


أما عن تفاصيل تنفيذ ما سيتفق عليه، أوضح عبدالله أنّه في نهاية كانون الثاني (يناير) الجاري سيعقد اجتماع برعاية أممية وبرئاسة غسان سلامة في جنيف لاستكمال المسار السياسي للحوار الليبي بحضور 40 شخصية ليبية، 13 من حكومة الوفاق، و13 من البرلمان الليبي، و14 سيتم اختيارهم من قبل مندوب الأمم المتحدة، من المتوقع أن يستكمل الحوار التفاصيل التنفيذية لما سيتم الاتفاق عليه في برلين.

أبرز الغائبين قطر حليفة تركيا السراج وتونس المحاذية لليبيا واليونان المتأثرة بالوجود التركي في ليبيا

هذا وقد كشفت وكالة "تاس" الروسية أنّ مؤتمر برلين حول ليبيا سيقترح تقسيم عملية تسوية الأزمة إلى ست "سلال" على غرار التسوية السورية، وسيضع آلية دولية لتنفيذ مضمونها. وحسب مسودة البيان الختامي لمؤتمر برلين، والذي اطلعت الوكالة على نسخة منها، فإنّ مسارات العمل الستة المقترحة هي: وقف إطلاق النار، وتطبيق حظر توريد الأسلحة، واستئناف العملية السياسية، وحصر السلاح في يد الدولة، وتنفيذ إصلاحات اقتصادية واحترام القانون الإنساني.

وتنص الوثيقة على إنشاء آلية تحت رعاية الأمم المتحدة، تنقسم إلى قسمين: أولهما؛ يتمثل في لقاءات يعقدها شهرياً ممثلون رفيعو المستوى عن الدول القائمة بالوساطة في تسوية الأزمة الليبية مع تقديم تقرير حول نتائج كل لقاء، أما القسم الثاني؛ فسيكون على شكل مجموعات عمل تعقد اجتماعاتها مرتين في الشهر في ليبيا أو تونس.

ومن المفترض أن يحال البيان الختامي بعد تبنّيه في مؤتمر برلين، إلى بساط البحث في مجلس الأمن الدولي.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية