لهذه الأسباب أثارت الإخوانية آيات عرابي جدلاً في تونس

الإخوان المسلمون

لهذه الأسباب أثارت الإخوانية آيات عرابي جدلاً في تونس


08/08/2019

منذ أعلنت وسائل الإعلام التونسية نقل الرئيس الراحل محمد الباجي قايد السبسي إلى المستشفى العسكري يوم 24 تموز (يوليو) 2019، فتحت الإخوانية آيات عرابي كيس اللّعن ترشق به الرّجل، واشتعلت نيران الشماتة وأخذت تدعو له بالموت. كان التونسيون حينها غارقين في حزنهم على رئيسهم؛ إذ طغى شعور عجيب بالتعاطف معه، ونسي الجميع الخلافات وشعروا أنّ ساعة الحقيقة قد حانت، وأنّ لحظة تشبه لحظة اليتم لا مفرّ منها، إلّا من حمل منهم قلباً يمتلئ بالكراهية.
 الرئيس الراحل محمد الباجي قايد السبسي

معجم تكفيري
"نفوق السبسي صاحب مقولة (تونس لا علاقة لها بالإسلام ولا بالقرآن)، صاحب قوانين مساواة الرجل بالمرأة في الميراث، اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك"، بمثل هذه العبارات أعلنت آيات عرابي عن موت السبسي، وأتبعت ذلك بدعاء رنّان فيه من اللعن والشماتة ما لا يحتمله جبل، دون أن تنسى باقي الرؤساء والزعماء والملوك العرب من يحيا منهم ومن صار تراباً: "اللهم أدخله نار جهنم وعذبه والعنه لعناً كبيراً واحشره هو ومن سبقه عبد الناصر والسادات وبورقيبة وحافظ وأتاتورك وعرفات والقذافي وكل طواغيت الحكم الجبري مع فرعون وهامان وأبي جهل (....)".

اقرأ أيضاً: حركة النهضة تعلن مرشّحها للرئاسة.. تعرّف إليه
ويكفي استقراء بسيط للمعجم الذي تستخدمه عرابي لإلحاقها بخطاب يستخدمه تنظيم داعش؛ مثل عبارات "نفوق" و"طواغيت" و"الهالك" و"أعداء الإسلام"، بالإضافة إلى سيل اللعنات الذي تطلقه في كل مرة، والدعاء عليه بعدم الرحمة، زيادة عن كم الحقد والكراهية الذي يضمره هذا الخطاب وما يعكسه من تشفّ في الموتى.

المجتمع أيضاً مدان
ولما توالت عليها الردود والتعليقات بالآلاف من التونسيين الذين أحسوا أنّ رمزاً تونسياً (وإن كانوا يختلفون مع بعض نهجه وينتقدونه في حياته) قد صار في مرمى نيران حقدها وتكفيرها، دون مراعاة آداب الحديث عن ميت انتقل بجوار ربه، جنّ جنونها ووصفتهم بالعلمانيين وسخرت منهم واستغربت دفاعهم عن "زعيمهم"، وبذلك ألحقتهم به وأضمر خطابها تكفيراً لهم بما أنهم سيحشرون معه آلياً وفق "المنطق" الذي يدير "أفكار" عرابي.
وجدي غنيم الذي يعد مرجعاً رئيسياً تثني عليه عرابي وتعتمد فتاواه التكفيرية في أكثر من مناسبة

التهمة الجاهزة
في 13 آب (أغسطس) 2017 الذي يحتفل فيه التونسيون بالعيد الوطني للمرأة، أعطى الرئيس الراحل محمد الباجي قايد السبسي إشارة تفعيل المساواة الفعلية بين الرجل والمرأة في كافة المجالات، وشكل لجنة لإعداد مسودة مجلة للحريات الفردية والمساواة تراعي بنود الدستور الجديد وتلغي ما يتعارض معه من القوانين والمنشورات القديمة. وهي خطوة كافية لتثور ثائرة المحافظين الذين ذهبت طائفة الغلاة منهم إلى تكفير الرئيس.

اقرأ أيضاً: سطوة الغنوشي تُفاقم الخلافات داخل حركة النهضة
تلك هي التهمة التي كانت تنتظر موت الراحل لتنهال عليه عرابي اقتداء بشيخها الوحيد الأوحد الذي كفّر الراحل الباجي قايد السبسي في فيديو نشره على شبكة الإنترنيت؛ المصري المتحصّن بتركيا وجدي غنيم، الذي يعد مرجعاً رئيسياً تثني عليه عرابي وتعتمد فتاواه التكفيرية في أكثر من مناسبة.
النفاق والكذب
في موقف مناقض، يصادف المتصفح صفحة عرابي على الفيسبوك ليجد تدوينة تتحدث فيها عن الراحل عزت أبو عوف بتاريخ 7/7/2019، وفي معرض حديثها عنه تعرض عرابي عن تكفيره؛ معللة ذلك في الظاهر بأنّ علّام الغيوب وحده يعلم حقيقة توبته في أيامه الأخيرة من عدمها. تقول: "لقد انتظرت حتى انتهت حالة الاشتعال العاطفي عند الناس حتى أكتب ما أكتب الآن، فلست أرغب في محاسبة رجل أصبح الآن في ذمة الله، ولا أملك هذا ولا يملكه بشر، وليس حديثي هنا تساؤلاً عن توبة الرجل قبل وفاته أم لا فهذا أمر لا يعلمه إلا الله".

أصل الحكاية ومكمن الداء
قاد الرئيس الباجي قايد السبسي حملته الانتخابية منذ تأسيس حزبه "نداء تونس" على معاداة النهضة والإخوان أينما كانوا، ووعد ناخبيه بأنّ حزبه وحركة النهضة "خطان متوازيان لا يلتقيان"، غير أنّ إكراهات النظام البرلماني اضطرته إلى التحالف معهم كيلا تتعطل دواليب الدولة، على حد تفسيره حينها.

يكفي استقراء بسيط للمعجم الذي تستخدمه آيات عرابي لإلحاقها بسهولة بخطاب داعش من حيث اللّعن والسباب والتشفّي في الموتى

ومنذ صعوده إلى سدة الحكم وطّد السبسي العلاقات مع مصر، بعد سقوط حكم الإخوان، ويرجح أن يكون هذا الموقف سبباً في حقد الإخوانية عرابي على السبسي.
ربما يتضح هذا جلياً، عند رؤية سبب إمساكها عن تكفير أبو عوف حيث تقول: "صحيح أنّ عزت أبو عوف تكلم صراحة وأعلن موقفه من 30 يونيو وقال إنه من الصعب تقبل آراء الإخوان لأنهم (سيقفزون على الثورة) ولكن الإخوان الآن (حسب قوله وقتها) لديهم الشرعية وأصحاب 30 يونيو لديهم الحق في الاعتراض على الرئيس (حسب قوله). وكانت وجهة نظره هي الانتظار 3 سنوات حتى تنتهي مدة الرئيس الإخواني مرسي. وهو رأي بغض النظر عن اتجاهاته السياسية، وجيه وذكي ويجب احترامه".

اقرأ أيضاً: وفاة السبسي تخلط أوراق النهضة قبل الانتخابات
هنا يتضح الأمر لدى الإخوان، وتبنى عليها قاعدة "التكفير"، من وجهة نظرهم، فإذا كنت ضد الإخوان فأنت "هالك ومقبور وكافر ولا رحمك الله ولعنة الله عليك"!
كره مطلق باستثناء..
المتصفح لموقعها وصفحتها على الفيسبوك قد يتساءل من تحب آيات عرابي؟  مستغيثين: أن دلّينا من نتّبع ما دمت تفتحين حرباً على الجميع؟؛ فتجيب: "القرآن وسنة الرسول"، غير أنّ المتتبع لمنشوراتها يلاحظ غير ذلك، إذا تعتمد عرابي على من تسميهم "علماء الأمة" أو "العلماء" الذين يطغى عليهم الإخواني وجدي غنيم المعروف بسلاطة لسانه، وتستشهد، في الغالب، بأقواله وفتاواه التكفيرية.
التلفيق والكذب والتزوير
تحترف عرابي قدراً من التلفيق لا يخفى على عاقل يتأمل صفحتها؛ فها هي تنسب إلى الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة، باني تونس الحديثة، كلاماً لا تهتم بتوثيقه ولا أحد يعلم مدى صحته: "هل تعلم أنّ الكـافـر بورقيبة قال في حوار مع صحيفة فرنسية حين سئل عن إنجازاته: أعتز بثلاث قضايا، أغلقت جامع الزيتونة، وحررت المرأة، وأصدرت قانون الأحوال الشخصية الذي يقطع علاقة الأسرة بالإسلام"، وتسهو "الإعلامية الكبيرة" عن اسم الصحيفة الفرنسية المزعومة وتاريخ الحوار وعدد الصحيفة، معولة على سذاجة المتلقي، ذلك أنّ القاعدة عندها هي أنّ الغاية تبرر الوسيلة.

اقرأ أيضاً: انشقاق جديد بالإخوان.. استقالة قيادي من "النهضة" بتونس
وها هي تنسب إلى الشيخ محمد الطاهر بن عاشور قولاً مضحكاً لا سند له: "إن قال قائل: مرجعيتنا الدستور وليس القرآن، فإن مات فاقرأوا عليه الدستور".

أسباب الكراهية
يرى الباحث التونسي الأستاذ فريد بن بلقاسم أنّ "التكفير يمثّل أهمّ الطرق التي تلجأ إليها الجماعات الإسلامويّة لاستبعاد الخصوم ونفيهم من الدائرة الإيمانيّة، وينبع التكفير عندهم من إحدى مرتكزات الأيديولوجيا الإسلامويّة وهي ادّعاء تمثيل الإسلام واحتكار فهمه الفهم الصحيح".

يرى الباحث التونسي الأستاذ فريد بن بلقاسم أنّ التكفير يمثّل أهمّ الطرق التي تلجأ إليها الجماعات الإسلامويّة لاستبعاد الخصوم

ويذهب الأستاذ بن بلقاسم، في تصريحه لـ "حفريات" إلى أنّ الدلالات النفسية التي ينبع منها التكفير عائدة أساساً إلى الإحساس بتفوق الذات على الآخر، بما أنّ الذات متحصنة بالإسلام تنظر إلى الآخر المجرد منه بوصفه أقل درجة.
وأوضح الأستاذ بن بلقاسم أنّ ذلك "يكشف عمّا يمكن تسميته بالمركزيّة الإسلامويّة التي تستدعي معاني النقاء والتفوّق والهيمنة. فالإسلامويّ المتشبّع بهذه الأطروحة يمارس نوعاً من الاستعلاء على الآخر باعتباره لا مسلماً مثل غيره، بل هو من "هداه الله دون غيره" إلى إدراك معاني الإسلام وفهم رسالته والدّفاع عن بيضته وصدّ الأعداء عنه".


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية