"الإسلاموية".. من التكيف مع الحداثة إلى أسلمتها

"الإسلاموية".. من التكيف مع الحداثة إلى أسلمتها


23/04/2019

يعرض كتاب "الإسلاموية والسعي إلى الحداثات البديلة" للكاتب الإيراني بهروز غماري تبريزي، الصادر عن المركز القومي للترجمة، في القاهرة عام 2018، محاولات الفكر الإسلامي المعاصر لاستيعاب الحداثة وما بعد الحداثة، من خلال نموذجي المعهد العالمي للفكر الإسلامي، وأعمال وجهود المفكر الإيراني عبدالكريم سروش.

اقرأ أيضاً: بماذا تخبرنا "نهاية الأيديولوجيا" عن أفول نجم الإسلاموية؟

وينظر تبريزي إلى ما بعد الحداثة على أنّها أنماط التنظيم ما بعد الفوردية، والمقارنة الزمانية والمكانية لتكنولوجيات التشبيك الجديدة، ونقد دعاوى الحداثة الغربية، وأما الإسلاموية فهي حركات فكرية اجتماعية في تجلياتها ثلاثية الأبعاد جميعاً: كحركة سياسية مناضلة (ثورية)، وكحركة إصلاحية منغمسة في المجتمع المدني، ومشاركة في النظام السياسي القائم، وأخيراً كنقد خطابي للعالمية الغربية.

كتاب "الإسلاموية والسعي إلى الحداثات البديلة" للكاتب بهروز غماري تبريزي

يمثل المعهد العالمي للفكر الإسلامي بالتعاون مع اتحاد الطلاب المسلمين واتحاد علماء الاجتماع المسلمين، نموذجاً لجهود الطبقة الثقافية المسلمة في الولايات المتحدة في أسلمة المعرفة التي اقترحها إسماعيل الفاروقي، ويتصور مشروع المعهد على أنّه موقف معرفي يعاد بناء عليه تشكيل المعارف والعلوم وبالتالي المجتمع.

كما يعرض المؤلف إحدى تجارب الأسلمة الفريدة التي حدثت في المجتمع الإيراني ما بعد الثورة، فإحدى النتائج غير المتعمدة لتنفيذ أسلمة الدولة والثقافة والتعليم في إيران هي علمنة الإسلام من خلال جعله خطاباً متنازعاً عليه في المجال العام. وهو النموذج الذي يعبر عنه عبدالكريم سروش؛ الذي ينقد فكرة الأسلمة الإحيائية وخاصة في نموذجها الإيراني، وطبقاً لتأويل سروش المعرفي فإنّ أية مطالبة بالوصول المميز إلى جوهر الدين يحركه دافع أيديولوجي يؤدي إلى تكوين طبقة دينية مميزة.

إحدى نتائج تنفيذ أسلمة الدولة والثقافة في إيران علمنة الإسلام من خلال جعله خطاباً متنازعاً عليه في المجال العام

ويرى المؤلف إمكانية الحداثة المؤسلمة وإن كان هذا الخطاب يتطلب تقييداً، فلا بد من فهم الأسلمة بمرونة باعتبارها جهداً متواصلاً ونشطاً ومتنازعاً عليه، ولا يمكن تحديد مجالها من خلال الممارسة الخطابية النخبوية. وحتى يكون مشروع الأسلمة مقبولاً من الناحية النظرية وناجحاً من الناحية العملية، لا بد من تعريف نفسه من ناحية الخصائص الاجتماعية والثقافية لأمة مختلفة تاريخية.

يؤرخ لبداية الحداثوية الإسلامية بجمال الدين الأفغاني في القرن التاسع عشر، وكانت حركة توصف بأنّها حنين إلى مجد الإسلام الأصيل الدنيوي الراحل، وانتقد الأفغاني بحماس العلماء التقليديين الذين ساووا بين الحداثة والتغريب، وكان يعتقد أنّه من الممكن الاستفادة من العلوم والتكنولوجيا الغربية دون دفع ثمنها بالهوية الثقافية، وهذه فكرة متكررة في الحركات الإسلامية المعاصرة.

 

 

كان الأفغاني يعتقد أنّ هوية المسلمين لا تحددها العقيدة، لكن سمات الشعوب الاجتماعية والثقافية واللغوية، فكان يدعو إلى وحدة المسلمين والهندوس في أمة واحدة وليس الوحدة بين المسلمين الهنود والأجانب، وفي الوقت نفسه فقد ربط التحديث بالعلوم والتكنولوجيا الحديثة وضرورة فصلها عن الظروف الاجتماعية والتاريخية التي نشأت فيها.

اقرأ أيضاً: لماذا تتعثر مواجهة أفكار الجماعات الإسلاموية؟

ويعتبر المؤلف أنّ الإخوان المسلمين يشكلون مولد "الإسلام السياسي" والذين أنشأوا على انهيار الخلافة العثمانية سردية عمل جديدة لاستعادتها، وتبلور ربما للمرة الأولى وجود جماعة سياسية منظمة خارج إطار الدولة تعمل على تعبئة الأفراد والمجتمعات باتجاه أهداف إسلامية سياسية، وعلى الرغم من أنّ حسن البنا، مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، كان يعتقد أنّ سلطة الإصلاح ترتبط ارتباطاً وثيقاً بسلطة الحكم، فقد أصر على أنّ جماعة الإخوان المسلمين ملتزمة بإصلاح اجتماعي ذي قاعدة واسعة، وليس الممارسة المباشرة للسلطة السياسية.

اقرأ أيضاً: مسلمو أوروبا بين التطرف الإسلاموفوبي وعنف الجماعات الإسلاموية

ويقر طه العلواني، رئيس المعهد العالمي للفكر الإسلامي، أنّ مفهوم أسلمة المعرفة خلق غموضاً فيما يتعلق بقدسية المعرفة، وبناء عليه أثار بعض النقاد مسألة ما إذا كان مؤيدو مشروع الأسلمة يعتبرون كل المعارف الأخرى التي ينتجها ويحافظ عليها غير المسلمين دنيوية، ويتساءل العلواني هل للمعرفة دين؟ المعرفة عالمية فكيف يمكن تحويلها إلى شيء إسلامي؟

وظهر عبدالكريم سروش كأحد أكثر الشخصيات إثارة للجدل في المشهد السياسي الإيراني، وفي قلب هذا الجدل رفض سروش المشروعات الأيديولوجية للدولة والمجتمع والمعرفة.

 

 

يمثل سروش وعلي شريعتي نتاج تعليم إسلامي وغربي مختلط، فكان شريعتي عالم اجتماع متدين درس في إيران وفرنسا، وكان سروش فيلسوفاً تحليلياً مسلماً درس في إيران ولندن ويدعو إلى مجتمع مفتوح تعددي، وبينما يعيد شريعتي الدين إلى مركز أيديولوجيا التحرير الخاصة به؛ يقول سروش إنّ الدين يفقد قداسته إذا أصبح أيديولوجيا.

ينزع سروش قدسية المعرفة الدينية الخاصة برجال الدين ويقول إن المعرفة الدينية دنيوية وتتأثر بالظروف الاجتماعية

لكنهما من خلفيتين سياسيتين وتوجهات نظرية مختلفة اختلافاً أساسياً، ويشتركان أيضاً في فرضية مميزة؛ إذ يرفض كلاهما المفاهيم الفيبرية للحياة الحديثة باعتبارها متنافرة مع الدين، ومع أنّ النظريات السوسيولوجية التقليدية معنية في المقام الأول بما يفعله الدين وما هي وظيفته في المجتمع فإنّ كلاً من شريعتي وسروش معني بمعناه وبماهيته وكيفية فهمه.

وبتقدير تبريزي فإنّ أهمية خطاب سروش تكمن في حقيقة أنّه بوسع السياق الذي يتم فيه فهم معنى النص الإسلامي، وبإنكار إمكانية الوصول المميز إلى جوهر الإسلام نزع مشروعية سلطة رجال الدين والأيديولوجيين المسلّم بها باعتبارهم حامل الحقيقة الوحيد، ولذلك فهو ينزع قدسية المعرفة الدينية الخاصة برجال الدين ويقول إن المعرفة الدينية دنيوية، وهي تتأثر بالظروف الاجتماعية الثقافية، وتستجيب للمعارف الدنيوية الأخرى.

اقرأ أيضاً: العلمانية كحلّ؟.. الإسلاموية وعلاقة الدولة بالدين

وإلى جانب كونها حملة معادية للدين، ترتبط بها العلمنة ارتباطا بيّناً، فإنّ مشروعه يهدف إلى تعزيز تمحيص كل أشكال المعرفة الدينية في المجال العام والسماح بها، وهو لا يخصص الإسلام باعتباره تجربة روحية داخلية، ولا يضعه باعتباره مصدراً ثابتاً للتشريع والسياسة أو السياسات الاجتماعية والثقافية أو المعرفة العلمية، لقد استهل سروش نقاشاً بشأن، النتائج الشمولية لاعتبار الإسلام معرفة بديهية ينبغي أسلمة كل مجالات الحياة بناء عليها.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية