الإخوان المسلمون في تركيا: جدوى الرهان وأمده

الإخوان المسلمون

الإخوان المسلمون في تركيا: جدوى الرهان وأمده


16/01/2020

منذ حدوث الهبات الشعبيّة في بلدان "الربيع العربيّ"، كمصر، اعتمدت جماعة الإخوان المسلمين على قطر وتركيا كدعامتين رئيسيتين في مشروعهم السياسيّ المُزمع بعد الثورة. تمثّل هذا الاعتماد في الرهان على هذين البلدين كقوتين سياسيتين في الإقليم، لدعم التجربة الإخوانيّة في مصر التي تكلّلت بوصول الإخواني محمد مرسي إلى كرسي الرئاسة.

ومنذ ٢٠١٢ وحتى ٢٠١٣، مع الاضطرابات السياسيّة التي أصابت المشهد السياسيّ المصريّ، وتدخل الدولة بشكل واضح، الأمر الذي بلغَ ذروته في أحداث الثلاثين من حزيران (يونيو) ٢٠١٣، وإزاحة مرسي من الرئاسة، بلغ هذا الدعم القطريّ-التركيّ الإخوان المسلمين، معتبرين أنّ ما حصل هو "خيانة" للديمقراطيّة وللرئيس المُنتخب محمد مرسي. ولا شكّ أن هذا كان عن طريق القوى الإعلاميّة، والتصريحات المباشرة سواء من المسؤولين القطريين أو من تصريحات السفير التركيّ في القاهرة؛ الأمر الذي اعتبره النظام المصريّ حينها "تدخلاً" في شؤون مصر، مما أدى إلى قطع شبه كامل مع العلاقات مع تركيا وبشكل أقل مع قطر، وسحب السفير المصريّ من أنقرة وطرد السفير التركيّ من القاهرة، والتخفيض من العلاقة إلى حدّها الأدنى، كما هو معلوم.

اقرأ أيضاً: هل تسلم تركيا قيادات إخوانية إلى مصر؟

مثّلت أحداث الثلاثين من حزيران (يونيو)، الحالة القصوى للعداء بين مصر وتركيا، حيث إنّ الرئيس التركيّ الإسلامويّ رجب طيب أردوغان ندّد بالنظام في مصر باعتباره عسكرياً، في كل المحافل الدولية تقريباً، وأيضاً شنّت مصر حملتها على ما أسمته "الرئيس الإخوانيّ" رجب طيب أردوغان في شتى الصحف والإذاعات.

عوداً إلى الدعم القطريّ-التركيّ للإخوان، فإنّ أحداث الثلاثين من حزيران (يونيو)، جعلت هذين الطرفين يمدان يد العون للإخوان بعد المظاهرات الكبيرة التي أقاموها، وفض اعتصامي "النهضة" و"رابعة"، الذي أسفر عن قتل واعتقال عدد كبير منهم.

 

 

 

 

اللجوء إلى قطر

استقبلت قطر بالفعل قادة إخوانيين ونشطاء مصريين بعد أحداث ٢٠١٣، وفتحت لهم الأبواب، ومنبر قناة "الجزيرة" في نهاية ٢٠١٣ وبداية ٢٠١٤. بيد أنّ قطر كانت آنذاك -وما تزال- في خلاف مع الجار الخليجيّ السعوديّ والإماراتي والبحرينيّ. كان الخلاف حينها الذي تأجج، وأدى لسحب السفراء، حادثاً بسبب اللهجة الحادة لقناة "الجزيرة" القطرية، على الدول الداعمة للنظام في مصر ما بعد الثلاثين من حزيران (يونيو)، وأيضاً بسبب إيواء قطر لإخوان كثير عندها.

راهنت الدوحة، أيديولوجياً وسياسياً، على الإخوان كقوّة منظمة بمصر، واستضافتهم من باب الدعم السياسيّ لقضيّتهم وفتحت المنابر أمامهم

بطبيعة الحال، راهنت الدوحة، أيديولوجياً وسياسياً، على الإخوان المسلمين كقوّة منظمة في مصر، واستضافتهم أيضاً من باب الدعم السياسيّ لقضيّتهم، وفتحت المنابر أمامهم.

لكن أمام الضغط الخليجيّ، اضطرت الدوحة إلى تقديم تنازلات، والوعد بعدم دعم الإخوان وتخفيف الخطاب الإعلاميّ لها بخصوص دول الخليج ومصر. وبالفعل، وعلى إثر هذا الضغط الخليجيّ، أرسلت الدوحة رسائل صامتة إلى الإخوان الموجودين بالداخل القطريّ بعدم الدعم، وعدم الرغبة في البقاء كما في شكله الأول. وبالفعل، فإنّ أفواجاً قد غادرت الدوحة إلى إسطنبول، التي ستُعد أكبر مكان لتمركز الإخوان المسلمين في عالم ما بعد الثلاثين من حزيران (يونيو).

اقرأ أيضاً: بوادر لنهاية الصراع المصري-التركي وتساؤلات حول مصير الإخوان

رغم هذا الخروج، إلّا أنّ الدوحة لن تتخلّى عن الدعم الإعلاميّ لهم، وفتح منبر "الجزيرة" بأشكال عدّة لأصواتهم، الأمر الذي سيصل إلى ذروته في ٢٠١٧ عندما قطعت السعوديّة ومصر والإمارات والبحرين العلاقات تماماً مع الدوحة، وأغلقوا المعابر، ومنعوا الطيران الجويّ من وإلى الدوحة. وهو الأمر الذي لم يُحل إلى اليوم؛ والذي جاء تحت ذريعة دعم الإخوان المسلمين في المنطقة.

 

 

 

 

إسطنبول والرهان على الإخوان المسلمين: إلى متى؟

من الواضح للعيان، دون ذكر أرقام، أنّ الدولة التركية تحتضن عدداً كبيراً من الإخوان المسلمين، سواء قيادات أم شباناً، وتمثل لهم إسطنبول الحاضنة الأخيرة بعد قطر. ورغم تشديدات الأمن المصري على السفر إلى تركيا، إلا أنّ الوصول إلى هناك سهل نسبياً، ولا تزال تركيا فاتحة ذراعيها للمعارضين المصريين والإخوان المسلمين.

المعارضة الإخوانيّة بتركيا ليست جماعات معارضة صامتة، بل لها نشاط إعلاميّ كبير، وقنوات تبث من إسطنبول تموّلها الدوحة وتركيا

والحال أنّ المعارضة الإخوانيّة في تركيا لا تتمثّل في كونها جماعات معارضة صامتة، بل لها نشاط إعلاميّ كبير، وقنوات تبث من تركيا، تموّلها الدوحة، وتركيا. ويقوم النشاط الإخوانيّ الإعلاميّ على التنديد بالسلطات المصريّة دائماً، وعلى التصعيد الإعلاميّ تجاه الوضع في مصر، والتذكير بـ "حقهم" في السلطة التي جاءوا إليها عبر صناديق الانتخاب؛ وهي السرديّة نفسها منذ تموز (يوليو) ٢٠١٣ التي لم تتغير، رغم تبدلات الواقع السياسيّ، على المستوى الداخليّ والخارجيّ.

هناك تساؤلات عديدة بالفعل عن هذه "المعارضة"، ولا شكّ أنّ القنوات الإعلاميّة لها قلّ بالفعل المشاهدون لها، بسبب الطبيعة الخطابيّة، واللاسياسيّة، وغير الحكيمة التي تقدّمها للمشاهد. فليس هناك سوى الصراخ، وبث مقاطع مسرّبة للرئيس المصريّ والحكومة المصريّة، دون أيّ أجندة واضحة لعمل سياسيّ فعليّ.

اقرأ أيضاً: هل تلغي مصر اتفاقيات أبرمت مع تركيا خلال حكم الإخوان؟

الدولة التركيّة، بدورها، تُنتقد على الدوام بسبب هذا النشاط في الداخل من قبل الإخوان المعارضين، الأمر الذي تصرّ أنقرة على التمسك به، والإصرار على تأزيم العلاقات مع الجانب المصريّ، رغم وجود فرصة لخلق مشترك من المصالح. بيد أن الصلابة الأيديولوجيّة عند كلا الطرفين تؤدي إلى التأزيم المتصاعد دائماً، الراجع في صلبه إلى مسألة الإخوان المسلمين ونشاطهم في تركيا والخطاب الإعلاميّ لهم.

بيد أنّ الحادثة التي وقعت مؤخراً للشاب المصري محمد عبد الحفيظ التي أثارت مواقع التواصل الاجتماعيّ بوابل من الأسئلة والاستغراب، طرحت تساؤلات جديدة ومخاوف عدّة لدى كثير من المتابعين.

اقرأ أيضاً: حالة من الرعب يعيشها الإخوان في تركيا.. فهل تخلى أردوغان عن الجماعة؟

الشاب الإخواني محمد عبد الحفيظ محكوم عليه غيابياً بالإعدام من قبل السلطات المصرية في قضية اغتيال النائب العام المصريّ هشام بركات. هرب عبد الحفيظ إلى الصومال، ومنها اتجه إلى مطار أتاتورك الدوليّ، حيث قدّم على فيزا دخول إلكترونيّة، وهي غير مخولة له بدخول الأراضي التركيّة نظراً لأنه ليس فوق الخمسة والأربعين عاماً، مما يستوجب عليه الدخول بفيزا عاديّة عن طريق ممثلي السفارات التركية.

 

 

 

 

قام الأمن التركي في مطار أتاتورك بترحيل الشاب إلى مصر، مقيّداً بالسلاسل في الطائرة وتسليمه إلى السلطات التركيّة؛ الأمر الذي أثار القلق والاستغراب الشديدين عند الشباب المقيم في الداخل التركيّ. وتم طرح تساؤل: هل سيحصل انفصال بين الإخوان وأنقرة؟ وهل هذه "غلطة"، أم ستنتهج أنقرة سياسة جديدة بشأن الإخوان المسلمين؟

اقرأ أيضاً: ترحيل عبدالحفيظ.. هل يمثل بداية تحول للسياسة التركية تجاه الإخوان؟

وأثار ما توارد عن إجراءات ترحيل عبد الحفيظ إلى مصر حدثاً مثل ضجة في مواقع التواصل الاجتماعيّ، التي انهالت باللائمة على السلطات التركية، وعلى قيادة الإخوان المسلمين الذين لم يفعلوا ما فيه الكفاية لعدم ترحيل الشاب المصريّ. فهل هذه سياسة تركية جديدة؟ وهل ستشهد العلاقات التركية مع الإخوان المسملين تغيّراً؟ وهل الرهان عليهم كمجموعة سياسية سيتغير؟ هذا ما ستكشفه الأيام القادمة، خاصة وأن قضيّة ترحيل عبد الحفيظ لم يُمط اللثام تماماً عنها.

الصفحة الرئيسية