ترحيل عبدالحفيظ.. هل يمثل بداية تحول للسياسة التركية تجاه الإخوان؟

تركيا ومصر

ترحيل عبدالحفيظ.. هل يمثل بداية تحول للسياسة التركية تجاه الإخوان؟


09/02/2019

ربما لأنّها المرة الأولى التي يكشف فيها عن حالة تسلم فيها تركيا مطلوباً للعدالة إلى السلطات المصرية، بعد ترحيلها لشاب مصري ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين، محكوم عليه بالإعدام من إحدى محاكم الجنايات المصرية، على خلفية اتهامه بالاشتراك في عملية اغتيال النائب العام المصري، هشام بركات، ويدعى محمد عبد الحفيظ حسين، ذهب بعض المراقبون إثر تلك الواقعة، لاعتبارها بداية لتغير في سياسة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، تجاه الدولة المصرية المعادي لها، من جهة، وجماعة الإخوان المسلمين المحتضن لها من جهة أخرى، بعدما فتح أردوغان أبواب الدولة التركية للجماعة لتكون المأوى والملاذ الآمن لها، عقب الإطاحة بحكم الرئيس الإخواني، محمد مرسي، من حكم مصر، وانخراط جماعته في نشاطات معادية للدولة المصرية.
الإخواني المصري محمد عبد الحفيظ، البالغ من العمر 29 عاماً

لفهم ما يجري
المدقق في تفاصيل الواقعة، ربما سيخرج بنتائج مختلفة عن تلك النتيجة السابقة، وأن ما جرى ويجري، يرتبط بالانشطارات العنيفة التي تضرب أجنحة الجماعة، وما تبع ذلك من انحياز السلطات التركية لصالح أحد الأجنحة في مواجهة الأخرى، أو خضوع أحد الأجنحة لاشتراطات الدولة التركية دون غيرها.

ترحيل الإخواني عبدالحفيظ يشي بانشطارات عنيفة تضرب أجنحة الجماعة

في صباح 16 كانون الثاني (يناير) من العام الجاري، كان محمد عبد الحفيظ، البالغ من العمر 29 عاماً، قد وصل إلى مطار أتاتورك، قادماً من مقديشو، إلا أنّ السلطات التركية اكتشفت أن تأشيرته الإلكترونية غير صالحة، فأخبرهم أنّه يريد اللجوء السياسي، فاحتجزته السلطات.
بدأ عبد الحفيظ بالتواصل مع قادة وشباب من جماعة الإخوان في تركيا، كان من بينهم محمود حسين، أمين عام الجماعة، وعادل راشد، وصابر أبو الفتوح، القياديان البارزان في التنظيم، للتوسط له لدى السلطات لمنحه اللجوء السياسي، إلا أنّ هؤلاء رفضوا التوسط له، بعد أن وصفه أحدهما بأنه ينتمي لداعش، وآخرون بأنه ينتمي لحركة حسم أو لحركة الجهاد.

اقرأ أيضاً: هل تسلم تركيا قيادات إخوانية إلى مصر؟
فزع شباب الجماعة في تركيا من موقف هؤلاء القادة، فـ"حسم" بعملياتها في الداخل المصري تلقى تعاطفاً واسعاً لدى صفوف الجماعة، فضلاً عن أنها أحد منتوجات القيادي الراحل، محمد كمال، الذي خاض صراعاً قبل وفاته مع القيادات القديمة للجماعة على رأسهم محمود عزت، حول منسوب العنف ضد الدولة المصرية ودرجاته.

"حسم" بعملياتها في الداخل المصري تلقى تعاطفاً واسعاً لدى صفوف الجماعة

جبهة ضدّ جبهة

حاولت جبهة محمود حسين في تركيا، التنصل من اتهام التخلي عن عبد الحفيظ، إلا أنّ الجبهة المناهضة لهم سرّبت تسجيلات صوتية للقيادي صابر أبو الفتوح، وهو يتحدث عن أن عبدالحفيظ لا ينتمي للجماعة، وأنه يعمل ضمن حركة حسم، فضلاً عن رسائل "واتساب" أرسلها الشاب من مطار تركيا إلى تلك القيادات يستغيثهم فيها لإنقاذه، دون ردّ منهم على تلك الرسائل.

عبد الحفيظ تواصل مع قادة وشباب من الإخوان في تركيا قبيل تسليمه لكنهم تجاهلوه

موقف هؤلاء القادة قد يشي بأنّهم لم يتخلوا فقط عن الجناح العسكري للجماعة، المتمثل في تنظيمي حسم ولواء الثورة، والتبرؤ منهما، بل التمادي حتى معاقبة من يستمر في الأداء العسكري والإرهابي لدرجة التواطؤ وربما التحريض على تسليمهم للسلطات المصرية.
يعزّز ذلك الاتجاه انخفاض منسوب عمليات الحركات الإرهابية المنبثقة عن جماعة الإخوان في العام الماضي، لدرجة انعدامه تقريباً، وظهور المتحدث باسم حسم ليؤكد انفصاله عن الجماعة الأم، مع إبداء احترامه لها.
فبدا أنّ هناك تباينات ضخمة تعرضت لها الجماعة، بعدما تحدثت مصادر داخلها عن قرارات صدرت من إبراهيم منير، القيادي الإخواني المقيم في لندن، وجهت لجناح الإخوان المحسوب على القيادي محمد كمال، عند اجتماع قادته في تركيا، كان أبرز تلك القرارات، وقف عمليات العنف في داخل الدولة المصرية، وإلا قام بإبلاغ السلطات التركية عنهم، وتسليمهم إلى مصر.
تمردات داخلية
بافتراض أنّ هناك من داخل "حسم" و"لواء الثورة" من قام بالاستجابة لقرارات القيادات القديمة والمتنفذة للجماعة، وأنّ هناك من تمرد، فذلك يقود إلى فك لغز ظاهرة انخفاض منسوب العمليات إلى حدّ التلاشي، وتفسير عدم قيام جهة ما بتبني عملية الباص السياحي الأخيرة، في منطقة الهرم، جنوب القاهرة، مطلع العام الجاري.

اقرأ أيضاً: بوادر لنهاية الصراع المصري-التركي وتساؤلات حول مصير الإخوان
فربما قامت جبهة داخل تنظيمي حسم أو لواء الثورة، بالتمرد على قرارات الجماعة في الخارج، فقامت بالعملية دون أن تتبناها خشية من ردّ فعل الجماعة، فضلاً عن الخوف من رد الفعل الأمني، الذي ربما يصل إلى مرحلة تنفيذ عمليات إعدام لمحكومين داخل السجون.
إذاً، لم تتدخل قيادات الإخوان لدى السلطات التركية، للإفراج عن عبد الحفيظ، وقال محمد غنيم، أحد الشباب الموالي للجماعة: إنّ السلطات التركية رفضت دخول الشاب المصري لأراضيها لعدم وجود ما يفيد منحه حقّ اللجوء السياسي، وقامت بإعادته على الطائرة المتجهة للقاهرة، بعدما تبين لديها أنّه لا ينتمي للجماعة.


صابر أبو الفتوح، القيادي الإخواني، برّأ لجمهور الإخوان تركيا من ترحيل عبد الحفيظ؛ بل كشف عن أنّ الجماعة هي من عدّته متطرفاً، وأنكرت صلتها به، ما يعني أنّ السلطات التركية لم ترحّل شاباً بصفته إخوانياً؛ بل رحّلته بصفته داعشياً، أو متطرفاً، ينتمي لحركة حسم.
أبو الفتوح قال أيضاً: إنّ محمود غزلان، أحد أبرز قادة الإخوان، أخبره بأنّ الشاب متطرف، مشيراً في تسجيله الصوتي إلى ثقته في الحكومة التركية التي لم ترحّل إخوانياً من داخل أراضيها؛ بل منعت دخول متطرف للبلاد، في إشارة إلى الفارق بين الحالتين.
اتهامات بالبيع
يؤكد ما سبق عدد من شباب الإخوان في تركيا، منهم محمد عزت، الذي قال إنّ أصدقاء محمد عبد الحفيظ علموا بترحيله لمصر، يوم الجمعة 25 كانون الثاني (يناير) الماضي، وتسليمه للقاهرة بتواطؤ من جماعة الإخوان.
أما إسماعيل ياشا، الكاتب التركي، قريب الصلة من جماعة الإخوان، فسارع بكتابة مقال على موقع "عربي 21"، حاول فيه طمأنة جموع الإخوان في تركيا، قائلاً إنّ ما حدث في واقعة ترحيل عبد الحفيظ ليس مؤشراً على تحولات في سياسة النظام التركي.
رغم هذه المحاولة التي بذلها ياشا، إلا أن ذلك لم يكن مسكناً لكافة أعضاء الجماعة الذين شارك المئات منهم بعمليات عنف وإرهاب داخل مصر، بل حتى للذين لم يتورطوا، ومن الممكن أن تسلمهم تركيا إذا قدمت الدولة المصرية أدلة ثابتة على الاتهامات الموجهة ضدهم، أو تأكدت السلطات التركية من ذلك.

اقرأ أيضاً: هل تتخلى تركيا عن الإخوان مستقبلاً بعد ترحيل عبد الحفيظ؟
فمع أنّ قادة الإخوان من الجناح المحسوب على محمود حسين لم يتدخلوا للإفراج عن عبد الحفيظ، فلا يعني ذلك أنّ السلطات التركية لم يكن لها رغبة في تسليمه، حتى ولو تحدثت أنباء عن فتح السلطات تحقيق عن الواقعة وملابساتها.
فكون أنّ هذه المرة الأولى التي تقوم فيها السلطات التركية بتسليم شخص ذي خلفية إخوانية إلى مصر، فإن ذلك يشي بدخول الدولة التركية في اتفاقية ما لتسليم العناصر المتورطة في عمليات عنف أو منعها من دخول البلاد، على الأقل.
موقف السلطات التركية سيتضح إذا سلمت الإخواني أبو العلا المتهم بقضايا إرهاب داخل مصر

الاختبار الأخير
أقرّ ياسين أقطاي، مستشار الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بأنّ الشاب المصري المحكوم عليه بالإعدام في قضية اغتيال النائب العام المصري، محمد عبد الحفيظ حسين، رُحِّل بالفعل إلى بلاده، بعد أن قدم من مقديشو بتأشيرة غير مناسبة، ولم يطلب اللجوء السياسي، كاشفاً أنّه سيتم فتح تحقيق في عملية ترحيل الشاب المصري المحكوم عليه بالإعدام إلى بلاده.

قد تفك حادثة عبدالحفيظ لغز انخفاض منسوب العمليات الإرهابية في مصر

إلا أنّ موقف السلطات التركية سيتضح إذا كانت ستقوم بترحيل إخواني آخر متهم في قضايا إرهاب داخل مصر، وهو عبد الرحمن أبو العلا، الذي اعتصم من أجله عشرات الشباب من الإخوان في مقر جمعية رابعة في تركيا، لمنع ترحيله هو الآخر.
فإن صدقت الأنباء عن نية السلطات التركية في عزمها ترحيل أبو العلا، فإنّ الأمور قد ترجح في صالح تحولات نوعية في سياسة النظام التركي، في موقفه من الإسلاميين المتطرفين المتورطين في قضايا إرهاب، وما يزالون يتمتعون بالحرية على الأراضي التركية.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية