سيد قطب والكتاب القادياني المُرضع

سيد قطب والكتاب القادياني المُرضع


13/01/2019

علي العميم

ادعى سيد قطب في الرسالة التي بعث بها إلى أبي الحسن الندوي بتاريخ 1/11/1953 أن الرقابة المفروضة على النشر في مصر تكاد تغل أيديهم - أي الإخوان المسلمين - عن بيان خطر القاديانية. وقد أوضحنا في المقال السابق أن ادعاءه هذا، ادعاء غير صحيح، بدليل أن الرقابة المفروضة على النشر في مصر، سمحت للجنة الشباب المسلم التابعة لـ«الإخوان المسلمين» بنشر مقال المودودي (المسألة القاديانية) في كتاب مطبوع في ذلك العام الذي بعث فيه رسالته إلى أبي الحسن الندوي. وأزيد هنا أن مقال أبي الحسن الندوي (القاديانية ثورة على النبوة المحمدية وعلى الإسلام) الذي أشار سيد قطب في رسالته إلى أنه لم ينشره في مجلة (الدعوة)، لأنه نشر في مجلة (المسلمون)، قد نشر في كتاب مطبوع في القاهرة عام 1955. كما نشر في ذلك العام في القاهرة كتاب عنوانه (حقيقة القاديانية) لمؤلف هندي اسمه محمد لقمان الصديقي. أي أن ما كتبه أبو الحسن الندوي وما كتبه الهندي الآخر عن «حقيقة» القاديانية وعن «خطرها» نشرا في القاهرة، و«الإخوان المسلمون» كانوا داخل المعتقلات السياسية.
لا يكفي أن نقول إن سيد قطب بادعائه العاري من الصحة، كان مدفوعاً باحتدام الصراع وشدة العداوة في العام المؤرخة به رسالته ما بين «الإخوان المسلمين» وضباط الثورة، فهناك سبب يخصه وحده، لا علاقة له بمجريات الصراع بين «الإخوان المسلمين» وضباط الثورة.
هذا السبب هو أن كتاب الأحمدي اللاهوري أو القادياني مولانا محمد علي (الإسلام والنظام العالمي الجديد) كان الكتاب المرضع لكتابيه: (العدالة الاجتماعية في الإسلام)، و(السلام العالمي والإسلام).
وجاء التنبيه والتحذير من «خطر» العقيدة الأحمدية أو القاديانية على عقيدة المسلمين من مرشدين فكريين. وقد بدأ من عام 1950 إلى عام 1953 يتغذى من أفكارهما بنهم شديد، وهما أبو الأعلى المودودي وأبو الحسن الندوي. فوقع في حرج شديد، وأصيب في مغص في بطنه. لأنه كان خائفاً وقتها من كشف المصدر القادياني لأفكاره الإسلامية في كتابيه السالفين. ونظراً لأنه وجد ضالته في أفكارهما كان من المتعذر عليه أن يصدهما عن نشر ما كتباه في مطبوعات «الإخوان المسلمين»، بدفاع قيل في مصر وفي العالم العربي عن أحمدية لاهور لا أحمدية قاديان، فتعلل بأن «الرقابة المفروضة على النشر في مصر تكاد تغل أيدينا عن بيان هذا الخطر».
قال سيد قطب في رسالته تلك، إن العالم الإسلامي يجهل حقيقة القاديانية وخطرها. ومعنى هذا القول ضمناً أنه هو يعلم «حقيقة» القاديانية، ويعلم «خطرها».
حسناً، إذا كان يعلم بـ«حقيقتها» ويعلم بـ«خطرها»، فلماذا اتكأ ذلك الاتكاء الثقيل في كتابيه المذكورين على كتاب مؤسس الأحمدية اللاهورية، مولانا محمد علي؟!
والحق أن سيد قطب في ذلك الاتكاء الثقيل كان قد ظلم وغبن مولانا محمد علي مرتين: مرة في كتابه (العدالة الاجتماعية في الإسلام)، إذ أوهم القارئ أنه مجرد نقل من كتابه (الإسلام والنظام العالمي الجديد) ما يزيد على السطرين بكلمتين أو ثلاث، مع أنه كان قد سطا على عدة صفحات وأفكار إسلامية أصولية فيه.
ومرة في كتابه (السلام العالمي والإسلام) - وكان الظلم والغبن أعظم في هذه المرة من المرة الأولى - إذ عمّى على الاستفادة من كتابه، فكرة ومضموناً، تعمية تامة.
السؤالان اللذان فكرت في الإجابة عنهما: هل - حقاً - سيد قطب يعلم بما سماه حقيقة القاديانية وخطرها، أم قوله هذا كان من باب التعالم الكاذب أمام أبي الحسن الندوي؟
وإن كان يعلم بما سماه «حقيقة» القاديانية و«خطرها»: فهل كان موقفه منها موقف المخاصم أم موقف المتساهل؟ للإجابة عن هذين السؤالين، سأقصر مدار البحث في الإجابة عنهما على ما كتب عن القاديانية في مصر.
التوجه الديني في مصر كتب عما سماه سيد قطب «حقيقة» القاديانية و«خطرها». فقلد حصلت مجادلات بين مؤسس الطائفة القاديانية ومسيحها ونبيها المزعوم، وبين رشيد رضا صاحب مجلة (المنار). وهذه المجادلات موجودة في بعض أعداد المنار. كما اهتمت مجلة (الفتح) باستكتاب كتّاب دينيين حول موضوع ما سماه سيد قطب «حقيقة» القاديانية و«خطرها» وكان من بين الذين كتبوا في هذا الموضوع مسعود الندوي وتقي الدين الهلالي.
وفي مرحلة زمنية تالية، وهي منتصف القرن الماضي كتب محمد الخضر حسين بحثاً في مجلة (نور الإسلام) - التي كان يصدرها الجامع الأزهر والتي سميت فيما بعد مجلة (الأزهر) - عن القاديانية. وقد طبع هذا البحث في كتيب صدر عام 1951.
لنفترض أن سيد قطب لم يقرأ ما كتب عن القاديانية في مجلتي (المنار)، و(الفتح)، ولنفترض - وإن بدرجة أقل - أنه لم يقرأ ما كتبه عنها، محمد الخضر حسين، لكن من المقطوع به أنه قد قرأ ما كتبه عنها أستاذه ومعلمه السابق عباس محمود العقاد في منتصف الأربعينات الميلادية.
بتاريخ 4/3/1946 وفي العدد 661 من مجلة (الرسالة) كتب عباس محمود العقاد مقالاً قدم فيه عرضاً لكتاب (الإسلام والنظام العالمي الجديد) لمولانا محمد علي، قال عنه إن صاحبه نقله حديثاً من اللغة الأردية إلى اللغة الإنجليزية، وإنه وصل إليه عن طريق العراق منذ أسبوع.
في بداية عرضه للكتاب أشار العقاد إلى أن العقيدة القاديانية تشتمل على عقائد كثيرة لا يقرها الإسلام، ولا يقبلها دين من الأديان الكتابية، ومن ذلك أن ميرزا غلام أحمد نبي الله المرسل، وأنه عيسى بن مريم قد بعث إلى الأرض في جسد جديد!
وأضاف أنه «في سنة 1914 تطورت تلك الطريقة إلى حركة إسلامية تنكر نبوة القادياني، وتنكر الحكم بالكفر على من يؤمن بالقرآن ورسالة محمد عليه السلام كائناً ما كان الخلاف بينه وبين الشيع الدينية الأخرى، وتحول إلى هذه الحركة كثير من أتباع القادياني وكثير من طلاب التجديد بين السنيين والشيعيين. وظهرت لهم كتب كثيرة باللغة الأردية واللغة الإنجليزية في التبشير بالإسلام، ومع ترجمة خاصة للقرآن الكريم، وتواريخ موجزة للنبي وخلفائه الراشدين». ثم يتحفظ بعد ذلك على تفسيرات تلك الحركة المنشقة عن القاديانية الأم، فيقول منتقداً لها: «وليست تفسيرات هذه الجماعة للكتاب والسنة بالتي توافق مذهب الفقهاء المتفق عليها، لأنها تصرف معاني القرآن إلى تأييد أقوال لم تخطر للأولين على بال، وليست من مقتضيات الدين في رأي الأقدمين أو المحدثين».
إلا أنه مع هذا التحفظ النقدي يثمن كثيراً جهود هذه الحركة، فيقول: «ولكن الحق الذي لا مراء فيه أن هذه الطائفة هي أوفر المسلمين نشاطاً، وأشدهم دفاعاً عن العقائد الإسلامية، وأكثرهم اجتهاداً في نشر فضائل الدين، وأعرفهم بالأساليب التي توجه بها الدعوة إلى العقول الأوروبية، وإلى جماهير المتعلمين في الشرق والغرب على الإجمال. وهم يحسنون انتهاز الفرص من الحركات العالمية والدعوات الثقافية حيثما ظهرت في قطر من أقطار المعمورة، فيدركونها في إبانها بكتاب يثبتون فيه أن الإسلام أصلح من تلك الدعوة لعلاج المشكلة التي تتصدى لعلاجها، ويقرنون ذلك دائماً بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية والشواهد التاريخية، وإن فسروها بعض الأحيان تفسيراً لا يقرهم عليه السلفيون أو المتزمتون». ويضرب مثالاً على إحسانهم انتهاز الفرص من الحركات العالمية والدعوات الثقافية بأنه «لما دعا النازيون والشيوعيون إلى نظام عالمي جديد لإنقاذ العالم من معضلاته الروحية والسياسية والاقتصادية بادر كاتب من أقدم كتّاب هذه الجماعة إلى تفصيل موقف من هذه النظم أو من مذاهب الفلسفة التي تعتمد عليها، فصدر باللغة الأردية، مؤلف قيم لهذا الكاتب القدير»... وقبل أن أستكمل البحث في الإجابة عن السؤالين اللذين فكرت فيهما بواسطة مقالات العقاد عن القاديانية، أشير إلى أن جماعة لجنة النشر للجامعيين تعرفت على هذا الكتاب من خلال عرض العقاد له، ودفعها إلى ترجمته من الإنجليزية إلى العربية حفاوة العقاد بالكتاب وإعجابه بمؤلفه، وأشير إلى أن مترجمه إلى العربية أحمد جودة السحار، أضاف إلى العنوان الأصلي للكتاب في اللغة الأردية واللغة الإنجليزية الذي هو (النظام العالمي الجديد) كلمة الإسلام، استناداً إلى عنوان مقال العقاد الذي هو (الإسلام والنظام العالمي الجديد).
وللحديث بقية.

عن "الشرق الأوسط" اللندنية


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية