حصاد الثقافة في مصر: الدولار يهدد الكتاب والسياسة تلاحق الإبداع

حصاد 2017

حصاد الثقافة في مصر: الدولار يهدد الكتاب والسياسة تلاحق الإبداع


28/12/2017

حصدت المؤسسة الثقافية الحكومية، أو الخاصّة، ثمار استثمارها الموارد، وزرعها الثقافة في الفرد والمكان، وما قدّمه الفرد الفاعل في المشهد الثقافي المصري، غير أنّ المشهد في مصر، بات مرتبكاً عقب ثورات "الربيع العربي"، مع أنّه لم يخلُ من بعض القفزات، التي تمثّلت في ارتفاع معدلات القراءة، اعتماداً على أرقام مبيعات بعض الروايات التي تجاوزت مئة ألفِ نسخة مبيعاً، للرواية الواحدة، خلال عام. وزيادة عدد دور النشر؛ حيث ارتفع عدد الأعضاء المسجَّلين في اتحاد الناشرين المصريين، من 260 ناشراً، قبل عام 2012، إلى 560 ناشراً عام 2017، إلى جانب انتشار مكتبات بيع الكتب في أغلب محافظات مصر، حتى تعدّت فروع إحدى المكتبات الخاصة 70 فرعاً، عام 2017، إلّا أنّ ذلك كلّه مجرد أرقامٍ ربما تحمل في داخلها ما هو أسوأ؛ فالكم هنا لا ينبئ عن منتج جيد، نستطيع أن نقول إنّه الحصاد الأمثل الذي يستطيع أن يمثّل مصر في الداخل والخارج.

الدولار يهدّد معرض القاهرة للكتاب

"الدولار يهدّد معرض الكتاب"، كان هذا العنوان الأبرز في معظم الصحف المصرية، قبل انطلاق معرض القاهرة الدولي للكتاب، في دورة عام 2017، فتحرير سعر الصرف، والارتفاع الجنوني لثمنه مقابل الجنيه المصري، كان الحدث الأهم الذي شغل جميع أطراف صناعة الكتاب، حتى وصلت الأزمة إلى مستوى تهديد الناشرين العرب والمصريين بالإحجام عن المشاركة في المعرض؛ إذ أعلنت وزارة الثقافة المصرية، في المؤتمر الصحفي الذي أقامته الهيئة العامة للكتاب، قبل المعرض بأيام، أنّ عدد دور النشر المشاركة بلغ 670 دار نشرٍ، وهو ما يعني تراجع عدد الدور المشاركة بمعدّل 80 دار نشر عن الأعوام السابقة، حيث اشتركت 850 دار نشرٍ في المعرض عام 2016، واشترك العدد نفسه عام 2015، أما عدد الدور العربية المشاركة في المعرض، فقد بلغ 250 دار نشرٍ عربيةٍ في عام 2016، مساوياً للعدد المشارك في المعرض عام 2015. في حين تراجع عدد الدور العربية المشاركة إلى 200 دار نشر، في دورة عام 2017.

كتّاب: الثقافة تتخطّى كلّ الصراعات، وهي خيط التواصل المتبقي حين تقطع الأزمات السياسية الكبرى كل الخيوط

حتى دور النشر الأجنبية سجّلت تراجعاً ملحوظاً، رغم زيادة عدد الدول الأجنبية المشاركة إلى 13 دولة في دورة 2017، مقارنة بـ 7 دول عام 2016، غير أنّ عدد دور النشر الأجنبية المشاركة تراجع إلى 13 دار نشرٍ أجنبية، مقارنة بـ 50 دار نشرٍ شاركت في دورة عام 2016.

سجل الناشر المصري التراجع الأكبر، حيث تراجع عدد دور النشر المصرية المشاركة إلى 451 دار نشرٍ، مقارنة بـ 550 عدد دور النشر التي شاركت في دورة عام 2016، ما يوضح أنّ 100 ناشر مصري عجزوا عن تحمل تكاليف الاشتراك في معرض القاهرة الدولي للكتاب، إلى جانب تحمل تكاليف الطباعة، التي ارتفعت إلى أضعاف السعر المعلن قبل تحرير سعر الصرف.

التراجع الذي أصاب معرض الكتاب، اكتملت صورته حين نشبت معركة بالعصي، وبعض الآلات الحادة، بين ناشرين وتجار الكتب القديمة، في خيمة سور الأزبكية في المعرض؛ حيث اكتشف الناشرون بيع نسخٍ مزوَّرةٍ من كتبهم في أجنحة السور، وهي الأزمة التي تفاقمت حتى تسبَّبت في خسائر لا حصر لها للناشر المصري، والتي عجز اتحاد الناشرين في مصر عن تفاديها خلال السنوات الأخيرة.

لم تكن المعركة مصادفة، بل جاءت نتيجة حتمية لمقدّمات عانى منها سوق النشر في مصر، خلال السنوات التي أعقبت ثورات "الربيع العربي"، مع انتشار دور نشر ومكتبات، تعمل بالمخالفة للقوانين المنظمة لصناعة الكتاب في القاهرة.

وختم وزير الثقافة المصري، حلمي النمنم، آخر أيام المعرض، في شباط (فبراير) عام 2017، بأزمة جديدة، في كلمته أمام المثقفين، وحديثه عن نقل فعاليات المعرض دورة 2018، لمنطقة جديدة، تقع على أطراف القاهرة، وتتبع وزارة التجارة والصناعة، ثم عدل الوزير تصريحه، في وقتٍ لاحقٍ، موضحاً أنّ الدورة المقبلة، ستقام في مركز للمعارض تابعٍ للجيش المصري، ثم صرّحت الوزارة، في أواخر العام الحالي، أنّ المعرض سيقام في موقعه الدائم في حي مدينة نصر.

عاصمة عالمية للكتاب

أزمة أخرى كادت تقيل الوزير من منصبه، حين تسبّب تأخّر اللجنة المصرية المسؤولة في الوزارة عن الترشح، في تقديم ملف مصر إلى آخر 48 ساعة من فترة التقديم، علماً بأنّ فتح إعلان اليونسكو وصل إلى وزارة الثقافة المصرية في أيلول (سبتمبر) 2016، وقد أدّى تقصير وزارة الثقافة المصرية باختيار الشارقة لتحمل لقب "العاصمة العالمية للكتاب" لعام 2019، في حين كانت مصر تنافسها على ذلك اللقب، لتكون أول مدينة خليجية تنال هذا اللقب، والثالثة في الوطن العربي بعد الإسكندرية وبيروت.

بررت وزارة الثقافة المصرية خسارتها، بأنّ القاهرة غير قادرة على منافسة إمكانات الشارقة المادية، في إشارة واضحة لتعمّد تجاهل ملف مصر المقدَّم، ما دفع مثقفي القاهرة لإصدار بيانٍ، موقَّعٍ من أربعمئة أديب ومثقف مصري، طالبوا فيه بتنحي الوزير عن منصبه.

الأقصر عاصمة الثقافة

الأمل الضائع، وصفٌ مثاليٌّ لفعاليات اختيار مدينة الأقصر "عاصمة للثقافة العربية" لعام 2017، ضمن مشروع العواصم الثقافية العربية، الذي تُشرف عليه "المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم" (ألكسو)، الذي بدأ في آذار (مارس) الماضي، وتكمن أهمية الحدث في كونه المرجع الأمثل لضبط أوضاع المشهد الثقافي، وإخراجه من حالة الركود التي أصابته، وأصابت الأقصر أيضاً، المحافظة السياحية الأشهر في مصر.

كان من المفترض أن يحضره كلّ وزراء الثقافة العرب، غير أنّه لم يحضر أحد، وقد صرّح مسؤول بوزارة الثقافة المصرية: بأنّ "الدعوات وجهت للوزراء العرب، لكن لم يحضر أحد"، في حين أكدت مصادر لـ "حفريات" أنّ خطأً إدارياً في إرسال الدعوات، تسبَّب في غياب الوزراء العرب عن الحضور، ما أثبتته إقالة وزير الثقافة المصري لمسؤول العلاقات الثقافية الخارجية، والمشرف على ترتيب حضور السفراء والوزراء العرب.

انتقد كتاب وأدباء الأقصر تجاهل وزارة الثقافة المصرية لهم، وعدم دعوتهم للمشاركة في الفعاليات المقامة في الأقصر، وأشار آخرون إلى غياب التغطية الإعلامية للفعاليات، وعدم وضع خطةٍ محددةٍ لتسويقها، ما جعلها فعاليات حبيسة الجدران.

تحولات أدبية

في مشهدٍ مثيرٍ للجدل، يبدأ في نيسان (أبريل) الماضي، حيث قدم الكاتب والروائي المصري أحمد ناجي، ندوته الأولى، بعد قضائه عامين في السجن بتهمة خدش الحياء العام، بسبب فصلٍ من روايته، نُشر في جريدة "أخبار الأدب" المصرية، عدّته النيابة العامة مخلّاً بالآداب، وخادشاً للحياء. في حين أنّه، في الشهر نفسه، رصدت الصحف الثقافية المصرية، تحولات في شكل الكتابة الروائية بعد الثورة؛ حيث اخترقت ذلك المجال عدة كاتبات منقّبات تجاوز عددهنّ العشر كاتبات، قدمن في مجال الشعر والقصة والرواية، كتابات تشبه ما اصطلح على تسميته في فترة الثمانينيات "الأدب الإسلامي"، وبيعت آلاف النسخ من هذه الروايات، ولاقت رواجاً كبيراً فى أوساط الشباب، الذين رفض غالبيتهم التضامن مع ناجي في قضيته، متفقين مع موقف النيابة العامة، على أنّ ما قدمه ناجي يعد خدشاً للحياء العام، وليس أدباً.

المكتبات بين الإغلاق والتحفظ:

في آب (أغسطس) الماضي، قررت لجنة التحفظ وإدارة أموال جماعة الإخوان المسلمين، التحفّظ على الشركة العربية الدولية للتوكيلات التجارية المالكة لمكتبة "ألف"، أحد أكبر المكتبات العاملة في مصر، التي تضم عشرات الفروع في جميع المحافظات، المسألة التي تسبَّبت في ارتباك أوضاع صناعة الكتاب، وخشية مئات الناشرين من خسارة أموالهم، ما أدّى إلى تراجع بعضهم عن إصدار عناوين جديدة، وسحب البعض إصداراته من السوق، حتى يتبين لهم الوضع.

رصدت الصحف الثقافية المصرية، تحولات في شكل الكتابة الروائية بعد الثورة؛ حيث اخترقت المجال عدة كاتبات منقّبات

وفي أيلول (سبتمبر) الماضي؛ قامت السلطات المصرية بإغلاق مكتبة "البلد"، المملوكة لفريد زهران، رئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، بحجة أنّها تعمل بدون ترخيص، علماً بأنّها واحدة من أشهر المكتبات العاملة في القاهرة، منذ عام 2007، ولم يسبق لأية جهة أن طلبت منها ترخيص عمل قبل ذلك العام، المسألة التي تكررت مع "دار ميريت للنشر"، في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي؛ إذ اقتحمت قوات الشرطة مقر الدار، وتحفظت على أحد العاملين بالمكان، على خلفية مواقف مؤسّس الدار، محمد هاشم، السياسية، التي عدّتها مناهضة للحكومة المصرية. وقد سبق ذلك، إغلاق مكتبات "الكرامة" العامة، التابعة للشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان.

إغلاق المكتبات، أو التحفظ عليها، وتقييد عملها، إلى جانب تحولات ذائقة القارئ المصري، الذي بات يفضّل الرواية التي لا تقترب من تابوهات الدين، والجنس، والسياسة، جميعها ثمرات الوضع المرتبك في المشهد الثقافي المصري خلال السنوات الأخيرة.

ورغم المحاولات المستمرة لضبط الأوضاع، إلّا أنّ حصاد عام 2017، يشير إلى عكس ذلك؛ فقد تعطّلت سلاسل النشر الحكومية، التي تصدرها قطاعات وزارة الثقافة المصرية لشهور، قبل أن تعود مرة أخرى، قبل نهاية عام 2017، دون أن ننسى ندرة عدد العناوين المنشورة، مقارنة بالأعوام التي سبقت كانون الثاني (يناير) عام 2011، وهي مسألة تناقض تصريحات وزارة الثقافة المصرية، التي تقول إنّ هناك كتاباً يصدر كلّ يوم، علماً بأنّ النشر توقف في بعض دور النشر التابعة للهيئة العامة للكتاب لبضعة شهور، كذلك توقف النشر في الهيئة العامة لقصور الثقافة، ثمّ عاد بأعداد أقلّ مما سبق.

الجوائز وتداعيات المشهد

في كانون الثاني (يناير) 2017؛ أعلنت البوكر العربية للجائزة العالمية للرواية العربية قائمتها الطويلة، التي كان من المرشحين لها محمد عبد النبي، ويوسف رخا من مصر، وعند إعلان القائمة القصيرة، استطاع عبد النبي أن يحجز مقعداً بين الروايات المرشحة، غير أنّ الفوز كان من نصيب السعودي محمد حسن علوان، وارتفعت حدة انتقادات أدباء مصر لفوز علوان، وكان منطق الاعتراض أنّه سعودي خليجي، وأنّ الجوائز تباع وتشترى، في تجاهل صريح لتقدم الحالة الأدبية في المشهد السعودي والخليجي، بوجه عام، وأنّ القاهرة لم تستطع أن تحصد الجائزة، منذ فاز بها الروائي يوسف زيدان عام 2008، عن روايته "عزازيل".

ومنذ ذلك الحين، تكتفي مصر بالتواجد في القائمة الطويلة، أو القصيرة، كلّ عام، في حين يحصد الجائزة أدباء من شمال إفريقيا، وسوريا، ومنطقة الخليج، على مدار الأعوام التسعة الماضية.

حديث الجوائز في القاهرة، وانتقاد نتائجها، غير بعيد عن الجوائز المحلية أيضاً، حيث نال جائزة ساويرس، المعلنة في كانون الثاني (يناير) عام 2017، حظاً وافراً من النقد، وتم تسريب أسماء بعض الفائزين، قبل إعلان النتيجة الرسمية.

وفيما يخص جوائز الدولة الممنوحة من المجلس الأعلى للثقافة، في القاهرة، كان المنع عنوان تعامل المجلس الأعلى المصري للثقافة مع الصحافيين، خلال متابعتهم مَنح جوائز الدولة في الآداب، والفنون، والعلوم الاجتماعية في حزيران (يونيو) الماضي؛ حيث قرر الوزير منعهم من متابعة نتائج التصويت أثناء العمل عليها، ومنعهم مِن معرفة بيانات المرشَّحين للجوائز، فيما حُجبت تقارير التقييم المقدَّمة من لجان فحص الأعمال المرشحة في فروع جائزة الدولة التشجيعية، بدعوى أنّها "سرية"، وكانت حجة الوزارة أنّ الدورات السابقة لم يسمح فيها للصحفيين بمتابعة نتائج التصويت على الجوائز، وهي مسألةٌ ليست صحيحةً أبداً، حيث تابع محررو الثقافة عملية التصويت عامي 2015 و 2016.

الكاتبة المصرية منى الشيمي حصلت على جائزة كتارا لهذا العام

ورغم صدور قانون خاص بآليات منح جائزة الدولة التشجيعية، وضع شرطاً ألّا يتجاوز عمر المرشح لنيل جائزة الدولة 40 عاماً، حتى وقت إعلان النتيجة، إلّا أنّ وزير الثقافة المصري أوقف العمل بهذه المادة، على أن يُعمل بها لاحقاً، بحجة أنّ المتنافسين قدّموا أعمالهم قبل إقرار القانون بعامين، ومع أنّ هدف الجائزة التشجيعية، هو دعم الحاصل عليها في بداية حياته العملية، إلّا أنّ ثمانية فائزين في دورة 2017، هم في العقد السادس من العمر، واثنين في العقد السابع، وعشرة في العقد الخامس، وفائز واحد فقط عمره أقل من 40 سنة.

أيضاً، فاز ثلاثة مرشحين بالتشجيعية، وهم أعضاء في لجان المجلس الأعلى للثقافة، التي تختار المحكمين، وتحدّد آليات الفوز، المسألة التي تم الاعتراض عليها، غير مرة، في السنوات الماضية.

وفي السياق ذاته، ومع تأزم المشهد السياسي بين مصر وقطر، فازت الكاتبة المصرية منى الشيمي بجائزة "كتارا"، عن روايتها، غير المنشورة، "وطن الجيب الخلفي"، وفاز أحمد قرني في فئة روايات الفتيان غير المنشورة، عن رواية "جبل الخرافات"، واضطر الفائزان للسفر إلى قطر عن طريق بيروت، بسبب قطع العلاقات بين البلدين، على خلفية خلافات سياسية، وهاجم أدباء قبول الشيمي وقرني للجائزة؛ بحجة أن ذلك "خيانة للوطن"، بحسب تصريح الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة فى القاهرة، حاتم ربيع، في حين عدّ آخرون أنّ الثقافة تتخطّى كلّ الصراعات، وأنّها خيط التواصل المتبقي حين تقطع الأزمات الكبرى كل الخيوط.

الصفحة الرئيسية