كيف وحّدت حملة "مين الفلتان" اللبنانيات على مواجهة التحرش؟

لبنان

كيف وحّدت حملة "مين الفلتان" اللبنانيات على مواجهة التحرش؟


27/11/2018

"مبينة خبرة بس!" "بتعاطي شي إنتي؟" "وحدة بتضهر مع شب هيك والشّبّ ما بدّو يعملها شي؟ بدّو يصلّيلها؟" هذه كانت التّعليقات التي دقّت طبول العار على منال في إحدى شوارع لبنان، ليلاً. أو بالأحرى هذه هي التّعليقات التي تلقّتها فتاة مثّلت دور ضحية اغتصاب ليُصوَّر الفيديو، ويكون قلب الحملة التي أطلقتها جمعية "أبعاد" المعنية بالمساواة بين الجنسين والدّفاع عن حقوق المرأة في لبنان.

اقرأ أيضاً: الظهور العلنيّ للنساء.. جدل الحداثة والطبقة والتحرش!
بدأت الحملة برسالة نصّية رنّت أجراس هواتف المواطنين اللّبنانيين. تحمل الرّسالة سؤال "مين الفلتان؟" من مصدر اسمه "فلتانة" - الفلتان هي صفة تطلق على الأشخاص الذين يخرجون عن الأطر الأخلاقية والعادات التي يحدّدها المجتمع – ليخضّ بعدها الفيديو مواقع التّواصل الاجتماعي، ويحرّك الرأي العام كجزء من الحملة، إضافةً إلى منشورات تروي قصص اغتصاب مختلفة.
أهداف حملة "مين الفلتان؟"
أطلقت جمعية "أبعاد" الحملة بمناسبة حملة الـ "16 يوم" العالمية للقضاء على العنف ضدّ النّساء والفتيات برعاية وزارة الدّولة لشؤون المرأة والهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللّبنانية، مع مساعدات من السّفارة البريطانية في لبنان والمساعدات الشّعبية النّروجية، بالإضافة إلى عدد من الشّركاء.

"حملة "مين الفلتان؟" هي استكمال لتوجه جهود جمعية "أبعاد" للتصدّي لجريمة الاغتصاب التي بدأت بها العام 2016

وقالت غادة عناني، مديرة جمعية "أبعاد"، في بيانٍ صدر عن الجمعية عقب إطلاق الحملة، إنّ "حملة "مين الفلتان؟" هي استكمال لتوجه جهود منظمة أبعاد للتصدّي لجريمة الاغتصاب التي بدأت بها عام 2016 بحملة "الأبيض ما بغطّي الاغتصاب" لتليها حملة "المؤبّد إلو الحياة إلها" عام 2017، ولتأتي حملة "مين الفلتان؟" الأسبوع الماضي.
هدفت حملة "الأبيض ما بيغطّي الاغتصاب" إلى إلغاء المادّة 522 من قانون العقوبات اللّبناني والتي تبرّئ المُغتصب وتنقذه من عقوباته في حال تزّوج من الضّحية، وبالفعل خلقت رأياً عاماً مسانداً للضّحية، وتمكّنت من تحقيق هدفها، حيث ألغيت المادّة 522. فحملة "المؤبّد إلو.. الحياة إلها" أتت للتّصدّي للاغتصاب عندما يكون المغتصب من المحيطين بالضّحية أو من العائلة. أمّا حملة "مين الفلتان؟" والتي تميّزت بتجربة اجتماعية تفاعلية في أكثر من منطقة في لبنان لرصد تفاعلات المتواجدين، فكان هدفها، بحسب عيناني، "المطالبة بمحاكمة المغتصب أيّاً كان وخلق رأي عام داعم للضّحية بدل الحكم عليها".

آراء حول حملة "مين الفلتان"
بين مؤيّدٍ ومعارضٍ، رست السّفينة على برٍّ لها، فاعتقد البعض أنّ الفيديو ليس عبارة عن تجربة اجتماعية حقيقية، وأنّ جمعية "أبعاد" قد رسمت السّيناريو من الأوّل، وأنّ الأصوات في الشّارع ليست إلّا مسجّلة. أمّا القسم الثّاني فشعر أنّ "أبعاد" قامت بعمل حقيقي يظهر ردود فعل متوقّعة.

اقرأ أيضاً: هذه الدول سنّت قوانين تعاقب المتحرشين

يقول الشّابّ العشريني رودولف مارون لـ"حفريات" إنّ "الفيديو تجسيد لواقع مرير تعيشه الفتاة في مجتمعنا، وللأسف في جميع المجتمعات العربية التي لم تنجح بعد في إطلاق سراح عقلها المتحرّر وكبت عقلها الحجري". ولكن كان للسّيّدة كمال رأيٌ مغاير فـ"الفيديو مبالغ به، ومن الواضح أنّ الأصوات مضافة في المونتاج، والحالة الهستيرية التي كانت بها الفتاة كلّها تمثيل بتمثيل!".
وكان في مواجهة النّقد الكبير، جيشٌ كبير على مواقع التّواصل الاجتماعي، بخاصّةٍ من بين شباب وشابّات في العشرينيات، مؤيّدين للحملة وداعمين لها بالإضافة لشخصيات سياسية شجّعت الحملة من بينهم النّائب السّابق في البرلمان اللّبناني جان أوغاسابيان، ووزير الدّاخلية السّابق زياد بارود.
الحملة أتت لتستكمل المساعي لإخراج الضّحايا عن صمتهنّ

استنتاجات التّجربة الاجتماعية التّفاعلية
تتعرّض واحدة بين كلّ أربع نساء في لبنان إلى التّحرش الجنسي وحوالي 13 يبلّغن في مراكز قوى الأمن الدّاخلي، بحسب إحصاءات المديرية العامّة لقوى الأمن الدّاخلي، هذا ما يدلّ على اختيار معظم الضحايا السّكوت لتفادي "الفضيحة". فالحملة أتت لتستكمل المساعي لإخراج الضّحايا عن صمتهنّ، وحثّ المجتمع ككلّ إلى الوقوف في صفوفهنّ بدل رسم وصمات العار على جبهاتهنّ. وهنا تأتي النّتائج والاستنتاجات التي وضعها الفيديو بين أيدي جمعية "أبعاد"، حيث صرّحت عناني: "تؤكّد هذه التجربة أنّ شريحة كبيرة من الناس تجهل كيفية التعامل مع ضحايا الاغتصاب، فضلاً عن اتهام الضحية ولومها والإساءة إليها والتعرض لكرامتها مما ينعكس بشكلٍ مدمر على الضحية على المستوى الصحي والنفسي والاجتماعي". كما أنّه يفرز "ثقافة الصمت والتستر حول مثل هذه الجرائم"، مؤكّدةً أهمية التّصدي لهذا الأمر من خلال "تعزيز الوعي المجتمعي الدّاعم لضحايا الاغتصاب والمطالبة بالعقوبات الرّادعة للمغتصبين".
ماذا يقول علم النّفس؟
ذكرت عيناني ما قد يتجاهله كثيرون وهي الحالة النّفسية للضّحية بعد وقوع الحادثة، والتي يتجاهلها الأهل ويركّزون أكثر على كيفية لفلفة الموضوع والتّستّر عليه. وأكدّت الاختصاصية في علم النفس، غنوى الملحم لـ "حفريات" بأنّ "الحالة النّفسية للضّحية تكون مزرية بعد تعرّضها للتّحرش الجنسي، وقد تؤدّي إلى الانعزال والانتحار إذا لم تُرافق الضّحية بأخصّائيين يخلّصونها من إحساسها بالذّنب ومن مشاعر الخجل من المجتمع ومن العالم الخارجي".

اقرأ أيضاً: رحلة نفسية في رؤوس مغتصبي الأطفال والمتحرشين بهم
وتؤكد الدّراسة، التي قامت بها المديرية العامّة لقوى الأمن، أنّ 49 في المئة من المغتصِبين ينتمون إلى عائلة الضّحية أو من المقرّبين، وهنا تختلف الأسباب في ذلك، بحسب الملحم، حيث إنّ "الشعور بالجاذبية تجاه أحد أفراد العائلة والبحث عن اللّذة الجنسية ناتج عن مشاكل نفسية بحتة، ومن مؤشّراته النّظر بطريقة غريبة وغير مفهومة للسّيدة أو للفتاة والميول إلى الانعزال وغيرها"، مشدّدةً على أنّ "التّحرش الجنسي بالأطفال هو الأكثر أذى؛ لأنّه يولّد مشاكل ثقة وخوف من جميع النّاس، وقد تنمو العديد من العقد النّفسية عند الطّفل بسبب اضطرابات المغتصب".

هل الموروثات الاجتماعية تبرّر العنف ضدّ النّساء؟
قامت جمعية "أبعاد" عام 2017 باستطلاع للرّأي برهن أنّ 80 في المئة من النّساء في لبنان يعتقدن أنّ الموروثات الاجتماعية والثّقافية تبرّر الاعتداء والعنف الجنسي المرتكب ضدّ النّساء والفتيات. من المقولات المردّدة في لبنان، وبخاصّةٍ عند الحديث عن القضايا الأخلاقية أنّ "الممنوع مرغوب" فيشعر الكثير من الأشخاص أنّ مسائل العلاقات الجنسية والشّرف والعار قد أخذت الكثير من الأهمية في مجتمعاتنا، فأصبح كلٌّ يبحث عن طريقة لكسر القواعد واكتشاف ما يجهله مستسلماً أمام ملذّاته وتوّاقاً لتحقيقها مهما كان الثّمن، وهنا تأتي التّربية والتّنشئة في البيت والمدارس منذ الصّغر وهذا ما أكّدته الملحم، إذ "تزداد نسب الاغتصاب بسبب سوء التّربية الصّحيحة والتّنمية على أساس العادات والتّقاليد وكأنّها قواعد وعلى الرّجل تطبيقها لحماية (شرف) أخواته وعائلته". لكن أمام الـ 80 في المئة الذين يبرّرون للمغتصب فعلته، تقف الـ20 في المئة المتبقّية إلى جانب الضّحية، لتكون مصدر قوّة يلغي سياسة التّستّر التي تعيش بها معظم ضحايا الاغتصاب.

اقرأ أيضاً: ضحايا تحرش ترامب يطالبن الكونغرس بالتحقيق معه

وفي ضوء ذلك، قرّرت النّاشطات عدم الرّكض في ماراثون بيروت الدّولي الأحد الماضي ليتحدّين ثقافات اللّوم التي تقع على ظهر الضّحية، حاملات منشورات "اليوم ما رح أركض، بدّي واجه نظرة النّاس"، "حاكم المغتصب ما تحكم عالضّحية"، ليخلقن جوّاً من التّمرّد والقوّة.
صوّبوا اللّوم على المعتدي ولا تلوموا الضّحية!
عناني ختمت بيانها فيما يخصّ حملتها "مين الفلتان؟" بدعوتها اللّبنانيين واللّبنانيات إلى الوقوف يداً واحدة، من أجل تغيير نظرة المجتمع إلى المغتصبة، وفرض عقوبات صارمة في القانون اللّبناني "لعلّها توقف جرم الاغتصاب عند حدّه وتنقذ فتيات ونساء من أي تحرّشٍ أو اعتداءٍ جنسي". وأكدت: "اليوم، وفي هذه الحملة، ندعو المواطنين/ات إلى التضامن والضغط على المسؤولين/ات، من خلال المطالبة بتشديد العقوبات على المعتدين وعلى تصويب اللوم على المعتدي والتوقّف عن لوم الضحية تحت شعار "مين الفِلتان؟"



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية