العراق ولبنان وعقوبات إيران

العراق ولبنان وعقوبات إيران


29/10/2018

عبد الوهاب بدرخان

لم يختلف موقف رئيس الوزراء العراقي الجديد عادل عبد المهدي من العقوبات الأميركية الموجّهة ضد إيران إلا في الصياغة عن موقف سلفه حيدر العبادي. تمسّك الاثنان بـ«مصلحة العراق»، وهذا بديهي، لكن طهران لا تجده كذلك، رغم أن مجمل علاقتها مع العراق كانت ولا تزال لمصلحتها أولاً وأخيراً. غير أن الغطرسة العقائدية تدفعها إلى الاعتقاد بأن بغداد يجب أن ترفض العقوبات وألا تعتبرها موجودة أو ترضخ لأحكامها. قد تتعامل الإدارة الأميركية مع العراق باستثناءات معينة من العقوبات، لئلا تزيد وضعه الداخلي تعقيداً، ولعلمها بالتداخل الذي حصل في الأعوام الماضية بين اقتصادَي البلدين الجارَين، لكنها بالتأكيد ستراقب العديد من الأنشطة والقطاعات والأفراد، وستعمل على تعزيز دور الدولة. فهذا هو السبيل الوحيد لقوننة الكثير من الأوضاع التي تعوّل عليها إيران في محاولاتها للالتفاف على العقوبات، وأهمها غسيل الأموال وتهريب النفط والتسهيلات اللوجستية لعمليات «الحرس الثوري» التي باتت مصنّفة كنشر للإرهاب.
العراق بلد كبير ومهم وله مصلحة أكيدة في أن لا تستمر إيران في معاملته على أنه مجرد مجال حيوي لخدمة سياساتها الداخلية، وممراً لمغامراتها الإقليمية. وحتى لو كان مفهوماً، نظراً إلى موقعه وتركيبته السكانية والاجتماعية، أن يكون العراق أو بعضه متعاطفاً مع إيران ومعادياً للولايات المتحدة وعقوباتها، فإن التجربة التي عاشها في ظل الهيمنة الإيرانية ظهرت نتائجها بوضوح، وأصبحت تستدعي فرملة هذا التدخّل وتقنينه. فما أنتجته إيران من أحزاب وميليشيات، وما اتّبعته من سياسات «فرّق تسد» تتلاعب بعلاقات المكوّنات الاجتماعية وتهمّش الدولة وجيشها، هو ما انعكس في الاحتجاجات الشعبية، خصوصاً في البصرة التي ثبت أن جيرتها المباشرة لإيران من أسباب معاناتها وليس العكس. وإذ بلغت المشكلة فيها حد تلوّث المياه وانقطاع الكهرباء واستشراء حالات مَرَضية قاتلة، فإن الميليشيات المنتشرة فيها بدت عاجزة تماماً عن معالجة مشاكلها، ودخلت أيضاً في سلك المطالبة بأن تقوم الدولة بواجباتها. لكن لها أن تفعل إذا كانت الميليشيات مفسدة للأمن والأمان، ومبتلعة الميزانيات الحكومية، ومتحكّمة بإنفاق ما تبقّى منها.
ما ينطبق على العراق ينطبق على لبنان، حيث بات معروفاً أن «حزب الله» مهيمنٌ بدوره على القرار السياسي، ومعتمدٌ على حلفائه الشيعة والموارنة للتحكّم بمفاصل الدولة والاستقواء على حساب الجيش اللبناني. ومع أن عدداً من الميليشيات العراقية أصبحت تحت المجهر الأميركي وعلى لوائح الإرهاب، فإن واشنطن لم تفعّل هذا التصنيف بشكل مركّز، أما «حزب الله» المصنف أميركياً وعربياً كمنظمة إرهابية، فيواجه منذ أكثر من عامين عقوبات تطاله ككيان وتتناول عدداً متزايداً من قيادييه وأعضائه. ويبدو أن الإدارة الأميركية والكونغرس، أدركا أن العقوبات على إيران تمس هذا الحزب جزئياً، لذلك قرّرا إرفاقها بعقوبات مباشرة ضدّه، وقد جاءت الدفعة الأخيرة منها قبل عشرة أيام من بدء العمل بالدفعة الثانية من العقوبات المشدّدة على إيران. ووفقاً لقانون أقرّه الكونغرس ووقّع الرئيس دونالد ترامب عليه من دون تأخير. يهدف هذا القانون إلى الحدّ من قدرات الحزب على جمع الأموال، وتجنيد عناصر له، فضلاً عن زيادة الضغط على المصارف التي تتعامل معه، والأشخاص والجهات المرتبطة به والتي تساعده.
ولكي يزيد ترامب لمسة شعبوية على قرار العقوبات، اختار أن يعلنه يوم 25 أكتوبر، المصادف الذكرى الخامسة والثلاثين للهجوم على معسكر المارينز عام 1983، وأضفى بذلك مزيداً من الجدّية على أهدافه. لم تتخلَّ الإدارة الأميركية عن مراعاتها للحكومة والمصارف اللبنانية، وهي تحافظ على برامج دعمها للجيش اللبناني، إلا أن القانون الأخير بدأ يقترب من دقّ ناقوس الإنذار للسياسيين اللبنانيين المتحالفين مع «حزب الله»، فحتى لو لم يكونوا من الذين يوفّرون غطاءً لعملياته المالية، فإنهم سيستشعرون خطراً على مصالحهم. والأهم أن الحكومة تعوّل على برنامج دولي لنيل قروض وتمويل لمشاريع بهدف إصلاح الاقتصاد وإنهاضه، لكن وجود «حزب الله» في الحكومة الجديدة، سيلعب دوراً سلبياً في تنفيذ هذا البرنامج الذي أقرّه مؤتمر عقد بباريس في أبريل الماضي.
والواقع أن الدول ليست مجبرة على الرضوخ للعقوبات لكنها ليست مخيّرة، فحتى الدول الكبرى مثل الصين وروسيا، أو بالأحرى شركاتها الضخمة، مضطرّة لصون مصالحها، لأن اقتصادها وشركاتها يعملان في إطار النظام المالي الدولي الذي تشرف عليه الولايات المتحدة. وفي الحالين العراقي واللبناني، سيكون من الصعب، بل من المستحيل، تجاهل العقوبات إلا إذا كانت الحكومتان غير آبهتَين بالمصلحة الوطنية.

عن "الاتحاد"



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية