العقوبات الأمريكية متلاحقة.. هل ينهار الاقتصاد الإيراني؟

إيران

العقوبات الأمريكية متلاحقة.. هل ينهار الاقتصاد الإيراني؟


21/10/2018

أخذ تدهور الحالة الاقتصادية مركز الصدارة في السياسة الداخلية الإيرانية؛ القلق والترقب يحجبان شمس طهران إلى جانب التلوث الشديد في فصل الخريف، ويُمكن القول إنّ تجديد العقوبات الأمريكية على إيران أطلق نزعة البحث عن الذات بين المسؤولين الإيرانيين، بحيث أصبح اقتراح أية حلول للاعتماد على الموارد والقدرات الذاتية المحدودة هي الأولوية القصوى، فضلاً عن أنّ نقاط الضعف الاقتصادية الداخلية؛ كالفساد وسوء الإدارة وهدر الموارد العامة، تحول دون تحقق السيناريوهات المثالية لطهران في أية خطط اقتصادية مستقبلية.

تُشير معظم التقارير الدولية إلى أنّ الاقتصاد الإيراني في حالة "سقوط حر"

لا يُعدّ هذا التحوّل في الأحداث مثالياً من وجهة النظر الأمريكية؛ فقد كانت واشنطن تأمل أن الأثر الكبير لموجة العقوبات الجديدة سيُجبر الإيرانيين على إعادة النظر في بعض سياساتهم الخارجية، أو على الأقل سيُجبرهم على العودة إلى طاولة المفاوضات للتوصل إلى اتفاق جديد مع الولايات المتحدة، لكنّ توجهات المسؤولين الإيرانيين لا تعكس هذا الأمر حالياً؛ فبدلاً من ذلك، فإنهم يبذلون قصارى جهودهم لإعداد السكان، وتهيئتهم لتحمل فترة أخرى من المعاناة الاقتصادية الشديدة التي ستشهدها الحياة اليومية في البلاد في المستقبل القريب. وكما حذّر علناً الرئيس حسن روحاني، وغيره من كبار المسؤولين، من أنّ البلاد ستشهد ظروفاً صعبة خلال الأعوام القليلة القادمة، على نحو يشبه فترة الحرب الإيرانية-العراقية. وخلال كل ذلك، يظل الرهان الوحيد للمسؤولين الإيرانيين أمام الشعب هو الافتراض بأن رئاسة دونالد ترامب ستنتهي في العام 2021، أما إذا امتدت ولاية ترامب إلى عام 2025 فليس هناك ما يمكن الرهان عليه إيرانياً سوى التفاوض معه.

انخفاض كبير في قيمة الريال

وتُشير معظم التقارير الدولية إلى أنّ الاقتصاد الإيراني في حالة "سقوط حر"، لكنّ التقارير الصادرة من طهران لا تعترف بأن الأوضاع سيئة جداً إلى الحد الذي يجري تصويره في التقارير الخارجية. فعلى سبيل المثال، تُشير تقارير وسائل الإعلام الإيرانية حول سوق الأسهم في طهران، إلى ارتفاعات في أسعار الأسهم الإيرانية المحلية؛ فقد سجّل المؤشر الرئيس لسوق الأسهم في طهران ارتفاعاً كبيراً آخرَ، متجاوزاً 180,635.6 نقطة، ويعد مستوى هذا الأداء المفاجئ، أقل من النتائج المتوقعة التي تُحققها الشركات التي تعمل في قطاع التصدير؛ حيث تستفيد شركات التصدير الإيرانية من الانخفاض الكبير في قيمة الريال؛ لأنه بذلك تُصبح الصادرات أكثر تنافسية في السوق العالمي.

اقرأ أيضاً: الحوثيون.. مفتاح التغلغل الإيراني في اليمن

وتُظهر أحدث الأرقام الربعية زيادة أكبر في معدل التضخم خلال فصل الصيف؛ حيث ارتفع مؤشر الأسعار الاستهلاكية من 116% إلى 135% خلال الفترة الممتدة من شهر حزيران (يونيو) ولغاية شهر أيلول (سبتمبر) 2018، ولعل السبب الرئيس لهذا الارتفاع في معدل التضخم، هو زيادة أسعار الإسكان. فالإيرانيون الذين لديهم فائض في النقد مستمرون في شراء المساكن، والسيارات وغيرها من الأصول المادية خشية انخفاض قيمة "الريال الإيراني" بسرعة، وهذا يؤدي إلى الضغط على الأسعار؛ وبالتالي زيادة معدلات التضخم.

اقرأ أيضاً: روحاني تحت عصا الحرس الثوري الغليظة

كما تنتشر في طهران تقارير حول تزايد التفاؤل بين المستثمرين المحليين الإيرانيين، وتنامي طموحهم بأن تُسهم خطة الاتحاد الأوروبي في الحفاظ على قنوات التجارة والاستثمار مع إيران مفتوحة، بحماية الاقتصاد ضد الضغوط الأمريكية. ولعل وعد الاتحاد الأوروبي بتأسيس قناة دفع خاصة، تسمح للشركات الأوروبية وغيرها من الشركات قانونياً بمواصلة المعاملات المالية مع إيران، مع تجنّب التعرض للعقوبات الأمريكية هو أحد التطورات الرئيسة في هذا التفاؤل. وقد عبّرت الولايات المتحدة عن غضبها إزاء هذه الأنباء، بيد أنّ كبار القادة الأوروبيين دافعوا عن هذه الخطوة، بوصفها ضرورية للحفاظ على الصفقة النووية مع إيران. وينبغي على الخبراء الفنيين في الاتحاد الأوروبي توضيح المقصود بتعبير "قناة دفع خاصة" في الأسابيع القليلة القادمة. وولّد إعلان الاتحاد الأوروبي في هذا الخصوص بعض الأمل والثقة في قدرة إيران الاقتصادية على التغلب على الضغوط الأمريكية مع وجود الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في البيت الأبيض ولغاية العام 2021.

مجمل الصادرات النفطية نحو 61.2 مليار دولار من أصل 92 مليار دولار

وتُشير البيانات الرسمية الإيرانية إلى أنّ الناتج الاقتصادي في العام الإيراني المقبل (آذار 2019-آذار 2020) سيشهد انخفاضاً بمعدّل 3.8% ليصل إلى 5.5%، وربما يكون معدّل انخفاض الناتج الاقتصادي أعلى بكثير من ذلك، على الرغم من أنه لن تتوافر بيانات موثوقة في هذا الخصوص في المستقبل القريب. ولعل أحد أسباب ذلك، هو عدم معرفتنا فيما إذا ستكون جهود الولايات المتحدة في فرض العقوبات على إيران متكاملة وناجحة، وربما يكون من المستحيل الإجابة على هذا السؤال؛ لأننا نتوقع أن تسعى إيران بشكل كبير لتلافي أثر العقوبات؛ أي تجنبها بشكل أو بآخر، في محاولة منها لضمان استمرار النشاطات الحيوية في البلاد إلى حدٍ ما، ولكن سيكون من المستحيل أيضاً قياس الجهود الإيرانية في هذا الخصوص؛ لأن طهران ستبذل جهدها للإبقاء على خططها للتحايل على العقوبات في طي الكتمان.

اقرأ أيضاً: كيف أدارت طهران الأسبوع الأول من العقوبات الأمريكية على إيران؟

لعلّ أبرز نقاط ضعف الاقتصاد الإيراني التي استحوذت على اهتمامات صناع القرار في طهران منذ عدّة أعوام، تتمثل في اعتماد الاقتصاد الكبير على الموارد النفطية؛ إذْ يشكل النفط نحو 65 في المائة من قيمة الصادرات الإيرانية، لكن إذا أُخذت المنتجات النفطية والبتروكيماوية بعين الاعتبار، فحينها ستتجاوز نسبة صادرات المواد النفطية 80 في المائة من كل الصادرات. وعلى المستوى التطبيقي فإن إيران صدرت خلال العام 2017 نحو 2.13 مليون برميل من خام النفط يوميا بمعدل 52 دولاراً لكل برميل (مجموعه 40.4 مليار دولار) ونحو 575 ألف برميل من الغاز السائل بقيمة تبلغ 7.3 مليار دولار. هذا إلى جانب نحو 13.5 مليار دولار حصة الصادرات البتروكيمياوية. لتكون بذلك مجمل الصادرات الناجمة عن القطاع النفطي نحو 61.2 مليار دولار من أصل 92 مليار دولار.

أبرز نقاط ضعف الاقتصاد الإيراني تتمثل في اعتماد الاقتصاد الكبير على الموارد النفطية

وترغب الولايات المتحدة بوقف جميع الصادرات النفطية الإيرانية بحلول شهر تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، بيد أن هذا الهدف لن يتحقّق؛ إذ يشتري الصينيون فعلياً كميات قياسية من النفط الإيراني في الوقت الحالي.  وقد ازدادت الواردات الصينية من النفط الإيراني في الأشهر الأخيرة بمقدار 200 ألف برميل يومياً؛ أي من حوالي 650 إلى 850 ألف برميل يومياً. والسؤال المهم هنا أيضاً هو فيما إذا سيستمر الأتراك والهنود في شراء النفط والغاز الإيراني أم لا؟ والجواب على الأرجح هو نعم. وبعبارة أخرى، سيعاني الاقتصاد في إيران على نطاق واسع، ولكن العقوبات الأمريكية لن تخنق الاقتصاد الإيراني بالكامل. وستفعل بكين وموسكو ما في وسعهما لمساعدة إيران أيضاً؛ حيث أشار الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، خلال زيارته الأخيرة إلى طهران بشأن سوريا إلى رغبة الروس بمساعدة إيران لمجابهة الضغوط الأمريكية. ويأتي إطلاق روسيا لمثل تلك الوعود ضمن سياق المنافسة بين موسكو وواشنطن على الساحة الدولية، حيث ستعود بفائدة كبيرة على طهران في ظل العزلة التي تشهدها الأخيرة.

ويبدو أن فقدان طهران لحصتها النفطية في الأسواق الآسيوية التقليدية مثل؛ كوريا الجنوبية واليابان باتت مسألة بالغة الحساسية بالنسبة للمسؤولين الإيرانيين، حيث تابعت وكالات الأنباء الإيرانية، بما في ذلك وسائل التواصل الاجتماعي، عن كثب الأخبار الواردة من آسيا التي تُشير إلى التحرّك السريع للولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية وروسيا لتعويض حصة إيران النفطية في تلك المنطقة حينما تدخل العقوبات النفطية على إيران حيّز التنفيذ. الأمر الذي أثار أيضاً الجدل بشأن كيف يُمكن للسياسة الخارجية الإيرانية أن تؤدي إلى مثل هذا الوضع؛ فلم يدافع المسؤولون الإيرانيون فيما مضى عن الترابط بين السياسة الخارجية، وحالة الاقتصاد المأزومة كما يفعلون اليوم.

الصفحة الرئيسية