اختفاء خاشقجي ... ما الجديد والقادم؟

اختفاء خاشقجي ... ما الجديد والقادم؟


16/10/2018

مع بدء التحقيقات التركية السعودية المشتركة، ودخول فريق التحقيق المشترك إلى مبنى القنصلية، والتسريبات التي تناولتها وكالات إعلامية، من بينها شبكة "سي إن إن"، وإشارتها إلى أنّه تمّ تصفية خاشقجي داخل مبنى القنصلية، تكون قضية الكاتب السعودي قد دخلت أولى محطات إغلاق ملفّ القضية.

اقرأ أيضاً: تذبذب تركي في ملف خاشقجي يربك الهجوم الإخواني على السعودية

ورغم أنّ هذه الرواية، لم تصدر عن جهات رسمية؛ سعودية أو تركية، إلا أنها تتزامن مع ما تمّ الإعلان عنه من بدء النائب العام السعودي إطلاق حملة استدعاءات لأشخاص من داخل السعودية، تدور حولهم شبهات علاقة ما بالجريمة، جاءت بعد إعلان مفاجئ للرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، أنّ "أشخاصاً مارقين" يقفون وراء مقتل خاشقجي، كما أنّ رواية تصفية خاشقجي داخل القنصلية تطرح تساؤلات حول مكان جثته، وربما تتطلب تمثيلاً للجريمة، ولا يستبعد أن تبادر جهة سعودية إلى إعلان مسؤوليتها عن العملية، وأن قرار تصفية خاشقجي، كان فردياً وشخصياً، دون علم القيادة السعودية، مع التأكيد على أنّ هذا السيناريو ما يزال في ضوء التخمينات والتسريبات المجهولة المصدر.

قضية خاشقجي "جنائياً" لن تطول إلا بقدر استمرار حاجة الأطراف الفاعلة فيها للابتزاز والاستثمار وتحقيق المزيد من المكاسب

تطورات الساعات القليلة الماضية تشير إلى أنّ الأطراف الثلاثة المعنية بقضية خاشقجي "إجرائياً"، وهي: تركيا والسعودية، إضافة إلى الولايات المتحدة، أنجزت اتفاقاً للتعامل مع القضية وكيفية إخراجها، ويعمل على مسارين: الأول "جنائي"؛ مرتبط بالكشف عن خيوط الجريمة، وكيفية تنفيذ العملية، وتحديد الجهات المسؤولة عنها، والثاني؛ استثمار تركي أمريكي لكيفية تحويل الأزمة إلى فرصة لصالحهما؛ سياسياً واقتصادياً، وربما وصلت إلى مستويات من الابتزاز الذي رفضته السعودية بشدة ببيانات رسمية، ستظهر بوضوح خلال زيارة وزير الخارجية الأمريكي إلى الرياض وأنقرة.

وفق التسريبات الإعلامية؛ من الواضح أنّ القضية ستذهب باتجاه سيناريو لا يتم فيه تحميل تركيا، أو الدولة السعودية وقيادتها، مسؤولية العملية، وذلك باعتراف المملكة السعودية بمقتل خاشقجي، وتحميل أشخاص، من بينهم فريق التحقيق المسؤولية عن تصفية خاشقجي، واتخاذ إجراءات بحقّهم وفق القانون السعودي، ويتردّد أنّ تلك الإجراءات قد تصل إلى إعفاء مسؤولين حكوميين من مناصبهم، وربما تقديمهم إلى المحاكمة مع متهمين آخرين، في ظل وجود تيار محافظ لا يستهان به، لا يبدي ارتياحاً لإصلاحات ولي العهد السعودي، خاصة الانفتاح الاجتماعي: "دور السينما والمسارح، والسماح للمرأة بقيادة السيارة، والسفر بدون محرم، ...إلخ"، التي تمّ اعتبارها خروجاً على الدين، إضافة إلى اعتقالات فندق "الرتس كارلتون" للعديد من الأمراء والمسؤولين على خلفية قضايا فساد، ورغم الحديث عن إمساك ولي العهد السعودي مقاليد الحكم، إلا أنّ احتمالات قيام أوساط نافذة في مؤسسات الحكم، غير راضية عن إصلاحاته، بدور ما في قضية خاشقجي تبدو قائمة.

اقرأ أيضاً: ما الذي تفعله السعودية والإمارات في المنطقة ؟

كان واضحاً أنّ الحديث عن قضية خاشقجي، باعتبارها قضية إنسانية وجنائية، تم تجاوزه، وأنّ هناك استثماراً وتوظيفاً سياسياً للقضية، وفق خريطة التحالفات والخصومات ما قبل "خاشقجي"، فبالنسبة إلى قطر؛ تتابع بدقة، عبر الجزيرة وأخواتها، تطورات القضية، بما يثبت إدانة السعودية، والتأكيد على أنّ قياداتها تقف وراء العملية، واتهامات بأنّه يتم البحث بعد الاعتراف السعودي عن "كبش فداء"، وأنّ العالم لن يقبل رواية السعودية.

فيما جاءت قضية خاشقجي لتقدم لتركيا ما كانت تنتظره، في ظلّ اقتصادها المخنوق المتلهف لمليارات السعودية لإنقاذه، أما إيران؛ فقد أظهرت توازناً في موقفها، بمحاولة تذكير السعودية بأهمية انضمامها إليها لمواجهة عقوبات "ترامب"، وتحت عناوين انتقائية حقوق الإنسان، ذهبت دول أوروبية لابتزاز السعودية والضغط عليها.

من الواضح أنّ قضية خاشقجي ستذهب باتجاه سيناريو لا يتم فيه تحميل تركيا أو الدولة السعودية وقيادتها مسؤولية العملية

قضية خاشقجي "جنائياً"، لن تطول إلا بقدر استمرار حاجة الأطراف الفاعلة فيها للابتزاز والاستثمار، وتحقيق المزيد من المكاسب؛ حيث أعلنت أوساط تركية أنّ التقرير النهائي سيتم الإعلان عنه بحلول نهاية الأسبوع الجاري، ويبقى احتمال أن تتضمن خلاصات التحقيق مفاجآت جديدة، وفق سيناريوهات مفتوحة، وارداً بما فيها تحديد أطراف سعودية على علاقة بالعملية، خارج ما تمّ ترديده من روايات غيرها لا تحظى بمصداقية.

يبدو أن قضية خاشقجي ستطرح تساؤلات حول إعادة رسم التحالفات في المنطقة، فكما أرسلت تركيا إشارة سياسية لواشنطن لتخفيف حدة أزمتها مع واشنطن من خلال إطلاق سراح القسّ الأمريكي المعتقل لديها، تبدو هذه الإشارة غير بعيدة في مجرياتها وإنجازها عن قضية خاشقجي، في ظلّ الاستثمار السياسي لقضية خاشقجي، وإخضاعها من قبل كافة الأطراف، لحسابات اقتصادية وسياسية؛ حيث كان الرئيس الأمريكي، ترامب، الأكثر "مصداقية" في التعبير عن تلك الحسابات، حينما أعلن مخاوفه من ذهاب السعودية إلى الصين وروسيا، للاستثمار وعقد صفقات السلاح، في إطار خلافاته مع الكونغرس حول التعامل مع قضية خاشقجي وحقيقة الدور السعودي فيها.

اقرأ أيضاً: هل تمّ قطع الطريق على مصالحة بين خاشقجي والقيادة السعودية؟

السؤال حول إعادة ترتيب التحالفات في المنطقة، والتوافق بين تركيا والسعودية، بعد قضية خاشقجي، سيكون العنوان الأبرز في المرحلة القادمة، وربما ستترتب عليه إعادة صياغة الصراع في المنطقة وأطرافه، بما في ذلك الموقف من الجهود الأمريكية لمحاصرة إيران وأذرعها في المنطقة، والأزمة الخليجية، والقضية الفلسطينية، وسوريا، والعراق، واليمن، وربما علاقات تركيا مع الإسلام السياسي، وفكفكة أزماتها مع أوروبا.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية