إذا دخل الكهول ثورة أفسدوها

إذا دخل الكهول ثورة أفسدوها


24/07/2018

يشهد تاريخ التحولات الكبرى في المجتمع بصعده كلها على أنّ المحرك الحقيقي لهذه التحولات هو روح الشباب، وبعض من أرواح الكهول المحتفظة بروح شبابها وحكمة التجربة المتجددة. وليست هذه المقدمة انتقاصاً من الجيل الكهل الذي عاصر فترات تاريخية سابقة، رغم ما يجب من النقد لتجربتهم. بل إنّ نقد الممارستين النظرية والعملية لذلك الجيل، وفق معطيات الراهن وآخر منجزات المعرفة، أمرٌ في غاية الأهمية.

فصراع الأجيال واقعة تاريخية دائمة؛ لأنه صراع بين عالمين قديم وجديد، بين طموحين، طموح مات وطموح وليد، بين وعيين، وعي عتيق ووعي فتيّ.

مستقبلنا لن يقرره اليوم إلا عقل الشباب وإرادة الشباب الذين عرفوا ويعرفون معنى الجديد والحياة الجديدة

هذه الواقعة التي يجب أن نعترف بها، تسهل علينا فهم التناقض والاختلاف الذي يصل أحياناً حد الصراع  بين الأجيال. وهذا الأمر ينسحب على السياسة والأدب والفكر وطرق العيش والقيم والعادات والتقاليد.

الأيديولوجيات التي حركت أجيال الماضي لم تعد تعني شيئاً للجيل العائش في هذا الواقع سريع التغير.

اقرأ أيضاً: شباب عرب يتطلعون لربيع يحمل وعود الحرية والكرامة

أجل تتميز روح الشباب بالتأفف من الواقع المعيش، وبروح المغامرة التي لا تتهيّب الخطر وصعود الجبال، بلغة الشاعر الذي قضى شاباً (أبو القاسم الشابي)، فضلاً عن أنّ عقل الشباب عقل وَقّاد وحدسي؛ فالفئة العمرية من العشرين إلى الأربعين هي التي تحمل دائماً عبء تغيير العالم.

والأمثلة أكثر من أن تُحصى على صحة أحكامنا هذه. حسبنا القول بأن فرح أنطون أصدر مجلة "الجامعة" عام 1899 ولَم يبلغ الخمس والعشرين سنة، وأصدر علي عبد الرازق كتابه "الإسلام وأصول الحكم" عام  1925 ولم يبلغ سبعاً وثلاثين عاماً، وقس على ذلك طه حسين الذي أصدر عام 1925 كتابه "في الأدب الجاهلي" بعمر علي عبد الرازق. وهؤلاء لعبوا دوراً كبيراً في نهضة مصر والعرب . هذا على مستوى الفكر.

أيها الشباب تحرروا من الآباء؛ أبناء الماضي إذا ما تحولوا إلى عقبة أمام طريقكم

كما أنّ أغلب شهداء السادس من أيار الذين علقهم جمال باشا السفّاح على أعواد المشانق في ساحات بيروت ودمشق كانوا في سن الشباب. ولمن لا يعلم أعدم عبدالغني العريسي وعمره خمسة وعشرون عاماً.

والعنصر الحاسم في وعي الشباب بعالمهم اليوم هو الحرية قبل كل شيء؛ فالحرية تدخل في وعيه لكرامته، في حبه للعمل وخيارات عمله، في تحديد مستقبله، في توقه للحصول على حاجاته التي تتوالد يوماً بعد يوم وفي سرعة مدهشة.

اقرأ أيضاً: الشباب ثروة وطنية..من يستثمرها؟

إنّ مستقبلنا لن يقرره اليوم إلا عقل الشباب وإرادة الشباب الذين عرفوا ويعرفون معنى الجديد والحياة الجديدة. الشباب الممتلئ بالحرية والتوق إليها. وعندي أنّ أغلبية شباب المنطقة العربية هم أبناء الحداثة وعياً وممارسة.

والكهول الذين لا يتمثلون روح الشباب وقوة عقلهم، يشكلون عقبة خطيرة في مسار التغير والربيع القادم. بل إنّ اصطياد الشباب من قبل الحركات الأصولية الشائخة ما كان ليتم لولا الوعد الذي يغري الشباب. وعد من جيل لم يعرف لذة النصر مرة واحدة في حياته.

نقول للكهول: إذا ما أردتم أن تكونوا جزءاً من حركة الحياة فما عليكم إلا أن تجدّدوا عقولكم

ولهذا نقول بالفم الملآن إنّ الشباب في فلسطين الآن هم الأقدر على تكوين كتلة تاريخية تنهض بالكفاح، فشباب الأمس الذي فجّر الثورة الفلسطينية صاروا كهولاً، وكَهَلَ معهم وعيهم، وكهول الحركات الأصولية ليست سوى قيادات من أبناء الماضي المنهزم إلى الأبد. وكذا الأمر في سوريا والعراق ومصر واليمن. الشباب الحديث والحداثوي والمتمرد والمتعلم والمطلع ابن الثورة العالمية في الاتصالات والموسيقى والرواية والشعر والعلم هو النقيض للدكتاتوريات القاتلة من كل الأنواع. هو النقيض للحركات الأصولية المدمرة للحياة ومن كل الأنواع أيضاً.

اقرأ أيضاً: الشباب المهدور.. والوقوع في فخ التطرف والإرهاب

أيها الشباب تحرروا من الآباء؛ أبناء الماضي إذا ما تحولوا إلى عقبة أمام طريقكم. تحرروا من سلطة الابوات، وإلا لن تكونوا آباء جدداً قطّ.

إذا دخل الكهول ثورة أفسدوها. إذا حال الكهول بين الشباب وبين تحقيق حاجاته دمروا الحياة، فليس هناك أسوأ من جيل قديم يعتقد بأنّ حاجات الجيل الشاب هي على شاكلة حاجاته. على الجيل الفتي الذي فجّر الحياة ألا يقاد  من جيل الهزائم، ولا يمنحه مرة أخرى فرصة صناعة الهزيمة. ونقول للكهول: إذا ما أردتم أن تكونوا جزءاً من حركة الحياة فما عليكم إلا أن تجدّدوا عقولكم، فلا يمكن التصدي لعالم جديد بعقل قديم وأدوات معرفية أكل الدهر عليها وشرب.

الصفحة الرئيسية