نساء على المنابر: هل تصلح المرأة ما أفسده المتطرفون؟

المرأة المسلمة

نساء على المنابر: هل تصلح المرأة ما أفسده المتطرفون؟


19/07/2018

اتخذت المؤسسة الدينية في مصر قراراً غير مسبوق بدفع بعض الكوادر الدعوية النسائية إلى المساجد العامة في مستهل العام 2017، في إطار خطة الأزهر لتجديد الخطاب الديني، بدفع النساء إلى معقل الدعوة الإسلامية الذي ظلت قروناً من الزمان حكراً على الرجال.

وفي غضون ذلك، تميزّ الخطاب الديني في مصر لسنواتٍ طوال بالتشدد والتطرف، خاصةً تجاه النساء، وعمد إلى إقصائهن عن كل ميادين الحياة. والمتمعّن في هذا الخطاب البعيد عن ركب الحياة، يجد أنّ جوهر الأمر انبثق من مصالح ومنافع فكرية وأيديولوجية؛ فالجمود الذي يتصف به هذا الخطاب المتطرف ينبثق من تواترات تراثية عفا عليها الزمن، ومن تأويل النصوص الصريحة طبقاً لما تمليه مصلحة من له اليد العليا في طرح الخطاب الديني.

في ثورة 25 يناير2011 اقتحمت النساء ميدان الثورة بل وتقدمنّ صفوف الاشتباكات

وخيرُ مثالٍ على هذا ما حدث في ثورة الخامس والعشرين من يناير2011 حين اقتحمت النساء ميدان الثورة من كل حدب وصوب، بل وتقدمنّ صفوف الاشتباكات، وأخذن على عواتقهن المبادرات، لم نجد مثل هذا الخطاب المتطرف الذي اقتضت فيه مصلحة الرجال أن تتقدم النساء صفوف الثائرين، وهو ما فعلته جماعة الإخوان المسلمين، وغيرها من التيارات الإسلامية في تغير محوري من موقفها تجاه المرأة.

اقرأ أيضاً: قواعد الفكر الإخواني (15): انتهازية التعامل مع المرأة

يأتي هذا الموقف تجاه المرأة من جماعة الإخوان المسلمين على رغم ما استفاض فيه حسن البنا، في كتابه "المرأة المسلمة"؛ حيث هاجم الاختلاط، وشرح أنّ المجتمع المسلم لا يقوم إلّا على الفردانية الذكورية، وليس منوطاً بالنساء أكثر من الأدوار التقليدية التي حفها أيضاً بالقيود.

اقرأ أيضاً: المرأة كما تصوّرها حسن البنا: مكانها المنزل ووظيفتها الإنجاب

المرأة، في أدبيات الإخوان، جوهرة مصونة، بدعوى شاعرية رفع رايتها حسن البنا "أيكون الدُر إلّا في الصدف"، تُنبئ بما تُخفي نفوس هؤلاء من نظرةٍ دونية تجاه النساء، وهو ما انقلب سريعاً، كمواقفهم السياسية المتناقضة، حين دفعوا بالنساء في التظاهرات كدروع تحميهم من بطش قوات الأمن، وكذلك دفعهم بمرشحات لمجلس النواب، واستخدام النساء فيما يتناسب مع مصلحة الجماعة، كان دليلاً على نظرتهم للنساء وتهميشهن، واعتبارهن مجرد وسائل للوصول إلى مطامحهم السلطوية.

هاجم البنّا، في كتابه "المرأة المسلمة" الاختلاط، وشرح أنّ المجتمع المسلم يقوم على الذكورية

وبدت سيطرة الجماعات الإسلامية على خطابات عضوات مجلس النواب اللاتي لم يتعدّ دورهنّ ملء المقاعد الشاغرة التي يرغم القانون على توليتها للنساء، وهو ما فعله أعضاء حزب النور الذين أرغموا على الدفع بمرشحات من النساء على قوائمهم في انتخابات مجلس النواب المصري عام 2012، والتي تمت في شكل مثير للسخرية وقتها، ففي الدعاية الانتخابية الخاصة بالحزب، وضعت صور المرشحين من الرجال، بينما وضعت صورة زهرة تحت أسماء المرشحات من النساء، والبعض وضعن صور أزواجهن، فكان هذا مما أثار حفيظة المصريين وسخريتهم في آن واحد؛ حيث كُشف النقاب عن زيف ادعاءات سائر التيارات الدينية تجاه المرأة.

وضع المرأة المصرية المعاصرة

الأرقام المثيرة للقلق التي تصدرتها القاهرة من حيث وضع النساء، تُنبئ بما وصل إليه حال المرأة المصرية من تهميش ملحوظ على جميع المستويات، ولعل الأحدث تلك الأرقام الموجود بالتقرير الرسمي الذي أصدره المجلس القومي للمرأة في مصر لعام 2018 حول أوضاع النساء في مصر، فعلى سبيل المثال، تضمن التقرير نسب المساواة بين الجنسين في الفرص بنتائج دون المستوى، فطبقاً للأرقام المعبرة عن نسبة إتاحة الفرص بالنسبة للجنسين بين أعوام (2015/2018) احتلت مصر المركز 139 من بين 144 دولة، وهو ما يعكس مدى الفجوة، من حيث إتاحة الفرص التالية (فرص العمل، التعليم، الرعاية الصحية، الحقوق الاقتصادية، الرواتب والأجور، التشريعات الخاصة بوضع المرأة)، ولعلّ تلك الأرقام التي جاءت بعد ثورة شعبية، خرجت فيها النساء مطالبات بحقوقهن هي أرقام محبطة للغاية.

التساؤل المهم: هل قرار جعل النساء داعيات للدين سيعمل على تحسين وضع المرأة وتجديد الخطاب الديني؟

والتساؤل المهم: هل قرار جعل النساء داعيات للدين سيعمل على تحسين وضع المرأة وتجديد الخطاب الديني؟. فاطمة كمال، وهي معلمة لمادة التاريخ في إحدى المدارس الحكومية، تقول إنّ "هذا القرار ربما يعزز من فرص النساء المتدينات في التواصل مع نساء مثلهنّ يستفتينهن في أمور الدين، ولكن لو نظرنا له من جهة ردع المتشددين من الرجال فتجربتي الشخصية تقول بأنّ النساء هنّ الأكثر مغالاة في الدين من الرجال، فالخطاب الديني المتشدد وإن جاء بلهجة ذكورية تقصي النساء من المجتمع، فإنّ المتدينات من النساء يرضخن لمثل هذا الخطاب ويعززنه بخطاب أشد ذكورية وتطرفاً من الرجال، فالحل لا يكمن بتعيين نساء للدعوة، وإن جاء الأمر كتعزيز للفرص بين الجنسين فالأحرى أن يأتي تعزيز الفرص الاقتصادية بين الجنسين في بلد أصبح قرابة نصف نسائه من المعيلات ومع هذا فإنهنّ يعملن أكثر من الرجال ويتقاضين أجوراً أقل".

أطلقت الأوقاف المصرية في آذار (مارس) 2017 قراراً بتعيين 50 واعظة بمساجد مختلفة

حيثيّات القرار ودوافعه

أجرى مركز بحوث المرأة عن الوضع الديني للمرأة في مصر، دراسة ميدانية رصدت عدة ملاحظات حول وضع النساء الديني، وما يعكسه من تهميش ملحوظ، فالبحث حول البرامج الدينية والمواقع الإلكترونية المخصصة للفتاوى، أوضح أنّ الغالبية العظمى من النساء لا يستفتين إلّا بشأن الزواج والطلاق وحقوق الزوج وأمور الحيض والنفاس وغيرها مما يعكس كيفية تكريس الخطاب الديني مفاهيم بشأن تشيؤ المرأة وتمحور وجودها في كونها كياناً جنسياً فحسب.

اقرأ أيضاً: كيف نظر سيد قطب إلى المرأة؟

لم تكشف الدراسة عن أسئلة تتعلق بشؤن حياتية أُخرى، ما يؤكد أنّ الوعظ ليس كافياً لتغيير حياة الناس وتحسينها، وهو ما أيّده أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة القاهرة، الدكتور أحمد زايد في تصريحه لـ"حفريّات" معقباً على القرار بأنّ "ظاهرة الداعيات موجودة داخل المجتمع دون أن تدفع بهم الدولة، وأنا شخصياً ضد فكرة أنّ الوعظ هو ما يعمل على تغيير المجتمع، وأنّ الدفع بواعظات قد يكون خطوة في طريق تجديد الخطاب الديني لكنه لا يحقق الهدف، وهذا من وجهة نظري لثلاثة أسباب: أولاً أنّ الوعظ ليس بالأهمية التي يحظى بها من قبل المؤسسات الدينية، وأنّ النساء لا يذهبن فقط للمساجد لأجل الدين إنما هناك أسباب اجتماعية ونفسية تدفع بالنساء إلى المساجد، وثانياً أنّ الواعظات التابعات للدولة لن يلاقين نفس الجماهيرية التي تحظى بها الداعيات غير الرسميات، ثالثاً أنّنا نجهل التكوين الديني الحقيقي لهؤلاء الداعيات الجدد فما الجديد الذي سيقدمونه؟".

د. زايد: الوعظ لا يعمل على تغيير المجتمع والدفع بواعظات ليس خطوة في طريق تجديد الخطاب الديني

وفي إطار الخطة الموضوعة من قبل الدولة لتطبيق هذا القرار فقد أطلقت وزارة الأوقاف المصرية في آذار (مارس) 2017 قراراً بتعيين 50 واعظة بمساجد مختلفة حول أنحاء الجمهورية، تبعهن 144 متطوعة للعمل والوعظ الديني تم تسجيلهم بالأوقاف، وفي آب (أغسطس) من العام نفسه، قامت وزارة الأوقاف بإقامة معسكر دعوي لتدريب الواعظات بمدينة الإسكندرية ضم حوالي 80 سيدة، وتستمر تلك الدعوات التي تجتذب متدربات من خريجي الأزهر، للحصول على رخصة تجيز لها الوعظ بالمساجد، وهو ما لقي ترحيباً من قبل بعض العامة من المصريات، حيث قالت هبة حسنين (عاملة في أحد مصانع الملابس) أنّ مثل هذا القرار يعتبر حلاً لعقبات دينية؛ لأنّها تتحرج من التحدث مع الدعاة الرجال خاصة في أمور خاصة بالنساء، مثل؛ أحكام الحيض والطهارة وكذلك مشكلاتها الأسرية، لذا فإنّ وجود سيدة على المنبر الدعوي ذلل مثل تلك العقبة. ولكن التساؤل المهم الذي طرحه الدكتور أحمد زايد، يتركز عما ستضيفه الداعيات إلى النساء في مصر، وهل سيعملن على تحرير العقول النسائية في مصر من الظلامية التي زرعها المتشددون في عقول النسوة؟

اقرأ أيضاً: المرأة الداعية في مواجهة التطرف.. حل مبتور

فإذا قدمن ذلك فلا بأس؛ فالنساء، وفق زايد "أكثر تسامحاً ومرونة من الرجال، ولكن إذا تشددت المرأة في دينها فإن خطرها يصبح أكثر وطأة من الرجال المتزمتين، لأنّ تأثيرها في المجتمع بشكل غير مباشر أكثر عمقاً من الرجال".

هل تصلح النساء ما أفسده الرجال؟

رغم التضارب بين مؤيدٍ ومعارض للقرار، فإنّ حسناته تصب في تحجيم تأثير الجماعات الدينية وتداخلها في المجتمع بشكل قوي، وهو ما أكده لـ"حفريات" أستاذ الفلسفة الإسلامية بجامعة طنطا، الدكتور أحمد سالم، فـ "القرار جدي وجيد ويمكن أن يساهم في سحب البساط من تحت أقدام سيدات الحركات الإسلامية اللاتي يتسللن إلى مساجد القرى والنجوع، ويسيطرن بأفكارهنّ المتطرفة على عقول العامة، لكن الأزمة لا تكمن في وجود إمام رجل أو إمرأة بل تكمن الأزمة في صناعة الإمام المؤثر سواء كان رجلاً أو إمراة".

د. سالم: وجود داعيات أمر مهم لأن الحوار بين السيدات في المجتمع الشرقي أسهل بكثير من التواصل مع الرجال

ودعا سالم "الأوقاف" إلى "إدراك هذا جيداً، وأن تصنع داعية ذا ثقافة ومعرفة ومصداقية، وهو ما سيجذب الجماهير، ووجود داعيات هو أمر مهم بالطبع؛ لأن هذا الحوار بين السيدات في المجتمع الشرقي أسهل بكثير من التواصل مع الرجال، لكن هذا سيتوقف على حجم مما ستقدمه هذه الداعية من فكر وأدوات معرفية تجعلها أكثر تأثيراً من سيدات الإخوان المسلمين والسلفيين الذي سممّوا عقول نساء مصر".

اقرأ أيضاً: المغرب: المرأة تشغل مهنة "مأذون شرعي"

الصفحة الرئيسية