العنف في بنية الحركات الإسلامية (1).. إذ يلبس لباس القداسة

العنف في بنية الحركات الإسلامية (1).. إذ يلبس لباس القداسة

العنف في بنية الحركات الإسلامية (1).. إذ يلبس لباس القداسة


30/01/2024

إنّ الحركات التي نشأ معظمها إبان هزيمة حزيران (يونيو) 1967، تلك التي تسمّى إسلامية، تهدف في جوهرها إلى تثوير تصورات وأفكار كامنة في عقول المسلمين، واستدعاء أفكار أخرى من التراث، ونفض الغبار عنها وإلباسها لباس أيديولوجيتها التي تشكّلت إثر صدمة قاسية بالحضارة الغربية والاستعمار.

 

معاندة منطق الزمن

ولهذه الحركات، علاقة كبيرة بالعنف الذي يدمّر بذرة المكونات النفسية والمعرفية والمادية في العالم العربي التي يرجى منها أن تنبت لنا شجرة ذات ثمار طيبة لا تنقطع؛ إذ أنّ العنف الذي نراه ماثلاً أمامنا كان يوماً ما مجرد تصورات أسميناها غلوّاً حتى رأيناها تدمر عالمنا لنعرف أنّها كانت تنتظر اللحظة التي تنفجر فيها، وذات الأمر يصدق على الحركات الإسلامية؛ فالعنف كامن فيها وهو ليس كأيّ عنف؛ إنّما عنف يلبس لباس القداسة يمارسه المسلم كعبادة وقربان إلى الله، وهنا نفرق بينه وبين العنف الطارئ الذي يقع في حالة الدفاع عن النفس؛ إذ يكون استخدام القوة مبرَّراً.

إنّ الوطن الذي لا يلتزم برؤية هذه الحركات للدين والحياة والسياسة يدخل في دائرة التكفير

العنف في وعي هذه الحركات، هو أحد ركائزها وخططها البديلة في نشر أيديولوجيتها المغايرة لمنطق الزمن، تستبطنه شعارات براقة رفعتها هذه الحركات، ويمكننا الوقوف من خلال هذه الشعارات والمقولات الكلية على العنف المقدس الذي ترتديه، وهذه الحركات التي نتحدث عنها واقعياً هي حركات منبثقة عن حركتين كبيرتين إحداها كانت في مصر، وهي حركة الإخوان المسلمين، والأخرى تسمّى الجماعة الإسلامية، وهي التي نشأت في باكستان على يد أبو الأعلى المودودي؛ فقد ولّدتْ هاتان الحركتان مجموعات لا تحصى من الحركات الإسلامية الجهادية منها والسياسية؛ إذ صكّ المودودي لها المفاهيم، ومدّها سيد قطب بالقراءة والتأويل على ضوء منطلقاتها، وقبله حسن البنا بالقوة والحشد وصناعة التنظيم الذي يقوم بتنفيذها .

السعي إلى التمكين

يكاد يكون جوهر مشروع الحركات الإسلامية في المنطقة سعيها إلى التمكين، وهو تمكين نفسها من إدارة هذه المجتمعات وليس تمكين هذه المجتمعات، ولأنّها تقارب القداسة في خطواتها وتحتمي بها فقد جعلت الآية التي تشمل جميع المسلمين؛ وصاروا يسمّونها آية التمكين وهي القائلة "وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأرض كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ..."، من معالم مشروعها ومقولاته، وهو –أي التمكين- بالنسبة لها الوعد الإلهي الذي تطمئِن به أفرادها كلما أصابهم الشك بسبب فشلهم في فهم الواقع والاقتراب منه .

العنف الحالي الذي يدمّر عالمنا كان مجرد تصورات أسميناها غلوّاً كانت تنتظر اللحظة التي تنفجر فيها

تكمن خطورة هذه المرحلة في أنّ هذه الحركات قد بلغت من اليقين ما يجعل من الفاصل بينها وبين الوصول إلى أدوات هذا التمكين، الذي هو تطبيق للمشروع، هو عامل الزمن لا نضج الفكرة وموضوعيتها.

إنّ مرحلة التمكين في النموذج السوداني -على سبيل المثال- هي مرحلة ممارسة العنف المطلق ضد كل المخالفين وشيطنتهم ووصفهم بالمعارضين لشرع الله، وشمولية الإسلام التي تعني شمولية التنظيم واستحواذه باسم الله على الحياة السياسية وإعادة تشكيل المجتمع وفقاً لهذه الرؤية الخاصة عن الإسلام، فقد شكلت حكومة الحركة الإسلامية السودانية بعد التمكين أجهزة رقابة وعقاب مختلفة حولت حياة المجتمع السوداني إلى جحيم؛ فـ"مخالفة النظام العام" أصبحت تهمة ضد حرية التعبير واللبس وحتى شكل حلاقة الشعر!

الجهاد ضد الوطن

إنّ التطرف الديني الذي يضرب المنطقة العربية والعالم ينطوي على منطق الهوية والمركز الذي تتبنّاه النسخ الجهادية من الحركات الإسلامية؛ الأمر الذي نجده واضحاً في الاحتماء بمقولة الفرقة الناجية التي تساويها في اليهودية شعب الله المختار، أو فكرة الطريق والحق والحياة أو خير أمة أخرجت للناس، هكذا يتناثر سؤال الهوية بمجرد أن ننظر إليه كمراكز متناحرة؛ فمشكلة التعايش وتقبل الاختلاف بين هذه الأنساق العقائدية هو ما يهدد الاستقرار، ويخلق النزاعات والحروب، وفي سياقنا العربي والإسلامي تنشط نزاعات وحروب داخلية محركها الأساسي المذاهب والأفكار التي تتحوّل إلى هوية ومركز خصوصاً عند الحركات الجهادية والإسلامية عموماً، فتمركزها حول نفسها لا يجعلها ترى نسقاً صحيحاً وصالحاً غيرها.

العنف كامن في الحركات الإسلامية وهو ليس كأيّ عنف إذ يلبس لباس القداسة والتقرب إلى الله

إذا كانت أثينا أسست لمبدأ الهوية فلسفياً، ففي حالة فكر الحركات الإسلامية يأخذ هذا المبدأ أساساً عقدياً يبدأ من مركزية الإيمان وفقاً للمعايير التي تنطلق منها، خصوصاً في أيديولوجيتها المغلقة، ليكون الإيمان مكوناً أوّلياً للهوية قبل المواطنة والدولة، الأمر الذي خلق ظاهرة الجهاد ضد الوطن والدولة ومحاربة التعددية والاختلاف، إن منطلق ذلك يمكن أن يصدق عليه وصف –اللاشكل السيد للدين- بحسب تعبير ياسين حاج صالح، وذلك يعني أن هنالك بنية متمردة على كل التصورات التي تنبع خارجها، فتخلق مقارنات ثنائية بين الدين، الذي تتبناه كأيديولوجيا سياسية وبين كل ما لم ينبع منه؛ فنجد الدين مقابل: الدولة والعلمانية والتكنولوجيا والهوية والمواطنة، ليعني الإمساك بالدين وتبنّيه كسلطة تبنّيه أيضاً كمركز لجميع الأنساق، وهذه أحد الأسباب التي تجعل فكر هذه الحركات مشوّشاً ورمادياً.

مبدأ الهويّة في فكر الحركات الإسلامية يأخذ أساساً عقدياً يبدأ من مركزية الإيمان وفقاً للمعايير التي تنطلق منها

إنّ الوطن الذي لا يلتزم برؤية هذه الحركات للدين والحياة والسياسة يدخل في دائرة التكفير، وقد أطلق سيد قطب على هذه الدول والمجتمعات وصف الجاهلية المعاصرة، وتكون إزالة هذه الجاهلية بحكم الحركات الإسلامية لها لتطبق عليها رؤيتها وأيديولوجيتها؛ فالمقولة الأشهر في أوساط هذه الحركات لسيد قطب تقول "إذا أريد للإسلام أن ينتصر فعلى الإسلام أن يحكم"، وهذا الإسلام في وعي هذه الحركات هو مشروعها السياسي والتمكيني برؤية اختزالية إقصائية لا ترى في رؤيتها للدين والحياة والعالم فلسفة تاريخ، إنما عقيدة دوغمائية ثابتة وحقيقة ما بعدها حقيقة، وهي ناتجة عما يسميه قطب ويدعو له بالاستعلاء الإيماني الذي سنتناوله في المقال المقبل.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية