رهان الإخوان على أردوغان: مأزق الجماعة في المشهد الراهن

رهان الإخوان على أردوغان: مأزق الجماعة في المشهد الراهن


23/01/2018

يمكن القول للناشئة المنضوية في تنظيمات جماعة الإخوان المسلمين وللذين سبقوها من الجيل الذي انتمى إلى الجماعة في بدايات السبعينات من القرن الماضي إن ما فاتهم من المعرفة بتاريخ الجماعة، هو الذي تسبب في ابتلاعهم فكرة “المشروع الإسلامي” التقيّ النقيّ للجماعة، بهدف ما قيل إنه السبيل “لاستئناف الحياة الإسلامية” التي يُفترض أنها توقفت بنشأة الدولة الوطنية في العالم العربي.

ربما كان خطأ الدولة المصرية أنها بادرت بعد أن قضت على وجود الإخوان على الخارطة السياسية في العام 1965 بعد قضية سيد قطب الثانية إلى محو أدبياتهم من سوق الكتاب، ولم تنشر بعدئذ مذكرات قياداتهم إلا بعد وفاة الرئيس جمال عبدالناصر، وقد تضمنت بعض هذه المذكرات ما يمكن استنتاجه عن أساليب عملهم وصراعاتهم الداخلية وعلاقاتهم الخارجية، وعن عنفهم الداخلي الذي تحدثوا عنه بأنفسهم.

فعندما نُشرت تلك المذكرات كان طلاب الجامعات الذين أصبحوا قادة التنظيم في مصر، مع بدء العشرية الثانية من هذا القرن، قد توغلوا في الانتماء وإن كانوا قرأوا ما دوّنه الأسبقون، فلم يكن يلائمهم سوى تعليل وتبرير النقاط السوداء، ورد أسبابها إلى العنف الذي مورس ضدهم وإلى المطاردات والسجون.

علما بأن المؤمن بمشروع استئناف حياة إسلامية لا يلجأ إلى المستعمر وإلى تابع المستعمر لكي يقاوم نظاما وطنيا يمكن التوصل معه إلى حلول شبيهة بالكثير من الحلول التي توجهت الجماعة إليها، مع النظام الملكي مرات عدة، وفي أحد تجلياتها عقد المؤتمر العام للجماعة احتفالا بتولي الملك فاروق عرش مصر في العام 1936.

فكلما نشأت مشتركات، ولو على المستوى الخطابي، بين الجماعة والنظام، كوجوب القتال في فلسطين وما سموه بـ”مقاومة الشيوعية”، أُبرمت التسويات سراً وعلانية، وقد حدث ذلك مع الإنكليز أنفسهم. لسنا في هذه السطور بصدد استعراض تاريخ الجماعة برمته، لكننا ننوه إلى مشهد راهن، معطوف على مشهد سابق.

ففي المشهد الراهن، بات على الجيل الجديد من منتسبي “الجماعة” أن يستقرئ الوقائع الماثلة أمامه، وأن ينفض يده سريعا من الرهان على تركيا الأردوغانية. فهو رهان لا يناسبها –كما يُفترض– بحكم علاقاته الإقليمية ومصالحه الجيواستراتيجية، وفي قلبها علاقته بإسرائيل، وهي لا تناسبه من حيث كونها “جماعة” تهدف إلى السيطرة وإلى أخونة المجتمع، وهو ما لا تحتمله تركيا ولا تقوى عليه. وذلك لا ينفي وجود مشتركات بين الطرفين، وهي ليست من جنس التقوى ولا النزعة الإسلامية المستقلة.

فللطرفين علاقات تاريخية معلومة مع الأميركيين والبريطانيين، أي مع قوتي الاستعمار القديم والجديد. فالمراجع الأجنبية، تقدم البراهين الموثقة المقرونة بالصور، التي تؤكد على هذه العلاقات.

ففي فترة صراع الجماعة مع الدولة المصرية الناصرية، كانت وكالة الاستخبارات الأميركية تساند الإخوان وقد أسست علاقات وطيدة معهم، وكان الرجل الإخواني الأول، الشيخ سعيد رمضان، زوج كريمة حسن البنا، الذي لجأ إلى سويسرا قبل أن يستقر في كولن الألمانية، قد التقى في البيت الأبيض الرئيس الرابع والثلاثين للولايات المتحدة، دوايت أيزنهاور، في الفترة من العام 1953 إلى العام 1961. فقد استرضى الغرب سعيد رمضان، بخلع لقب “وزير خارجية الإخوان” عليه، وكانت أرضية اللقاء، كما خلفية المساندة الاستخباراتية الأميركية، هي العمل ضد نظام الحكم في مصر والإطاحة بجمال عبدالناصر، بسبب عدائه للاستعمار والصهيونية.

وتؤكد مذكرات وكالة المخابرات المركزية الأميركية ووثائقها المُفرج عنها، أن رمضان وسائر الإخوان في خارج مصر، قد تلقوا دعما مكثفا من الولايات المتحدة، مثلما تلقوا بطلب منها تسهيلات في بعض الأقطار العربية.

وقد اعتبرتهم وكالة المخابرات المركزية الأميركية حلفاء طبيعيين لها، وقد ساعدوا الجماعة لدى ألمانيا على إدارة مسجد ميونيخ الذي أصبح مركزا علنيا للجماعة، وفي الوثائق اعتبرت الوكالة الاستخباراتية رمضان محض عميل لها، وقد شرح الباحث الكندي إيان جونسون تفصيلات ذلك في كتابه “تاريخ واشنطن السري مع الإخوان المسلمين”.

في المشهد الراهن، يتوجب على “الجماعة” أن تقرأ نتائج أو حصاد السنوات الخمس الأخيرة على الأقل. فإن أحسنت القراءة، ستعلم أن الحكم عليها لن يساعدها على الاستعانة بالغرب الذي لديه مسطرته في قياس جدوى من يتحالفون معه.

فقد توصل الغرب إلى قناعات تدرّج في الوصول إليها. القناعة الأولى أن الجماعة فشلت في احتواء تيار السلفية الجهادية، على الرغم من أنه خرج من ضلعها. ثم بمساعدة مراكز البحوث، توصل هذا الغرب إلى قناعة مفادها أن الإسلامويين المتشددين، الأقل عددا، هم الأكثر نفوذا في أوساط الناشئة، لأسباب اجتماعية واقتصادية، ويمتلكون شبكات موالين واسعة.

وبسبب غموض أيديولوجيا الجماعة التي يحسم الباحثون الآن أمرها، ترسخت القناعة لدى الغرب بأن تصادم الإخوان مع الفئات المتشددة هو تصادم ظاهري أما في الباطن فإن هناك توافقا، وأن فرضية الاعتدال والوسطية ليست إلا وصفة النجاة في بحر عالي الموج، لأنها في الحقيقة أصل التطرف والعنف منذ العام 1938 قبل عامين من تأسيس ما يسمى النظام الخاص، الذي يكرس مفهوم التنظيم الإسلامي المسلح. وعليه لم يعد الغرب مستعدا للتمييز على قاعدة الوصف الذي يعلنه الإسلاموي عن نفسه، سواء كان معتدلا أو متشددا، وقد تأذى من هذه النتيجة المستنيرون الإسلاميون غير الحزبيين، إن لم نقل المسلمون قاطبة.

ولعل ما يعزز قناعة الباحثين، بأن جماعة الإخوان عاجزة عن تطوير رؤيتها للعمل السياسي، هو غَلبة “الفكر القطبي” على قياداتها الراهنة، وهذا عامل ينطبق على توقعاتهم حيال قابلية تركيا الأردوغانية للعمل مع الجماعة وفق منظور واحد، يستند إلى مقولتي “الحاكمية” و”الجاهلية” ويلتزم رسائل حسن البنا، التي تتقبلها الذائقة الشعبية والنخب الاجتماعية والإسلامية في الأربعينات من القرن الماضي.

وهذا لا ينفي أن لرجب طيب أردوغان رؤيته للعمل الإسلامي، التي تحاكي رؤية بعض مكونات الجماعة التي انقلبت على السلطان عبدالحميد، ورأت في “إسلام العرب” أيديولوجيا لا تلائم الأتراك، ما يجعلهم مضطرين إلى تفصيل “إسلامهم” المقترن بطموحاتهم القومية.

عدلي صادق - عن صحيفة "العرب"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية