العدوان التركي على سوريا.. ما الذي يريده أردوغان؟!

تركيا وسوريا

العدوان التركي على سوريا.. ما الذي يريده أردوغان؟!


10/10/2019

"نبع السلام" هو الاسم الذي أطلقه الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، على العملية العسكرية الواسعة التي انطلقت بعد ظهر أمس الأربعاء في شمال سوريا؛ حيث بدأت تركيا عدوانها بأصوات الانفجارات التي عمت مناطق تمتد على الشريط الحدودي بين سوريا وتركيا، وفق وكالات أنباء.

أخذ الهجوم طابعاً عنيفاً حيث طال القصف المدفعي والجوي مساحةً كبيرة من شمال غرب سوريا

أردوغان، عاد لمزج الحابل بالنابل، بالحديث عن مبررٍ رئيسيٍ يقف وراء العملية متمثلاً في القضاء على الإرهاب، كما صرح عن ضرورة خلق منطقةٍ آمنة لتركيا على الحدود، وذلك مقابل حديثٍ أمريكي عن إجراء أحادي اتخذته تركيا في عمليتها هذه مدعيةً "الحفاظ على وحدة أراضي سوريا" وسط تأكيدٍ من أردوغان أنّ الهجوم  سيقضي على (الإرهابيين)!
تركيا، تقتحم شمال سوريا للمرة الثالثة على الأقل بعد عملية (غصن الزيتون) واحتلال عفرين في العام 2017، وسط مخاوف من عدوان يهدف في العمق إلى تغيير التركيبة السكانية لشمال سوريا، وإعادة التوتر وعدم الاستقرار من أجل تحقيق مطامح بعيدة الأمد ربما تكمن في إبقاء قواعد اقتصادية وسياسية مستقرة للأتراك في سوريا، وقد تمتد إلى ما هو أبعد في وقتٍ لاحق.
أهداف عسكرية وضحايا مدنيون!
في إطارها المعلن، يهدف الهجوم التركي إلى السيطرة تماماً على كامل الشريط الحدودي شرق الفرات، مستهدفاً قوات سوريا الديمقراطية (قسد) وحزب العمال الكردستاني وكذلك تنظيم داعش الإرهابي، كما صرحت تركيا رسمياً، وعلى الأرض، أخذ الهجوم طابعاً عنيفاً؛ حيث طال القصف المدفعي والجوي مساحةً كبيرة من شمال غرب سوريا امتداداً من ديريك ورأس العين في محيط الحسكة وحتى  القامشلي و "تل أبيض التابعة إدارياً لمحافظ الرقة السورية؛ إذ نقل شهود عيان أنّ المناطق التي تعرضت للقصف شهدت نزوحاً كبيراً للأهالي منها"؛ بحسب ما نقلته وكالة "سبوتنيك" أمس، مما أدى إلى وقوع إصاباتٍ بين المدنيين وأعدادٍ من مقاتلي (قسد).

أردوغان يحمل خريطة (المنطقة الآمنة) التي سوف يؤمّنها بإراقة الدماء!

وفيما تتحدث تركيا، عن تركيزها على ضرب الأهداف العسكرية (181 هدفاً منذ بدء العدوان) إلا أنّ أنباء عديدة تؤكد "نزوح أكثر من 100 ألف مواطن كردي سوري منذ الساعات الأولى للهجوم، خصوصاً بعدما توسعت الضربات التركية على طول الحدود؛ حيث قصف الجيش التركي أحياء عدة داخل مدينة القامشلي أدت على الأقل إلى مقتل امرأة ورجل مسيحيين في حي البشيرية وسط المدينة وإصابة عشرات المدنيين" وفقاً لـ "إندبندنت عربية" أمس، وذلك وسط ما وصفته وكالات أنباء بالهجوم الدموي الذي من المتوقع أنّه يمهد إلى هجوم بري واسع للقوات التركية خلال الأيام القادمة.

في إطارها المعلن تهدف العملية التركية إلى السيطرة تماماً على كامل الشريط الحدودي شرق الفرات

من جهتها، ووسط عدم القدرة على إحصاء الضحايا حتى الآن، قالت (قسد) إنّ القوات التركية قامت بقصف "أحد السجون التي يتواجد فيها أسرى من تنظيم داعش الإرهابي، وهو ما قد يؤدي إلى مزيدٍ من الفوضى في حال أفلت أي من هؤلاء السجناء"، مؤكدةً في الوقت ذاته تصديها للهجوم، بحسب المصدر ذاته.
من جهتها، حذرت دمشق أنقرة من مغبّة العدوان العسكري في شمال سوريا ضد الأكراد، منددة بنوايا تركيا "العدوانية" ومتوعدةً بالرد على الهجوم الواقع في الشمال السوري، ولم يأتِ هذا الرد وحيداً؛ إذ أعلن الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية حسام زكي اليوم الخميس عن "عقد اجتماعٍ طارئ لوزراء الخارجية العرب يوم 12 تشرين الأول (أكتوبر) الجاري، لبحث العدوان التركي الذي يعد اعتداءً غير مقبول على سيادة دولةٍ عربية"، بحسب ما نقله موقع "المملكة" اليوم الخميس.

نزوح لسكان الشمال خوفاً من القصف والعدوان التركي

أما دولياً، فـ "سرعان ما قامت فرنسا بالإعراب عن قلقها مما يحدث في سوريا، بينما دانت بريطانيا الهجوم على الأكراد"، وفق ما نقلته شبكة "بي بي سي" اليوم الخميس. ووسط التنديد الدولي بالهجوم التركي، الذي ادعى أردوغان أنه سيوفر الأمن لتركيا، ويضمن الاستقرار في الشمال، وكذلك إمكانية توطين مليوني سوري في تركيا على تلك الأراضي، فيما يبقى الموقف الأمريكي عصياً على الفهم، فهل من صفقةٍ وراء ما يحدث؟

الحرب لا تصنع السلام

في تقريرها عن الهجوم اليوم، اعتبرت "بي بي سي" أنّ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، "أفسح الطريق أمام تركيا للقيام بعمليتها، بينما رأى الأكراد في هذا طعنةً في الظهر"، إضافةً إلى أنّ وكالات الأنباء غصت بتصريحات متضاربة بين ترامب ومسؤوليه في البيت الأبيض، شملت "تهديداتٍ أمريكية بمعاقبة تركيا اقتصادياً إن هي فكرت بالقضاء على الأكراد شمال سوريا، وكذلك اعتبار ما تقوم به أنقرة اليوم تهديداً خطيراً ربما يؤدي إلى عودة تنظيم داعش الإرهابي بقوةٍ إلى الساحة السورية من بوابة الشمال، إضافةً إلى آراء عديدة بقي أهمها قول ترامب إنّ بلاده لم تنسق مع تركيا بشأن الهجوم الواسع الذي تشنه في هذه الأثناء، وسط تصريحاتٍ للبنتاغون عن إخراج تركيا من الترتيبات الجوية المتعلقة بالطيران العسكري فوق أراضي سوريا".

اقرأ أيضاً: في اليوم الأول من العدوان التركي.. مقتل 5 عناصر من مرتزقة أنقرة
ووسط هذه التصريحات، التي تناقلتها وسائل الإعلام العربية والعالمية، يتضح التخبط الاستراتيجي الأمريكي تجاه سوريا، فمن جهة، عدّت أمريكا الأكراد حلفاء لها في سوريا لفترةٍ طويلة، لكنها لم تقدم إليهم اليوم سوى الانسحاب وإفساح الطريق للأتراك حتى يشنوا عملياتهم ضدهم. بينما تبقى تركيا حليفاً تجارياً كبيراً للولايات المتحدة، ومع ذلك فإنّ ترامب صرح سابقاً قبل العملية بالقول إنّ أمريكا "ستدمر اقتصاد تركيا في حال تجاوزت الأخيرة الحدود".

الهجوم وسط تناقضات أمريكية وأطماع تركية يهدد وحدة أراضي سوريا

كل هذه التناقضات، لن تؤدي في نهاية الأمر سوى إلى "توسيع رقعة الأراضي السورية التي ربما تسيطر عليها تركيا في شمال سوريا"، بحسب ما أشارت إليه "الحرة" في تقريرٍ لها يوم 8 تشرين الأول (أكتوبر) الجاري، وهذا التوسع، الذي سوف يعني مزيداً من الأراضي بخيراتها، ومزيداً من الولاء السكاني في حال بقيت تركيا مسيطرةً هناك، وبالتالي، تحقيق مكاسب سياسية قريبة (منطقة آمنة واستقرار)، مقابل مكاسب لاحقة (اقتطاع أراضٍ وتوسع) لا يقل بأي صورةٍ عن صورة أي احتلال، ويذكر بصورة لواء الإسكندرون بطريقةٍ أو بأخرى.

العملية التركية قد تؤدي إلى عودة داعش واقتطاع أراض من سوريا وتهجير مئات الآلاف من الأكراد

كما توجد سيناريوهات أسوأ، بحسب التقرير ذاته، الذي لم يركز على تقلبات السياسة الأمريكية، وعواقب ذلك على سوريا؛ حيث يمكن إبادة الأكراد من خلال معادلتين؛ واحدة عسكرية مباشرة تضعف قوتهم، وتطرد قواتهم عن الحدود، وأخرى تبيدهم سكانياً، بمعنى أنّه سوف يتم إحلال سكان سوريين آخرين في أماكن "الأكراد النازحين والمهجرين بفعل عمليات تركيا المتواصلة"، خصوصاً إذا سبق (مرحلة الاستقرار الأردوغانية) انفلات جديد لتنظيم داعش الإرهابي. ثم تأتي بعد ذلك عملية تجريف وتهجير للسكان، حتى تتحول المنطقة إلى منطقةٍ آمنة!

اقرأ أيضاً: العدوان العسكري التركي على سوريا.. السيناريوهات المحتملة ومحدداتها

إنّ تركيا وهي تشن هجوماً دامياً وعنيفاً للمرة الثالثة داخل الأراضي السورية، لا تستهدف أي عمل نضالي أو أمني واضح، بل ولا يمكن من خلال أسلوبها السياسي والعسكري في الشمال، استيضاح من هو (الإرهابي) بالتحديد، خصوصاً أنّ الحرب تطال الأبرياء، والمتهمون بانتمائهم لحزب العمال الكردستاني كثر، ولا تقوم تركيا بتحديدهم أصلاً.
وفيما يبقى الهجوم العسكري مستمراً حتى هذه اللحظة، مع توقعاتٍ باجتياح بريٍ واسع هذه المرة، فإنّه لا حلول تلوح في الأفق لوقف أنقرة عن تهورها واحتلالها للأراضي السورية، خصوصاً أنّ خاصرة النظام في دمشق رخوة اليوم، ولا يستطيع التحرك وسط الضبابية التي تلف مواقف حلفائه تجاه العملية حتى الآن، إضافةً إلى معرفة الأكراد كونهم بين مطرقتين، واحدة داخلية، وأخرى عدوانية من الخارج، وسط معركة ربما تنتهي باقتطاع مستقبلي محتمل، لشمال سوريا.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية