هل ينجح مخطط الهجرة الطوعية في إفراغ قطاع غزة من سكانه؟

فلسطين

هل ينجح مخطط الهجرة الطوعية في إفراغ قطاع غزة من سكانه؟


03/09/2019

بعد ثلاثة عشر عاماً من حصار قاسٍ، ضيّق فيه الاحتلال الإسرائيلي على سكان قطاع غزة في أشكال الحياة كافة، ودمّر قطاعات حيوية واسعة فيها، إما بالقصف والتدمير، أو بتجفيف المنابع والحصار الاقتصادي، حتى أصبح نصف شباب القطاع فقراء. وبالتزامن مع قرب طرح صفقة القرن يستعد الاحتلال لفتح مطاراته للسفر أمام الغزيين، ولكن ذهاباً دون عودة.

تيسير محيسن: دعوة حكومة الاحتلال بتمكين شباب القطاع من الهجرة إلى الخارج سببها أنّ غزة تشكّل أرقاً دائماً لهم

ووافقت "إسرائيل"، على فتح مطار في الجنوب "النقب"؛ لنقل الراغبين بالهجرة من قطاع غزة إذا كانت هناك دولة مستعدة لاستيعابهم، وتوجّهت إلى عدة دول في الشرق الأوسط وخارجه من دول العالم لاستيعابهم. لكن دون إجابة حتى الآن، مشيرةً إلى أنّ 53 ألف فلسطيني هاجر من قطاع غزة خلال 2018.
ووفق مصادر إسرائيلية؛ فإنّ الهجرة الطوعية ستكون لسائر سكان القطاع، سواء من أجل العمل، أو الدراسة، أو الحصول على جنسية، باستثناء العناصر المنتمية إلى حركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي".
فلماذا يسعى الاحتلال الإسرائيلي إلى تهجير سكان قطاع غزة؟ ولماذا تمّ اختيار هذا التوقيت على وجه الخصوص؟ وهل هناك عوامل تساعد الاحتلال على تنفيذ مخطط التهجير الطوعي؟ وهل سينجح الاحتلال من تحقيق أهدافه؟ وهل هذا الإعلان يتساوق مع صفقة القرن؟ وكيف سيواجه الفلسطينيون هذا المخطط؟
هل سينجح الاحتلال في تحقيق أهدافه؟

الظهور بوجه جديد
يقول الكاتب والمحلل السياسي، شفيق التلولي، في حديثه لـ "حفريات": إنّ "الاحتلال الإسرائيلي يحاول الظهور بوجه جديد، ويبين أنّه يريد التخفيف من معاناة سكان قطاع غزة، ومساعدة الشباب للبحث عن سبل أخرى خارج حدود القطاع، والتنسيق مع دول غربية وعربية لاستيعاب المهاجرين من القطاع، وتسهيل سفرهم بواسطة المطارات الإسرائيلية، وسيتم منح المواطن الغزي جنسية الدولة التي هاجر إليها".

اقرأ أيضاً: تدوير المناصب الحكومية في غزة.. حماس تعزز الانقسام
ويضيف: "حكومة الاحتلال الإسرائيلية تتساوق مع الولايات المتحدة الأمريكية التي تريد تنفيذ صفقة القرن، وبالتالي هي تحاول عزل قطاع غزة عن المنظومة الوطنية الفلسطينية، وإشغال الكلّ الفلسطيني فقط بقضية غزة، في هذا التوقيت على وجه الخصوص، بالتزامن مع الإجراءات التعسفية بمدينة القدس المحتلة، ولفت الأنظار عمّا يجري بالمدينة المقدسة، ومحاولة إفراغ الأراضي الفلسطينية من سكانها عبر التغرير بترحيل شبابها إلى الخارج، ومنحهم تذكرة سفر لمرة واحدة".
تلك المحاولات "لن تؤثر في الشبان الفلسطينيين، ولن يغرَّر بهم؛ بسبب الوطنية العالية التي يتمتع بها الشاب في قطاع غزة، وإن كان الوضع مأساوياً في القطاع؛ إلا أنّ الشعب الفلسطيني لن يتساوق مع مثل هذه المشاريع، التي تسعى لتصفية القضية الفلسطينية".

إنهاء قضية اللاجئين
ويلفت التلولي إلى أنّ هذا المشروع من المشاريع التي يتم طرحها من قبل الاحتلال الإسرائيلي، والولايات المتحدة الأمريكية، والتي من شأنها إنهاء قضية اللاجئين الفلسطينيين، وتوطينهم في أراضٍ خارج حدود فلسطين.
وينوه التلولي إلى أنّه في حال تم التجاوب مع هذه الخطة؛ فإنّ المخططات الإسرائيلية سوف تنجح في إفراغ الأراضي الفلسطينية من سكانها الأصليين، وتسهيل عملية السيطرة عليها، وشطب قضية اللاجئين، فهم يريدون تحويل القضية الفلسطينية إلى قضية إنسانية".

اقرأ أيضاً: ..وقطاع غزة أيضاً يضيق باللاجئين السوريين
ويردف قائلاً: "كلّ ما يجري في قطاع غزة؛ من حصار خانق، وثلاث حروب متتالية، والانقسام بين حركتي فتح وحماس، ذلك كان مقدمة لتمرير مثل تلك الصفقات، كي يتم التسويق لأنّ غزة منطقة غير صالحة للعيش الآدمي، وأنهم يرمون بطوق النجاة لسكان القطاع، للقيام بحملة ترحيل جديدة في المنطقة، من شأنها إشغال سكان القطاع في الأمر الإنساني، بعيداً عن القضية الوطنية".

يستغل الاحتلال الإسرائيلي الظروف الاقتصادية التي يعاني منها قطاع غزة

حالة إزعاج
وفي السياق ذاته، يقول الخبير في الشأن الإسرائيلي، تيسير محيسن، لـ "حفريات": إنّ "دعوة وزراء حكومة الاحتلال الإسرائيلي بتمكين شباب قطاع غزة بالهجرة إلى الخارج؛ لأنّ غزة تشكّل أرقاً دائماً لهم، وهم عاجزون عن إيجاد طريقة للتعامل مع قطاع غزة، خاصة بعد تكرار تسلل الشبان الفلسطينيين بشكل فرديّ وتنفيذ عمليات أُطلق عليها "العمليات الفردية"، وأنّها غير منظمة، فالقطاع يمثل حالة إزعاج متنامية "لإسرائيل"؛ مع استمرار الحصار، وعدم وجود أفق سياسي".

اقرأ أيضاً: محللون فلسطينيون يكشفون أهداف الأموال القطرية في قطاع غزة
ويعتقد أنّ المعضلة الأساسية التي تواجه الاحتلال الإسرائيلي "هي الديمغرافيا، فلديهم قناعة بأنّ الأرض لهم، ولا يمكن أن تحتمل شعبين، وأن أرض فلسطين التاريخية للشعب اليهودي فقط، ومن المستحيل أن يشاركهم أحد بها، لذلك تبذل حكومة الاحتلال كلّ ما بوسعها، لإسقاط حقّ اللاجئين، وبقائها على الأرض التي احتلتها قبل ما يزيد عن 70 عاماً".
ويستغل الاحتلال الإسرائيلي الظروف الاقتصادية التي يعاني منها قطاع غزة، وقلة فرص العمل وارتفاع معدلات البطالة، "لذلك في حال تمّ تطبيق التسهيلات؛ فإنّ هناك أعداداً كبيرة من الشباب سوف يغادرون قطاع غزة، لتحقيق طموحهم وأحلامهم التي عجزوا على تحقيقها في وطنهم، نتيجة الظروف الحياتية التي يعانون منها".
لا يمكن إلغاء الانتماء الفلسطيني
ويبيّن محيسن؛ أنّه رغم خطورة تلك الخطوة، وانعكاساتها السلبية، إلا أنّ الاحتلال الإسرائيلي لن يستطيع تحقيق مبتغاه، بإلغاء الوجود الفلسطيني، وذلك لأنّ الفلسطينيين، أينما وجدوا، سواء كانوا لاجئين أو مهاجرين، لديهم ارتباط أدبي وتاريخي وعقائدي، بقضيتهم العادلة، لا يمكن للحدود والمسافات أن تلغيه.

شفيق التلولي: الاحتلال الإسرائيلي يحاول الظهور بوجه جديد ويبيّن أنّه يريد التخفيف من معاناة سكان قطاع غزة

ويؤكّد أنّ الزيادة السكانية لدى العرب تقدر بثلاثة أضعاف الزيادة السكانية لدى اليهود؛ بمعنى أنّ الأسرة الفلسطينية تنجب ثلاثة أطفال مقابل طفل واحد تنجبه الأسرة اليهودية، لذلك لن يتمكن الاحتلال الإسرائيلي من تحقيق هدف تقليص حجم الفلسطينيين بأيّة طريقة كانت".
ويلفت إلى أنّ السلطة الفلسطينية لم تتمكن من منع الاحتلال الإسرائيلي من تنفيذ مخطط "تسهيل هجرة سكان قطاع غزة"، ولا توجد لديها أية أدوات لوقف هذا المخطط، أو أيّة مخططات أخرى تحاك ضدّ القضية الفلسطينية؛ لأنّ المجتمع الدولي يتعاطى مع دولة الاحتلال.
وبحسب محيسن؛ فإنّ الاحتلال الإسرائيلي قد يلجأ للتعاون مع بعض الدول الخارجية، التي توجد بينه وبينها علاقات دبلوماسية، لتساهم بفتح أبوابها وتسهيل عملية هجرة الفلسطينيين، وتثبيت وجودهم لديها.
حملات ترحيل من شأنها إشغال سكان القطاع في الأمر الإنساني بعيداً عن القضية الوطنية

تفكيك الأزمات
ويرى محيسن؛ أنّ المواجهة ممكنة من خلال تفكيك الأزمات الداخلية التي يواجهها الشارع الفلسطيني، والحدّ من نسبة البطالة التي ارتفعت بشكل غير ملحوظ بين أوساط الخريجين خلال الأعوام الأخيرة، وإنهاء الانقسام الفلسطيني الذي ألقى بظلاله على الشعب الفلسطيني، وقطاع غزة على وجه الخصوص، إضافة إلى تثقيف الشباب الفلسطيني بصورة صحيحة.

اقرأ أيضاً: حماس في غزة: محصلة 11 عاماً من الهيمنة
ورصدت "حفريات" آراء الشارع الفلسطيني في قطاع غزة، بعد إعلان حكومة الاحتلال الإسرائيلي نيتها فتح باب الهجرة الطوعية لسكان القطاع؛ إذ يقول الشاب مهند تايه (28 عاماً)، لـ "حفريات": "منذ ثلاثة عشر عاماً ونحن نعاني الويلات، فلم أجد فرصة عمل بعد تخرجي من الجامعة، ولم أستطع الزواج، أو شراء منزل أسكن به؛ لذلك سوف أكون من أول الأشخاص الذين يغادرون من القطاع دون عودة".
أما عبد الرحمن نور الدين (26 عاماً)، فهو يخالف رأي سابقه، ويرى أنّ هذه الخطوة تسعى للقضاء على القضية الفلسطينية و"دسّ السمّ بالعسل"، ويقول لـ "حفريات": "أنا أرفض الخروج من قطاع غزة بهذا الشكل، رغم عدم حصولي على فرصة عمل حتى الآن، إلّا أنّني لن أسمح للاحتلال الإسرائيلي بأن يستغل ظروفنا الصعبة لتحقيق مخططاته".
أوضاع مأساوية
سامي نوح (30 عاماً)، غادر قطاع غزة قبل أقل من عام، متجهاً إلى إحدى الدول الأوروبية، يقول لـ "حفريات": "بعد خروجي من القطاع ظننت أني ولدت من جديد، وأنّ "طاقة القدر فُتحت لي"، كما يقولون، ولكنّ العكس كان صحيحاً، فالفلسطيني غير مرحَّب به في دول اللجوء، ونعيش أوضعاً مأساوية، وفرص العمل نادرة، كما هو الحال في غزة، وأنا أسعى للعودة إلى القطاع في أقرب وقت".

اقرأ أيضاً: 150 عائلة في غزة تفتقد الشهداء الراحلين: رمضان أقسى الشهور
ووجه الشاب المغترب رسالة إلى الشبان الذين فرحوا فرحاً شديداً فور سماعهم نبأ الإعلان عن فتح باب الهجرة الطوعية، بأن يقللوا من سقف توقعاتهم، وأن يعيدوا التفكير ألف مرة قبل الخروج من القطاع.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية