هل نجح زعيم حركة النهضة الإخوانية بالظهور بصورة المدني المولع بالثقافة؟

هل نجح زعيم حركة النهضة الإخوانية بالظهور بصورة المدني المولع بالثقافة؟


05/10/2019

بعد فشل جماعته في الدور الأوّل من الانتخابات الرئاسية التي شهدتها البلاد منتصف أيلول (سبتمبر) الماضي، دخل زعيم حركة النّهضة الإسلامية، الشريكة الأولى في حكم تونس، في دوّامةٍ من الذعر والارتباك اللذين طبعا كل أنشطته خلال الأسبوعيْن الأخيرين، بعد أن بذل قصارى جهده في الاستفادة من الجو الشعبوي، الذي ساد البلاد منذ انطلاق العملية الانتخابية الشهر الماضي.

اقرأ أيضاً: أسرار حركة النهضة وجناحها السري في كتاب "سنوات الجمر"

حملة الانتخابات البرلمانية، المقرّر إجراؤها غداً الأحد، كشفت وجهاً جديداً للإسلامي المحافظ الغنّوشي، قد يكون، وفقاً لمراقبين، قناعاً مؤقتاً، تنتهي صلاحيته بانتهاء فترة الحملة الانتخابية، خاصّةً أنّه بات يظهر في صورٍ، مألوفةٍ بالنسبة لباقي السياسيين، لكنّها دخيلة على شخصيته، كتعمّده الظهور مع كبار السنّ والفقراء، وهو يغمرهم بعطفٍ وحنانٍ لم يعتادوه من قبل، ليبقى ظهوره الأخير في حفلٍ غنائي خاصّ،  يقال إنّه اُقيم على شرفه، وهو يتوسّط بعض النجمات التونسيات كوردة الغضبان، ونوال غشّام ونجمة "ذو فويس" نهى رحيم، وسط حضور قياداتٍ بارزةٍ من الحركة، بمثابة الصدمة التي تهزّ المشهد السياسي، وتغضب أنصاره.

"شعبوية" راشد الغنّوشي تغضب "أبناءه"

كما تداول نشطاء وسائل التواصل الاجتماعي فيديو يظهر فيه الغنوشي وهو يردّد مع الفنانات الحاضرات، وقيادات حركته، أغنية "بكتب اسمك يا بلادي"، بأحد المنازل الراقية، وهي أغنية وطنية من تأليف وألحان الفنان اللبناني إيلي شويري، ما هزّ صورته لدى أنصاره، وأثار ردود فعلٍ سلبية لدى المتابعين للمشهد التونسي، الذين انتقدوا هذا الظهور لزعيم الحركة الإسلامية الذي بدا أن خطابه ومواقفه فيها ما فيها من ازدواجية وتناقض.

اقرأ أيضاً: ازدواجية الخطاب تُدخل النهضة في أزمة هوية تهدد مستقبلها

وانهالت الانتقادات على الحركة، بين من اعتبر أنّ الحفل يدخل في إطار محاولة "تبييض" صورة "النهضة" ضمن حملة الانتخابات البرلمانية، وبين من يرى أنّ تسريب هذه الصور والفيديو، جزءٌ من خفايا الحركة الإسلامية التي تسعى للظهور في صورة، الحارس للدين والهوية.

من جانبه؛ سارع الغنّوشي إلى تطويق الموقف، وإصدار توضيح على صفحته الرسمية بموقع "فيسبوك"، كشف حقيقة نواياه؛ إذ أكّد أنّ الحفل بدعوةٍ من أحد رجال الأعمال، وأنّها مجرّد أمسية حوارية لعددٍ من المثقفين، والفنانين من مختلف المجالات، وبحضور كل من رئيس المكتب الثقافي المركزي بالحركة، عجمي الوريمي، ورئيسة بلدية تونس شيخة المدينة، سعاد عبد الرحيم، وبعض القيادات الأخرى.

تسريب هذه الصور والفيديو كما يرى البعض جزء من خفايا الحركة الإسلامية التي تسعى للظهور في صورة الحارس للدين والهوية

وأشار إلى أنّ الأمسية الحوارية تناولت مختلف القضايا المتصلة بالوضع العام في البلاد، بينها إنجاح الاستحقاقات الانتخابية في تونس، والدور المأمول من حركة النهضة في النهوض بقطاع الثقافة، والفنون وإدخال التشريعات القانونية الكفيلة بتنظيم القطاع الثقافي، وحماية حقوق الفنانين المادية والأدبية والاجتماعية، وما اعتبرها "الحاجة إلى تحقيق نقلة نوعية فنية ترتقي بالذوق العام بما يتماشى مع أهداف الثورة وتطلعات الشعب التونسي نحو الإصلاح والتغيير نحو الأحسن".

هذه الصور اعتبرها المحلل السياسي، محمّد بوعود، ضربةً انتخابيةً لرئيس النّهضة الذي ألف كتباً في الفقه، وأصول الدين، وهي محاولةً لإظهاره في صورة المولع بالثقافة، استعداداً للدخول للبرلمان، أو "حتّى لرئاسته"، ويعتقد بوعود، في تصريحه لـ"حفريات"، أنّ هذه الصور فشلت في إظهار هذه الصورة؛ لأنّ التفكير العام في تونس لا يقبل مثل هذه المشاهد، خاصّةً أنّ الرجل يرأس حركةً إسلاميةً معروفةً بمحافظتها.

بوعود: الصور ضربة انتخابية للغنوشي الذي ألف كتباً في الفقه وهي محاولةً لإظهاره في صورة المولع بالثقافة استعداداً للانتخابات

وأضاف بوعود أنّه في حال كانت الحركة هي من تعمّدت تسريب مثل هذه الصور التي أثارت ضجّةً على مواقع التواصل الاجتماعي، فإنّها فشلت في إظهار زعيمها في صورة المدني والحداثي، لكنّها لن تغيّر المسار الانتخابي والسياسي.

"النّهضة" وازدواجية الخطاب

الغنّوشي الذي مُني مرشّحه للرئاسة، عبدالفتاح مورو، بخسارة قاسية، وغادر السباق الرئاسي من دوره الأوّل، عاد لاستمالة قاعدة مؤيّديه بعد أن خيب آمال الإسلاميين، بالتوافق مع العلمانيين، والسعي لخلع صفة الإسلامي عنه، عبر العودة إلى جلباب الأيديولوجيا التي خرج منها، والتنصّل من شركائه السابقين، وتحميلهم مسؤولية ما آلت إليه تونس في السنوات التسع الماضية من تدهورٍ اجتماعي واقتتصادي وسياسي، متناسياً بعض الأفكار، والمفردات، والسلوكات، الدخيلة على المجتمع التونسي؛ كالإرهاب، والسفر إلى بؤر التوتّر للقتال، والتكفير، ...، وسعى الغنّوشي طوال الفترة التي امتدّت بين 2014، و2019 إلى إثبات براءة حركته من كلّ التهم المنسوبة إليها، بالتورّط في الاغتيالات السياسية، وتكوين جهازٍ سرٍّي لغاياتٍ إجرامية، متستّراً بشراكته مع حزب نداء تونس العلماني، الذي اعترف لاحقاً بالتسبّب في تفتيته، وإضعافه، حتّى بات مجرّد شقوق حزبية متخاصمة.

اقرأ أيضاً: "كاميرا خفية" تكشف حقيقة موقف قادة حركة النهضة من الكيان الصهيوني

وبدخول الحملة الانتخابية للاستحقاق التشريعي، وخوفاً من فقدان سيطرته على البرلمان، سارع الغنّوشي إلى العودة إلى مغازلة الإسلاميين، والعودة بحزبه إلى النقطة التي انطلق منها عام 2011، لكنّه ظلّ في منزلةٍ بين المنزلتين، لا هو إسلامي كامل الشروط، ولا هو مدني يحترم طبيعة المجتمع.

العمري: زعيم النّهضة يسعى للتصالح مع السائد في المجتمع التونسي ودرء شبهة أنّ الحركة لا تؤمن بالفنّ

تعليقاً على ذلك، اعتبر الأستاذ في العلوم السياسية، إبراهيم العمري، أنّ زعيم النّهضة يسعى إلى بعث رسائل موجّهة، للشعب التونسي، في إطار حملته الانتخابية، يريد أن يؤكّد من خلالها أنّه منفتحٌ على الفنّ، وعلى كلّ الأشكال الثقافية، وهي محاولة للتصالح مع السائد في المجتمع التونسي، ودرءٌ لشبهة أنّ الحركة لا تؤمن بالفنّ.

وقال العمري، في حديثه لـ"حفريات"، إنّ هذه الرسائل موجّهة للفئة المرتبطة بالثقافة، للتأكيد على أنّ حزب النهضة الإسلامي سيكفل الحريّات، وأنّه سيتعامل مع كافّة فئات المجتمع، في ظلّ انخرام المشهد السياسي، وتراجع دور الأحزاب السياسية التقليدية، لصالح مجموعاتٍ أخرى ناشطة خارج الأحزاب، وتطلق على نفسها صفة المستقلة.

الغنوشي يريد أن يظهر بصورة المدافع عن الفن وفق مختصين يعتبرونها مناورة

الغنّوشي في ثوب جديد بنسخة مكرّرة

حركة النّهضة تسعى إلى إقناع التونسيين تارةً بأنّها تغيّرت وأصبحت مدنيّة وتحمي الحقوق والحريّات، وتارةً أنّها مازالت وصيّةً على الإسلام، وعلى الهويّة الإسلاميّة، في مجتمعٍ حداثي، فهي التي اختارت شعار "حان وقت التغيير"، بعد أن ظلت تسع سنواتٍ تقتسم السلطة مع النخبة السياسية العلمانية، وشاركت في التسبّب في كلّ أزمات تونس.

من جانبه، يسعى الغنّوشي إلى أن يكون نسخة مكرّرة من المرشّح الرئاسي نبيل القروي، عبر تعمّد التقاط صور مع كبار السنّ وتقبيلهم، وأخذ "سلفيات" مع الشباب، والتربيت على أكتافهم، والحديث إلى النسوة ومصافحتهن، فيما يسعى أحياناً أخرى إلى تقليد المرشّح الثاني للرئاسة قيس سعيّد عبر الالتقاء بأنصاره في المقاهي الشعبيّة، مع تعمّد عدم الإسراف في الاستهلاك، تماماً كما فعل سعيّد خلال حملته.

انهالت الانتقادات على الحركة واعتبر البعض أنّ الحفل يدخل في إطار محاولة تبييض صورة النهضة ضمن حملة الانتخابات البرلمانية

ويرى رئيس المعهد المغاربي للدراسات الإستراتيجية، الطاهر شقروش، في تصريحه لـ"حفريات"، أنّ الخسارة التي تلقتها النهضة، دفعت الغنّوشي إلى التعديل من مواقفه؛ حيث سارع إلى مساندة المرشّح الرئاسي قيس سعيّد، رغم أنّه لم يعره أيّ اهتمامٍ سابقاً، ثم عاد فجأةً لرفع شعارات الثورة، ويؤكّد على تنصّله من تحالفاته السابقة، من أجل استرجاع شباب النّهضة الغاضب.

شقروش: الغنوشي يجمع بين المتناقضات فهو يسعى لإرضاء شباب الحركة الغاضب بالعودة لمبادئ الحزب الأولى وبالوقت نفسه يريد  استقطاب مناصرين جدد

ولفت شقروش إلى أنّ الغنّوشي غيّر في مظهره، وانتقل من اللباس المتديّن، إلى البدلة، وربطة العنق، مشدّداً على أنّه بات يجمع بين المتناقضات؛ فهو يسعى من جهةٍ إلى إرضاء شباب الحركة الغاضب، بالعودة إلى مبادئ الحزب الأولى، وإلى استقطاب مناصرين جدد عبر إقناعهم بأنّه حداثي منفتح على الحضارات، ومواكب لمستجدّات العصر.

وأكّد رئيس المعهد المغاربي للدراسات الإستراتيجية أنّ أنشطة الغنّوشي الأخيرة، تترجم حالة الارتباك والخوف، وعدم الثقة في النفس، نتيجة إخفاقهم في إقناع التونسيين بمرشّحهم الرئاسي عبد الفتاح مورو.

وكان الحزب قد احتضن قيس سعيّد، أستاذ القانون المنتمي للتيار المحافظ الذي حصل، وهو مرشح مستقل، على أعلى الأصوات في انتخابات الرئاسة، وأعلن تأييده له رسمياً في جولة الانتخابات الثانية التي تجري في 13 تشرين الأول (أكتوبر) الحالي.

 

 

 

 

الصفحة الرئيسية