تعرف على أبرز الأفلام المصرية التي عالجت إشكاليات عصر الانفتاح

السينما المصرية

تعرف على أبرز الأفلام المصرية التي عالجت إشكاليات عصر الانفتاح


26/11/2018

كانت مصر، منذ مطلع السبعينيات من القرن الماضي، شاهدة على تحول حاد، ما بين عصر الثورة، والوحدة، والاشتراكية، وسياسات العدالة الاجتماعية، وقوانين الإصلاح الاقتصادي، التي تميّز بها العهد الناصري، إلى السياسات الرأسمالية، والليبرالية الاقتصادية، التي تبنّاها الرئيس السادات، وما انتهت إليه من تراجع مؤسسات الدولة وتمكين القطاع الخاص، وإغراق السوق بالبضائع المستوردة، وانتشار العلامات التجارية الأجنبية، وما رافقها على المستوى السياسي من الاتجاه نحو المعسكر الرأسمالي والولايات المتحدة، وتوقيع اتفاق السلام مع "إسرائيل"، ومواجهة التيارات اليسارية، ودعم الإسلاميين.

اقرأ أيضاً: أشهر أفلام عالجت صراعات الصحافة والسياسة
لم يتوقف الأمر عند مستويات السياسية والاقتصاد، بل رافق ذلك تغيرات شديدة على المستوى الاجتماعي، بتغير القيم السائدة وبروز طبقات جديدة من رجال الأعمال ومن تمكنوا من تحقيق ثراء سريع مستغلين هذه الأجواء، إلى اختفاء وتراجع الطبقات الوسطى وتوسع الفقر، وخلال عقد الثمانينيات ظهرت مجموعة من الأفلام الجادة في السينما المصرية، التي سعت لتقديم معالجات درامية سياسية-اجتماعية متعمقة، ذات طابع نقدي لهذه التحولات التي أصابت المجتمع المصري، وتعرض "حفريات" أبرز هذه الأعمال.
سواق الأتوبيس: انهيار قيمي شامل
عُرض فيلم "سواق الأتوبيس" في العام 1982، مع بداية عهد الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، وقد حاول فيه المؤلف محمد خان، والمخرج عاطف الطيب، التعبير عمّا انتهى إليه حال المجتمع المصري بعد التحولات السياسية والاقتصادية التي شهدتها البلاد في عهد الرئيس المصري الراحل أنور السادات. بطل الفيلم هو "حسن" (نور الشريف)، الذي يقضي نهاره وليله سائقاً للحافلة (الأتوبيس)، وسيارة التاكسي، التي اشترتها له زوجته ميرفت (ميرفت أمين)، وهي التي تزوجها عن حب واختارت الزواج منه على الرغم من رفض والدتها، بسبب الفارق الطبقي بينهما.

مثلت بعض الأفلام شهادة تاريخية على سلسلة التحولات التي شهدها المجتمع المصري في عصر الانفتاح

يبدأ الفيلم بمشهد استيقاظ حسن وخروجه للعمل باكراً، ثم يأتي مشهد سرقة أحد النشالين لامرأة في الباص الذي يقوده حسن، ومن ثم فراره، يحاول حسن التوقف، ولكنه سرعان ما يواصل مسيره، بعد انطلاق أبواق السيارات من خلفه، يتحرك مع إبداء قدر من اللامبالاة بالحادثة، ويواصل قيادته كتعبير عن حالة من اليأس مما وصل له الحال. ولكن ردة فعل حسن تنقلب تماماً في المشهد الختامي، حين يتكرر ذات مشهد السرقة، ولكن هذه المرة ينزل حسن من الحافلة ويلحق بالسارق إلى أن يواجهه وينهال عليه بالضرب، بكل غلّ، بما يطرح تساؤلاً عن الذي جرى من أحداث بين المشهدين وأدى لهذا التحوّل والانقلاب؟

الفنان نور الشريف في مشهد من فيلم "سواق الأوتوبيس"

ضمن أحداث الفيلم يتم التعرف على حسن منذ طرده من ورشة النجارة التي يمتلكها والده، بسبب وشاية وتأليب من عوني (حسن حسني)، زوج أخته، يذهب حسن لأداء الخدمة العسكرية، ويخوض أربع حروب، من حرب اليمن، إلى حرب 67، إلى حرب الاستنزاف، إلى حرب 73، فتُصقل شخصيته، ويشتد عُوده هناك، ويتعرف على خيرة الرفاق. بعد العودة، يتزوج من ميرفت، الفتاة التي أحبها، رغم الفوارق الطبقية ورفض أمها، التي تتحول إلى غريم وعدوّ دائم له.

اقرأ أيضاً: 7 أفلام اشتبكت مع قضايا المرأة في مصر
تتصاعد الأحداث في الفيلم مع خبر تراكم ضرائب متأخرة على ورشة الوالد، بسبب سياسة عوني الذي كان مسؤولاً عن إدارة أمورها المالية، باتت الورشة عرضة للحجز والبيع في حال عدم السداد، ما يؤدي لتدهور حال الوالد، وجلوسه في المنزل في حيرة من أمره، وقلق شديد على مصير مصدر رزقه الذي قضى عمره في تأسيسه والنهوض به.

يواجه حسن في "سواق الأتوبيس" السارق ويوجه له أشدّ اللكمات وكأنه يوجهها للمجتمع الذي انهارت قيَمُه

يحاول حسن مساعدة والده (عماد حمدي)، فيلجأ إلى أزواج أخواته، الذين تمكن كُلّ واحد منهم من جني ثروة بشكل سريع خلال الأعوام الأخيرة، بسبب التحوّل نحو سياسات الانفتاح والسوق المفتوح، وما رافق ذلك من تسهيل للاستيراد، ولكنهم يشتركون جميعاً أيضاً بالأنانية والشحّ، وعدم إقدامهم على تقديم أي مساعدة وعون، فيردّ كلّ منهم حسن خائباً في مسعاه.
في تلك الأثناء، تقرّر ميرفت المباشرة بتعلّم اللغة الإنجليزية، في المعهد البريطاني، بعدما عَرَض عليها "مالك" - ابن خالتها - فرصة العمل في شركة دولية، تبحث عن موظفين تشترط فيهم إجادة الحديث بالإنجليزية، وهو الشرط الذي يبدو أنه سيصبح أحد متطلبات الوظائف المرموقة في العصر الجديد. تؤكد ميرفت أنّ هذه الخطوة هي لمساعدته، بينما لا يرى فيها حسن إلا تأكيداً على صعوبة حاله، ومحاولة منها للصعود الطبقي، وتعبيراً عن عدم الرضا والتقبل لواقع المعيشة معه، وما يزيد من غضبه أنّها أتت عن طريق مالك، ابن خالتها، الذي عاد من الخارج، ويعتزم فتح مشروع تجاري في مصر، مستفيداً من المناخ الجديد، ولا تنفك والدة ميرفت عن ترديد عبارة "مالك ابن خالتك هو اللي كان يستحقك" على مسامعها، تعبيراً عن رفضها الدائم لزواجها من حسن، بسبب الفارق الطبقي.

اقرأ أيضاً: واقع الحشيش وصور الحشاشين في السينما المصرية .. أشهر الأفلام
تتواصل أزمة الورشة، ويصل الحال إلى أن يأتي "أبو عميرة"، الرجل المسنّ، وتاجر المخدرات السابق، للتقدم لـ"كوثر"، شقيقة حسن، التي ما تزال على مقاعد الدراسة، ويعتبر مهرها هو مجموع الضرائب المتراكمة على الورشة، يرفض الوالد العرض، في محاولة منه للتمسك بالقيم والمبادئ، لكن شدّة الحال تجعله يعاود التفكير، ويصل الأمر إلى أنّ تقتنع كوثر نفسها بالزواج منه، بعدما كانت ترفض ذلك رفضاً قاطعاً، في مشهد معبّر عن الانهيار القيمي التام في مقابل اكتساح المادة. 
تتقطع جميع السبل، ويقرر حسن بيع سيارة التاكسي، التي كانت ميرفت قد اشترتها من ثمن صيغتها، وعند سماعها هذا القرار، تتأثر بالضغط المتراكم من والدتها، وتطلب الطلاق في حال تمّ ذلك، وهو ما يقوم به حسن فعلاً، على الرغم من قراره بعدم بيع السيارة، ولكنّه لم يعد يحتمل أي ضغوطات قائمة على فرق الطبقة والحالة الاجتماعية.

اقرأ أيضاً: 10 أفلام رصدت وجوه الحياة خارج كوكب الأرض
في النهاية لا يتمكن حسن من جمع المبلغ إلّا بعد مساعدة رفاق السلاح السابقين، في مشهد معبّر عن كونهم الوحيدين الذين حافظوا على قيمة العلاقات بعيداً عن قيم المادة التي سيطرت على كل شيء، فيتوجه حسن إلى المنزل مُبشراً، ولكن الأوان يكون قد فات، مع سماع أصوات العويل على إثر وفاة الوالد. يلي ذلك المشهد الختامي، حين تتكرر حادثة السرقة، وتأتي ردة فعل حسن الغاضبة، فيواجه السارق، ويوجه له أشدّ اللكمات (وتظهر في الخلفية موسيقى النشيد الوطني المصري)، وكأنّه يوجهها للمجتمع الذي انهارت قيَمُه مقابل السعي وراء المادّة.

في نهاية الفيلم يواجه حسن السارق ويوجه له اللكمات بكلّ غلّ

أهل القمة: بين كبار اللصوص وصغارهم
قبل ذلك بعام ظهر فيلم "أهل القمة"؛ أي في العام 1981، الذي صادف السنة الأخيرة من حكم السادات، الذي أعطى فيه موافقته على عرض هذا العمل بعد قرار سابق للرقابة بمنعه، وهو من إخراج علي بدرخان، ومأخوذ عن قصة قصيرة بالاسم نفسه لنجيب محفوظ.
بطل الفيلم هو النشّال "زعتر النوري" (ويقوم بأداء دوره نور الشريف)، الذي يتمكن من تحقيق صعود طبقي سريع ومفاجئ، بعد تركه لمهنة "النشل" واحترافه لتهريب البضائع، مستفيداً - كغيره - من تضاعف حركة الاستيراد من الخارج، التي تميز بها عصر الانفتاح، وليصبح بذلك رجل الأعمال والتاجر المحترم صاحب الاسم "محمد زغلول"، اسمه الجديد.

اقرأ أيضاً: 10 أفلام أشعلت حرائق الحب في قلوب العشاق
يعتمد زعتر في صعوده على "زغلول رأفت" أو "زغلول بيه" (عمر الحريري)، صاحب الشركة التجارية البارزة، التي تمتلك صورة ناصعة ظاهرياً، ولكنها في الحقيقة قائمة على التهريب، حيث يحرص زغلول على تلميع صورة الشركة باستمرار، فنجده في أحد المشاهد يوقع على شيك مخصص للتبرع للجمعيات الخيرية، ولكنه في ذات الوقت يشتري ذمم الضباط في الأمن والجمارك.

لقطة من فيلم "أهل القمة"

وبين مجتمع اللصوص الصغار، ومجتمع كبار اللصوص، تظهر الشخصية الحائرة بينهما، شخصية الضابط النزيه "محمد فوزي" (عزت العلايلي)، الذي يشقى في عمله، ولا يجد الراحة في بيته، بسبب ضيق الحال، خصوصاً مع استضافته لشقيقته الأرملة، وابنتها الشابة "سهام" (سعاد حسني)، التي عجزت عن إكمال تعليمها، وتعمل في "السنترال" (مركز إجراء الاتصالات المحلية والدولية) براتب متواضع، يمثل هذا الضابط  وعائلته حال الطبقة الوسطى في العصر الجديد، فهم يقفون على حافة الهاوية، مهددين بالسقوط في مهاوي الفقر.
وفي مشهد مُعبّر، تفاجئ سهام حبيبها رفعت، عندما تأتي لتوديعه في المطار وهو على وشك مغادرة البلاد، بعد يأسه من الحال التي وصلت لها، وبعد تبدّد حلم الارتباط بها، بسبب ضيق الحال، يوجز حديث رفعت المشهد: "حَرُوح بعيد.. أدوّر ع مستقبلي، بعيد عن القرف ده كله"، فتجيبه سهام: "ده مش انت يا رفعت، فين كلامك عن المجتمع، وعن الكفاح؟!"، فيردّ: "ده كلام فارغ يا سهام"، في لقطة معبرة عن اليأس التام، ونهاية أحلام الثورة والتغيير الجماعي، والهرب إلى متاهات البحث عن النجاة الفردية.


بمغادرة رفعت، تنتهي قصة حب صادقة، بسبب الظروف الصعبة، ويبدأ مشوار البحث عن العريس الغني، مقتدر الحال، أو كما تقول إحدى زميلات سهام: "لازم الوحدة تدور على العريس اللي يدللها، ويستتها"، في تعبير عن الرغبة في الصعود الطبقي السريع بأي طريق ووسيلة كانت، وهي هنا طريق الزواج من الرجل الثريّ، أما العواطف فتأتي لاحقاً.
واستناداً لهذه القيم والمبادئ الجديدة، يتقدم زعتر لخطبة سهام باعتباره رجلاً من رجال الأعمال. لكن، وبعد خلاف ونزاع وقع بينهما، يسعى زغلول للانتقام منه، فيفضحه عند صديقه الضابط "محمد فوزي"، خال سهام وولي أمرها، تُصاب سهام بالصدمة وتصل للحظة الانفجار، وتصرخ في وجه زعتر: "أنا بكرهك.. وبكره نفسي.. وبكره الدنيا دي كلها"، لكن، زعتر يوضح لها أنّه عازم على التوبة، وأنّ مَن وشى به هو الحرامي الأكبر والأخطر.

اقرأ أيضاً: هجمة تحليلية وأفلام إعلانية تطيح مسلسلات رمضان
وبعد تقدم زغلول لخطبتها، وموافقة خالها، تفاجئه سهام: "زغلول حرامي مغطى.. لكن محمد (زعتر) راجل مكشوف"، وهو ما يشكك به، لكن سرعان ما يتضح ذلك بعد إمساك الجمارك بـ"حُسني"، مساعد زغلول، واعترافه بعمله معه، فيبدأ التحقيق مع زغلول. أثناء التحقيق، يأتي الاتصال من "فوق"، من "شوكت بيه"، يفيد بإنهاء التحقيق مع زغلول بيه، فيستجيب محمد فوزي، قبل أن يتلقى اتصالاً آخر يفيد بنقله من القسم. وهنا يأتي المشهد الختامي، مشهد فرح زعتر وسهام.. يحاول الضابط محمد الممانعة بدايةً، ولكنه يستدرك: "على أي حال.. انته يمكن تطلع أحسن من ناس كتير"، ليتوه بعدها ويختفي بين الجموع في الشارع.

حوار محمد وزعتر في مشهد الفرح الختامي

الغول.. العودة إلى "قانون ساكسونيا"
في العام 1983 عُرض فيلم "الغول"، من إخراج سمير سيف، وتأليف وحيد حامد، وبطولة عادل إمام، وفريد شوقي؛ تدور الأحداث حول صراع يدخل فيه "فهمي الكاشف" (فريد شوقي)، أحد أكبر رجال الأعمال الانفتاحيين، في مواجهة مع الصحفي "عادل عيسى" (عادل إمام)، وذلك بعدما ارتكب "نشأت" ابن فهمي، جريمة قتل مع سبق الإصرار بحقّ "مرسي"، موسيقار البار الذي يداوم عادل على الجلوس فيه، وذلك بعد رفض "فادية"، الراقصة المرافقة لمرسي، المبيت في شقة نشأت، وفرارهما منه، فلحقهما بسيارته وصدمهما قبل أن يلوذ بالفرار، ما أدى إلى مقتل مرسي وإصابة فادية إصابة بالغة.

يخوض عادل في "الغول" صراعاً مع رجل الأعمال فهمي الذي يريد أن يضع لحياة الإنسان سعراً محدداً

قبل الحادثة تواجد الثلاثة في البار، وقد شاهدهم عادل يخرجون معاً قاصدين الشقة، وعند وقوع الحادث، اتجه عادل إلى الموقع، وتعرف على مرسي، وأدرك أن القاتل هو نشأت، وهنا يقرر عادل أن لا تمرّ هذه الجريمة دون توجيه تهمة القتل للقاتل، وأن لا يتم الاكتفاء بتقييد حادث ضد مجهول، ويبدأ بالتوجه نحو قسم الشرطة.
يعتبر فهمي القضية خطراً على سمعته الشخصية، التي هي أهم شيء في عالم الأعمال والتجارة، فيحاول بكل طرقه وأساليبه إسقاط التهمة عن ابنه، من الاستعانة بالمال لإسكات عادل، وزوجة مرسي، إلى خطف فادية من المستشفى، إلى اللجوء إلى فريق خبراء القانون في شركته، ويصل حتى إلى استخدام "البلطجية". في المقابل، يستعين عادل بصديقه حسين (صلاح السعدني) وكيل النيابة، ويصل إلى ابنة فهمي من زوجته القديمة "مشيرة" (نيللي)، وهي مذيعة التلفاز الشهيرة، التي يتقرب منها ويتمكن من كسبها إلى جانبه في المعركة، وذلك بعد شرحه لها حيثيات القضية وأبعادها، حيث سألته عن غايته وسبب استماتته في كشف ملابساتها، فأجاب: "التمن بقى محدد ومعروف.. خمسين ألف جنيه سعر البني آدم، في مزاد فهمي الكاشف.. يا بلاش"، هذا هو العصر الجديد كما يقدمه الفيلم، إنه عصر رجال الأعمال الانفتاحيين، الذين بإمكانهم شراء كل شيء، حتى حياة الإنسان، وهذا هو ما يخوض عادل معركته لأجل منعه.

يتمكن عادل من كسب مشيرة إلى جانبه في المواجهة مع والدها

يصل الفيلم إلى ذروته في مشهد حواري بين عادل وحسين، حين يكشف عادل عمّا تعنيه القضية: "فهمي الكاشف عايز يحيي "قانون ساكسونيا" من جديد (وهو قانون يوضح أنه كان سائداً في إحدى المقاطعات الألمانية في العصور الوسطى).. عايز يعمل ناس من دهب وناس من طين، الأغنياء ليهم قيمة والفقراء مالهومش".

اقرأ أيضاً: 5 أمراض نفسية جسدتها السينما وعكست مخاوف المبدعين وهواجسهم
في النهاية، لا يستطيع عادل الصمود أمام "الغول" فهمي، وتحكم المحكمة ببراءة "نشأت"، ما يؤدي إلى إصابته باليأس والإحباط والشعور بعدم جدوى الحياة بعد هذا الحكم، فيقرر تنفيذ حكم الإعدام فى هذا "الغول" بنفسه، وينتهى الفيلم بمشهد سقوط فهمي صريعاً مضرجاً بالدماء، بفعل ضربات "بلطة" عادل.

مواجهة عادل لفهمي في المشهد الختامي قبل أن يشرع في قتله

زمن حاتم زهران.. تباشير العصر الجديد
في العام 1987، عُرض فيلم "زمن حاتم زهران"، للمخرج محمد النجّار، الذي تدور أحداثه حول "حاتم زهران" (نور الشريف)، العائد من الولايات المتحدة مباشرة عقب انتهاء حرب "أكتوبر 1973"، بعد غياب 7 أعوام، ويُمثّل شخصية الرأسمالي الانفتاحي، الواعي لأصول الكسب والربح السريع في الزمن الجديد. يؤكد حاتم باستمرار في حديثه على أنّ المهم هي المصلحة وتحقيق الربح، وهو يقف بصرامة ضد المبادئ والمثاليات التي كان يتشدق بها الجيل السابق (جيل الهزيمة)، من الاشتراكية، والوحدة، والعدالة الاجتماعية؛ نموذج "حاتم" هنا هو تعبير عن بروز قيم ومبادئ جديدة مصاحبة لحلول العصر الجديد، عصر الانفتاح.

يمثل حاتم نموذجاً للقيم والمبادئ في العصر الجديد عصر الانفتاح

لم يُعد حاتم إلا بعد استشهاد أخيه يحيى، فقد كان هارباً من التجنيد، في فترة كانت تخوض فيها مصر حروباً، من حرب 67، إلى حرب الاستنزاف إلى النكسة، وبعد العودة مباشرة يحصل على استثناء من التجنيد بسبب كونه الابن الوحيد لوالديه، خلافاً لرغبة والده، الذي يريده أن يصبح مدرساً جامعياً مثله، يباشر حاتم بإجراءات افتتاح مشروع مصنع لمستحضرات التجميل، مستفيداً من مناخ زمن الانفتاح، وتحرير الاقتصاد. وهنا تأتي ردة فعل الوالد، عالم الاقتصاد، الذيتيشغل باله فكرة إقامة وإنشاء الاقتصاد الوطني، وتعميم العدالة الاجتماعية، فيتعجب من إنشاء مصنع لمستحضرات التجميل في بلد خرجت لتوّها من الحرب، ما حاجتها له؟ كانت الإجابة بالطبع أن ليست البلد هي التي ستحتاجه، وإنما الأفراد الراغبون والقادرون على استهلاك هذه المستحضرات، في تعبير عن الاتجاه نحو قيم الفردانية والاستهلاك في العصر الجديد.

اقرأ أيضاً: كيف تناولت السينما المصرية تأثيرات هزيمة 67؟
يبلغ التناقض ذروته، في مشهد الديسكو، حيث يُراقص حاتم، مروة وهالة، صديقتيه العائدتين معه من الولايات المتحدة، على أنغام وكلمات أغنية "Go To America"، التي تبدو كتبشير وافتتاح للعصر الأمريكي. في المقابل، تظهر في المشهد السابق، فاطمة، المدرسة التي كان يحيى، شقيق حاتم، قد كتب كتابه عليها قبل استشهاده، وهي تعلم الطلاب في الكُتّاب عداء اليهود، الأعداء الذين قتلوا زوجها.
يخوض حاتم صراعاً شديداً مع والده، وذلك بسبب تفضيله لأخيه الأكبر، يحيى، والذي يرى فيه حاتم نموذجاً لجيل بائد، وهو يؤكد في أكثر من مشهد: "أنا اللي رفعت اسم عيلة زهران في السما.. مش يحيى"، فيجيبه والده: "شوية الرمل اللي شربوا دمه أشرف عندي من كل اللي عملته"، يظهر يحيى، الذي استشهد في الحرب، كنموذج للعصر السابق، عصر الثورة، بينما حاتم هو نموذج للعصر الجديد.

اقرأ أيضاً: السينما السورية: كيف واجه الفن سطوة السياسة؟
الفيلم مليء بالحوارات المتمحورة حول صراع القيم والمبادئ بين العصرين، عصر الثورة، وعصر الانفتاح. في أحد المشاهد يوضح حاتم لمروى (بوسي)، مديرة أعماله: "ده جيل كان عايز يهدّ البلد ويبنيها على الطراز العربي الإسلامي الوحدوي التقدمي، وانتهت المناقصة وهمه لسه محددوش أنهي الأول الوحدوي ولا التقدمي؟!". بينما يوضح لها وفيق (صلاح السعدني)، رفيق يحيى في السلاح، وشريك حاتم، جانباً من وجهة النظر الأخرى: "اشتغلنا السد العالي سوا، وبنينا البيت العجيب بتاع الحرانيّة ده، وكنا نحلم انه بيوت مصر كلها تبقى كده.. ليها طعم ولون وريحة.. ولما وقعت البلد في الفخ واتنكسنا، الكل قعد يفتي.. حاربنا الاستنزاف سوا، وعدينا القنال سوا".

اقرأ أيضاً: 14 فيلماً جسدت صورة الإرهابي في السينما المصرية.. تعرّف عليها
وبعد إبداء مروى نيتها الارتباط بوفيق، يواجهها حاتم برفض شديد: "وفيق بيه بالنسبالك عالم جديد.. محتاج جهد عشان تفكي طلاسمه وكوابيسه.. ده جيل انتهى من زمان.. أفندية وضباط، عايزين يعملوا اشتراكية وتصنيع تقيل في بلد زراعي.. ده عالم وده عالم.. ده طريق وده طريق"، وذلك باعتبار أنها تنتمي لعالم الربح والأعمال، بينما ينتمي وفيق لجيل السلاح، الجيل "البائد".

يخوض حاتم صراعاً شديداً مع والده بسبب تفضيله لشقيقه الشهيد

وهكذا، كانت هذه الأفلام وغيرها، شهادة تاريخية على سلسلة من التحولات الاقتصادية والاجتماعية والقيمية، التي شهدها المجتمع المصري، والتي لا يزال الكثير منها حاضراً ومستمراً حتى اليوم، بل قد يكون حاضراً بشكل أشدّ.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية