14 حكومة خلال 10 سنوات: الضغوط السياسية تربك تونس

14 حكومة خلال 10 سنوات: الضغوط السياسية تربك تونس


08/02/2021

منح النواب التونسيون، أخيراً، الثقة لحكومة هشام المشيشي الجديدة، بعد أقل من خمسة أشهر على منح حكومته الأولى الثقة، في أيلول (سبتمبر) الماضي، ما يثير التساؤلات عن سبب سرعة التعديلات الحكومية، في ظلّ وضعٍ اقتصادي واجتماعي متأزم، إلى جانب معارك سياسية لم تنتهِ منذ 2011.

ورغم أنّ المحللين والمتابعين ما يزالون يرون في تونس البلد الأنجح من بين دول الربيع العربي، ونموذجاً مهماً تمنى كثيرون أن يُطبق في دول أخرى، غير أنّ التغيّر المتواتر في الحكومات أحدث تقلبات اجتماعية، وأربك الوضع الاقتصادي للبلاد، خصوصاً أنّه غالباً ما كان تعبيراً عن حال من القلق الذي تعيشه النخب السياسيّة، التي لم تنفك تعبث باستقرار البلاد على حساب مصالحها السياسية.

التعديل المستمر في الحكومات التونسية، وتغييرها باستمرار منذ الثّورة، ارتبط دائماً بمحاصصات حزبيّة، أراد فيها كلّ طرفٍ سياسيّ نصيبه من السّلطة

التعديل المستمر في الحكومات، وتغييرها باستمرار منذ الثّورة، ارتبط دائماً بمحاصصات حزبيّة، أراد فيها كلّ طرفٍ سياسيّ نصيبه من السّلطة، وهو ما قد يفسّر التناقضات الكبيرة التي شهدتها أغلب التركيبات الحكومية، والتي ضمّت إسلاميين، وعلمانيّين، وثوريين، وأتباع النظام السابق في  الحكومة.

الغنوشي اللاعب الرئيس والنهضة

في تعليق على تغيير الوزراء بصفةٍ متواترة، قال راشد الغنّوشي، رئيس حزب حركة النّهضة والرئيس الحالي للبرلمان التونسي، سابقاً: "دلالة تعدّد الحكومات واضحة وهي أنّ تونس لم تصل بعد إلى الاستقرار المنشود وما تزال ديمقراطيتها هشّة"، رأي لا يخلو من الصّحة رغم أنّ صاحبه مساهم أساسيّ في كل الأحداث التي شهدتها تونس بعد ثورة 2011، في مقدمتها التعديلات الحكومية المتتالية، وفق ما أكده الباحث التونسي والمحلل السياسي، منذر بالضيافي.

الباحث التونسي والمحلل السياسي منذر بالضيافي

وأكّد بالضيافي، في تصريحه لـ "حفريات"؛ أنّ الصراعات الحزبية والتباين السياسي الحالي أثبتا فشل محاولات التعايش بين الإسلاميين (ممثلين في حركة النهضة) وباقي مكونات المشهد السياسي"، لافتاً إلى وجود صعوبات كبيرة في إدماج التيار الإسلامي في الحياة السياسية، لأنّ له نزعة للهيمنة، ولا يكتفي بالمشاركة، وهو ما أثبتته السنوات العشر الماضية التي تلت الثورة التونسية.

اقرأ أيضاً: تسلط البرلمان التونسي والانزلاق نحو دولة الكسوف

وشدّد الباحث التونسي على أنّ الصراع في تونس متواصل منذ أكثر من 10 سنوات حول إدماج هذا التيار الإسلامي، مرجحاً ألّا ينجح هذا الإدماج لأنّ الإسلاميين لم ينجحوا في التأقلم الجيّد مع الديمقراطية، خصوصاً أنّهم يحملون أفكاراً وبرامج تتناقض مع مبادئ الديمقراطية.

في سياقٍ متصل؛ أرجع بالضيافي تتالي تغيير الحكومات أيضاً إلى عدّة أسباب أخرى منها النظام السياسي المعتمد بالبلاد، وهو نظام شبه برلماني أو برلماني، لأنّ الحكومات بالنسبة لمثل هذه الأنظمة يجب أن تكون ائتلافية، وهذا يتطلب تحالف أكثر من كتلةٍ وأكثر من حزب، والحال أنّ هذه التحالفات هشة وغير مستقرّة.

اقرأ أيضاً: الإخوان "تفخخ" جبال تونس.. 10 سنوات من العنف

المحلل السياسي لفت أيضاً إلى أنّ النظام الانتخابي جزء من المشكل؛ لأنّه لا يساعد على صعود حزب أو كتلة أغلبيةٍ لتستطيع تشكيل حكومةٍ مستقرّةٍ، ودون اللجوء إلى تكوين تحالفات مع أطراف لا تتفق غالباً سياسياً، وهو ما يجعل من عمر توافقها قصيراً تماماً كعمر الحكومات.

أمر طبيعي بالنسبة إلى مرحلةٍ انتقالية

تغيير حكومة بأكملها عند كلّ أزمة، يراه الأستاذ في العلوم السياسية، إبراهيم العمري، أمراً طبيعياً بالنسبة إلى مرحلة انتقالية لم تستكمل خلالها البلاد انتقالها الديمقراطي، الذي يعدّ صعباً في تونس، نظراً إلى بروز تيارين؛ أحدهما مع الثورة، وتيار آخر يمثّل الثورة المضادة، وهو ما عقّد عملية الانتقال.

وقال العمري، في تصريحه لـ "حفريات": إنّ "الأحزاب التي تتحرّك حالياً للدفع نحو إجراء تغييرات حكومية هي أحزاب تعمل على تأبيد واقع قديمٍ استفادت منه سابقاً، بما فيها تلك الأحزاب المحسوبة على التيار الثوري، لأنّها لم تستفد من الواقع الجديد".

التغيير المستمر في حكومات تونس يربك الوضع الاجتماعي والاقتصادي

وفسّر التغيير المتسارع في الحكومات بالاضطرابات السياسية وعدم استقرار التحالفات بين الكتل البرلمانية والأحزاب السياسية، التي أدّت في كلّ مرّةٍ إلى تغيير الحكومة القائمة، بحسب الظرف السياسي المستجد حينها، كما أنّ أغلب الحكومات التي تمّ تشكيلها لم تعبّر حقيقةً عن الأحزاب الموجودة في البرلمان، وكانت مستقلّةً؛ لذلك هي لم تكن مدعومةً.

الباحث منذر بالضيافي لـ"حفريات": الحراك السياسيّ أثبت فشل محاولات التعايش بين الإسلاميين وباقي مكونات المشهد السياسيّ؛ لأنّ لهم نزعة للهيمنة ولا يكتفون بالمشاركة

من جانبه، أوضح الأستاذ في العلوم السياسية، الصادق مطيمط، في حديثه لـ "حفريات"؛ أنّه "إلى جانب النظام البرلماني الذي ساهم في إرباك الوضع السياسي، لأنّ التجارب أثبتت نجاحه في البلدان ذات الاقتصاد القويّ عكس الدول ذات الاقتصاد الضعيف، فإنّ الحراك الثوري الذي انطلق في بدايته عفوياً بدأ دون رأسٍ، أي دون نخبٍ سياسيةٍ تقوده، وهو ما اضطرّ الفئة الجديدة الثورية إلى ضمّ المخزون القديم (النخب القديمة والمترهلة)، والنخب الإدارية التي كانت مهمتها الوحيدة الشؤون الإدارية فقط، مثل رئيس الحكومة الحالي، هشام المشيشي، وهو رجل إدارة بعيد عن السياسة، لذلك فشل في مواجهة الوضع السياسي ومعاركه".

14 حكومة منذ 2011

تداولت على تونس، منذ انهيار حكم الرئيس التونسي، زين العابدين بن علي، يوم 14 كانون الثاني (يناير) 2011، تسعة رؤساء حكومات، وأكثر من ثلاثة عشر حكومةً، حيث تم تشكيل حكومتين خلال شهري كانون الثاني (يناير) وشباط (فبراير) 2011، برئاسة محمد الغنوشي، الذي ترأّس الحكومة التونسية في عهد بن علي، بين 1989 و2011، ليتمّ لاحقاً الاتفاق حول شخصية الباجي قايد السيسي؛ ليكوّن حكومةً جديدةً، بين مطلع آذار (مارس) 2011 وأواخر العام نفسه، وبعد الانتخابات البرلمانية التي تشهدها تونس بعد الثورة، تمّ تكليف المهندس حمادي الجبالي الأمين العام السابق لحركة النهضة، بترأس حكومةٍ جديدةٍ بين أواخر 2011 وآذار (مارس) 2013.

وبعد استقالة الجبالي تولى نائب الأمين العام لحركة النهضة، المهندس علي العريّض، ووزير الداخلية في حكومة حمادي الجبالي، رئاسة الحكومة، وقد استمرت من نيسان (أبريل) 2013 إلى كانون الثاني (يناير) 2014، إلى أن تمّ تعيين المهندس المستقلّ، المهدي جمعة، وزير الصناعة في حكومة علي العريّض، بتشكيل حكومة تكنوقراط وقد حكمت طوال 2014.

وفي عام 2015، بعد إجراء ثانٍ انتخابات برلمانية، فاز خلالها الراحل الباجي قايد السبسي برئاسة البلاد، تمّ الاتفاق حول شخصية الحبيب الصيد ليكوّن حكومتين على امتداد عام 2015 والنصف الأول من عام 2016، وكان غالبية أعضائها من حزب نداء تونس بزعامة السبسي؛ ليتم لاحقاً عزله وتعويضه بالقيادي في حزب نداء تونس، المهندس الفلاحي يوسف الشاهد، ما بين صيف 2016 وأواخر 2019، الذي عيّن في حكومة الحبيب الصيد وكيل وزارة مكلف بالفلاحة ثم وزيراً للتنمية المحلية والبلديات.

اقرأ أيضاً: الإسلاميون والعنف في تونس: الاعترافات تأتي متأخرة دائماً

وبعد انتخابات 2019، كلّف البرلمان الحبيب الجملي بتشكيل حكومةٍ جديدةٍ، لم تحظَ بثقة النواب لاحقاً، وتمّ إسقاطها قبل أن تتولى الحكم، ليعين رئيسُ البلاد، إلياس الفخفاخ، رئيساً جديداً لحكومةٍ جديدةٍ، حكمت بين 15 شباط (فبراير) و15 تموز (يوليو)، قبل أن يقدم الفخفاخ استقالته بضغط من حركة النهضة.

آخر رؤساء الحكومات الذين تعاقبوا على تونس، هشام المشيشي، الذي نال ثقة البرلمان في بداية أيلول (سبتمبر) 2020، قبل أن يقرّر تكوين حكومةٍ جديدةٍ، نالت الثقة يوم 27 كانون الثاني (يناير) الماضي، وسط احتجاجات عنيفة شملت مختلف المحافظات التونسية، تطالب بإسقاط المنظومة كاملةً، بسبب سوء الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.

المحلل السياسي عبد الله العبيدي

وفي تعليقه، على هذا التغيّر المتواتر في الحكومات ورؤسائها، أكّد المحلل السياسي، عبد الله العبيدي، لـ "حفريات"؛ أنّ تونس تعيش اليوم مرحلة تفكك الدولة؛ لأنّ من يمارسون السياسة اليوم، ويحرّكون الأحداث بعيدون جداً عن الدولة وعن أخلاق السياسة، ولا يرون غير وظائفهم وامتيازاتهم، لافتاً إلى أنّ جميعهم مارسوا ضغوطات كبيرة من أجل تغيير الحكومات، بحسب مصالحهم السياسية والاقتصادية.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية