​إيران قلقة... الاضطرابات في كازاخستان مؤشر إلى خطر الدّور التركي!

​إيران قلقة... الاضطرابات في كازاخستان مؤشر إلى خطر الدّور التركي!


17/01/2022

يوسف بدر

في أوضاع تشبه الداخل الإيراني؛ حيث الثروة في البلاد، لكن الفساد والمحسوبية والفشل الاقتصادي وغلاء الأسعار تضغط على الشعب؛ يُمكننا فهم ما يحدث في كازاخستان. ولماذا أيضاً هذا القلق لدى إيران من تمدد الثورات الملونة إلى داخل منطقة آسيا الوسطى؟

العنوان العريض الذي صدّره الإعلام الإيراني حول أزمة كازاخستان، هو وقوف الأصابع الأميركية وراء هذه الاضطرابات، وأن العملاء الأجانب هم من قاموا بتحريك الناس هناك. وهنا تشير طهران إلى ثورة ملونة تقف وراءها القوى الغربية لإيجاد التغيير في عمق آسيا الوسطى وعلى الحدود مع روسيا والصين. وهو أمر تقلق طهران من تكراره داخل أراضيها، والتاريخ الحديث يثبت مدى تأثر الداخل الإيراني بما يحدث في جواره، بخاصة في شمال البلاد، والثورة البلشفية (1917) وتمددها من روسيا إلى دول آسيا الوسطى وإيران شاهدة على ذلك.

انزياح التّجربة

تشابه الواقع بين داخل إيران وكازاخستان، دفع المتحدث باسم الخارجية الإيرانية إلى تأكيد أهمية استقرار هذا البلد وأمنه؛ رغم التعاون الوثيق في المجالات الاقتصادية والعسكرية بين كازاخستان وإسرائيل، العدو اللدود لإيران. لكن الاضطرابات في كازاخستان يمكن أن تنسحب إلى إيران أيضاً؛ فالموازنة الجديدة في إيران تتجه إلى رفع مستوى الضرائب وأسعار المحروقات، في بلد يعاني من تبعات العقوبات الاقتصادية وأزمة كورونا. 

وقد واجهتْ إيران في تشرين الثاني (نوفمبر) 2019 اضطرابات شعبية مماثلة لما وقع في كازاخستان. والنظام في إيران عاجز عن تحقيق التوازن بين خفض دعم المحروقات وخفض الأسعار في الأسواق؛ وهو ما يجعل المواطن يرفض أي عملية إصلاحية، وتحدد علاقته بالنظام مدى نجاعة تحقيق الإصلاح الاقتصادي، وهو أمر تعجز عن تحقيقه الحكومات التي لا تزال تستخدم الخطابات الشعبوية في كسب تأييد الجماهير لها.

ولطالما هددت الولايات المتحدة إيران بخيارات بديلة في حال فشل التوصل الى اتفاق معها حول ملفها النووي؛ وهو ما يدفع طهران الى القلق على مستقبل نظامها؛ إذا ما دخلت إيران ضمن الاستراتيجية الأميركية "نحو آسيا"، التي تسعى إلى تطويق كل من روسيا والصين. وما يحدث في كازاخستان تجسيد للسياسة الأميركية باستخدام الانقلابات والتغطية عليها بالثورات الملونة؛ من أجل إيصال حكومات موالية للغرب على غرار ما حدث في أوكرانيا.

وإن كان النظام في إيران يتحصن داخل دوائر موالية له؛ بما يُصعّب عملية إسقاطه؛ إلا أن تجارب الاضطرابات الشعبية المتعلقة بسوء الواقع المعيشي والغلاء والفشل الاقتصادي؛ استطاعت أن تهز هذا النظام إلى درجة الخشية من نجاح الحركات الانفصالية في محافظاته الحدودية التي تعاني أزمات حادة، كالتهميش والبطالة والجفاف ونقص المياه. 

ولذلك؛ فإن نجاح قوى المعارضة في إسقاط حكومة داخل آسيا الوسطى هو فرصة لاستلهام مثل هذا النموذج داخل إيران. 

القفّاز التركي

تدرك إيران أن تركيا ومشروعها "الأمة الطورانية" هو بمثابة "قفاز" للتدخل الأميركي والغربي في منطقة آسيا الوسطى، وأن هذا القفاز يقدم مشروعاً مزدوجاً في خدمة تركيا والغرب لتطويق قوة روسيا والصين، وتقديم تركيا على أنها النموذج البديل في هذه المنطقة.

ولذلك بداية من الثورة في أوكرانيا عام 2014، وحتى الاضطرابات في بيلاروسيا عام 2020 والحرب بين أذربيجان وأرمينيا عام 2021؛ نجد القفاز التركي يعمل بنجاعة في إخفاء آثار الأصابع الغربية، وإشغال روسيا بالاضطرابات في الدول المطلة على جوارها مثل كازاخستان بدلاً من الانشغال بأوروبا وتهديدها.

ولدى إيران مخاوف من تمدد هذا المشروع إلى محافظتها الشمالية التي أغلبيتها من الإثنية التركية. والتظاهرات التي خرجت في هذه المحافظات لتأييد أذربيجان في حربها ضد أرمينيا، مؤشر لدى إيران الى جدية تهديدات المشروع الطوراني. وهو ما يعني أن تركيا قد تلعب دوراً ضد إيران بما يخدم أهدافها المشتركة مع الغرب وطموحاتها نحو مشروع الأمة الطورانية.

ولقد كان تحويل "المجلس التركي للدول الناطقة بالتركية" إلى "منظمة الدول التركية" في تشرين الثاني 2021، مؤشراً الى انتقال المشروع الطوراني إلى مرحلة جديدة؛ إذ تسعى تركيا إلى تقديمه، بصفته منظمة دولية، تجمع مجموعة من الدول على أهداف تنموية وسياسية واقتصادية وعسكرية مشتركة، فضلاً عن القدرة على الارتباط بالقوة الأوروبية عبر تركيا.

تهديد التّوجه شرقاً

إذ ما نظرنا الى المحادثات الجارية بين إيران ومجموعة 4+1 في فيينا؛ نجد أن طهران تحت حكم المحافظين تراهن على المعسكر الشرقي في دعم طموحاتها الاقتصادية في المرحلة المقبلة، بخاصة في استخدام آسيا الوسطى في معابر التجارة عبر إيران.

والاتفاقيات الاستراتيجية مع الصين ومع روسيا شاهد على رهان إيران على هذا المحور؛ بخاصة بعد عضويتها في منظمة "شنغهاي للتعاون".

وتقلق إيران من الاضطرابات في آسيا الوسطى بما يهدد هذه الطموحات. وإذا نظرنا إلى موقع كازاخستان وحجمها الكبير وسط مجموعة دول آسيا الوسطى وإطلالتها على بحر قزوين المشترك مع إيران، نجدها تمثل جزءاً مهماً في مشروع "الحزام والطريق" الصيني الذي يعبر أراضيها؛ حتى أن بكين استثمرت بكثافة في البنية التحتية لهذا البلد، وأنشأت منطقة حرة ومركزاً للنقل على حدودها.

وإن تمكنت الاحتجاجات والثورات من دول آسيا الوسطى المجاورة للهند والصين وروسيا؛ فإن إيران قد تكون مضطرة للتقارب مع القوى الغربية من أجل البحث عن أسواق بديلة للتي خسرتها في آسيا.

تجدّد خطر "داعش"

لدى تركيا خبرة في استخدام الإسلاميين لحرق الأرض وتنفيذ مخططاتها؛ وإذا ما نظرنا إلى حرب أذربيجان الأخيرة؛ نجد هناك أحاديث عن نقل تركيا عناصر متطرفة من الإسلاميين إلى هذا البلد تحت ذريعة تحرير الأراضي المسلمة من الاحتلال المسيحي.

والتجربة سابقة في سوريا؛ حيث بدأت الاحتجاجات في كازاخستان ضد ارتفاع أسعار الوقود، ولكن سرعان ما تحوّلت إلى احتجاجات ضد الحكم الاستبدادي والمطالبة بإسقاط النظام. 

وتقلق إيران من تكرار تجربة "ثورات الربيع العربي" في منطقة آسيا الوسطى؛ بما يعزز من تنامي تنظيم "داعش" على حدودها، بخاصة أن دولة كازاخستان، هي البلد الأمثل لاستضافة خزان الجهاديين، لأنها تقع على الحدود الصينية والروسية، فعلى سبيل المثال، هي تقع على حدود إقليم شينغاينغ الصيني ذي الأغلبية من إثنية الإيغور الطورانية، وتسعى تركيا وأوروبا إلى انفصاله عن الصين. 

ولذلك؛ فإن إدخال كازاخستان في حالة فوضى يخلق قاعدة لإضعاف السيادة الصينية في شينغاينغ، مثلما نجد في تجربة حلب السورية وتركيا.

ولذلك باركت طهران التدخل الروسي في إعادة الاستقرار الى كازاخستان تحت مظلة "منظمة الأمن الجماعي" (روسيا الاتحادية، بيلاروسيا، كازاخستان، طاجكستان، قرغيزستان، أرمينيا)؛ لأن هذا يسد الطريق على تكرار التجربة السورية في آسيا الوسطى، بما ينسف المصالح الإيرانية هناك، بخاصة أن تركيا قادرة على نقل الخزان الجهادي عبر بحر قزوين، بما يضمن للولايات المتحدة توجيه التهديد المباشر لروسيا والصين.

المحصّلة 

اهتمام طهران بمتابعة الموقف في كازاخستان؛ هو لخشيتها من انزياح مثل تلك الاضطرابات إلى الداخل الإيراني.

لدى طهران قلق من تكرار ثورات الربيع العربي داخل آسيا الوسطى؛ بما يهدد مصالحها مع المعسكر الشرقي، وبما يعيد تكرار تجربة تنظيم "داعش".

ما حدث في كازاخستان، يكشف جدية الدور التركي في المرحلة المقبلة تحت اسم "الطورانية" في خدمة الأهداف الغربية.

تحرك روسيا السريع تجاه وأد الاضطرابات في كازاخستان، على عكس موقفها المتقاعس من دعم أرمينيا التي هي عضو في مظلة "منظمة الأمن الجماعي"، في مواجهة أذربيجان؛ يكشف أن روسيا تدير مواقفها الخارجية وفق مصالحها الخاصة. ولكن هذا التدخل يشجع إيران على مثل هذه السياسة، التي تنتهجها في العراق وفي اليمن وسوريا ولبنان.

عن "النهار" العربي



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية