وداعاً للإخوان: هل باعت أنقرة "الإسلام السياسي"؟

وداعاً للإخوان: هل باعت أنقرة "الإسلام السياسي"؟


07/07/2021

بعد ثماني سنوات من إزاحة حكم جماعة الإخوان في مصر، وفرار قياداتها وعناصرها إلى الخارج، إثر تورّط غالبيتهم في التحريض على العنف، تبدو متغيرات عديدة، سياسية وإقليمية، تلاحق التنظيم وتفرض تأثيراتها على أوضاعه المهتزة والقلقة.

وتزداد حدة هذه التأثيرات في ظلّ التصدعات الداخلية الهائلة، الناجمة عن احتدام الخلافات بين القيادات، واتساع الفجوة بين القائم بأعمال المرشد، إبراهيم منير، المقيم في لندن، والكوادر التنظيمية الموجودة في تركيا، الأمر الذي تفاقم بعد القبض على القيادي الإخواني في مصر، محمود عزت الذي كان يشغل منصب القائم بأعمال المرشد العام.

الإخوان في تركيا.. رحيل مؤقت أم دائم؟

وتبعاً للمتغيرات السياسية والإقليمية، مؤخراً؛ فإنّ تركيا التي أتاحت رعاية لقيادات وعناصر التنظيم، المصنف على قوائم الإرهاب في مصر وعدد من الدول العربية، بدأت في تقليص الأنشطة الإعلامية والسياسية للجماعة، لجهة التقارب مع مصر، الأمر الذي نجم عنه توقف البرامج السياسية التي كانت تبثّ من أنقرة، بقرار من الحكومة التركية، وذلك بالرغم من تصريحات سابقة للقائم بأعمال المرشد في لندن، والذي رجّح بأن تستمرّ الجماعة في أنشطتها بقطر وتركيا، حتى في ظلّ التقارب الحاصل مع النظام المصري، وقال: "لا أعتقد أنّ شيئاً كبيراً سيتغير في العلاقة بيننا وبين قطر وتركيا".

بيد أنّ التحولات السريعة والمتلاحقة في موقف تركيا، كشفت تأزم أوضاع الجماعة، الذي امتدت أعراضه إلى الكيان التنظيمي ذاته، وقد أعلن إبراهيم منير، مؤخراً، حلّ المكتب الإداري للإخوان المسلمين المصريين في تركيا، وحلّ مجلس شورى القُطر فيها، بالإضافة إلى  تأجيل الانتخابات (مجلس الشورى العام)، والتي كان من المقرر إجراؤها خلال شهر تموز (يوليو) الجاري، لمدة 6 شهور.

عبر عدد من قيادات حزب العدالة والتنمية أنّ توجهات أردوغان تهدد المصالح التركية، وأنّه لا فائدة على الإطلاق من التوجهات العدائية ضدّ القاهرة لصالح تنظيمات الإسلام السياسي

واللافت أنّ هذه القرارات التي لا تبدو مباغتة، تأتي بعد توقف الحوار "الاستكشافي" بين القاهرة وأنقرة، وإعلان الأخيرة رغبتها في استئناف المحادثات التي بدأت في أيار (مايو) الماضي؛ إذ زار وفد تركي برئاسة نائب وزير الخارجية، سادات أونال، القاهرة، للمرة الأولى، منذ عام 2013، لكن سرعان ما أعلن وزير الخارجية المصري، سامح شكري، توقف اللقاءات مع الطرف التركي، لإعادة العلاقات بين البلدين، وذلك إثر تجدد الخلاف حول عدد من الملفات والقضايا، ومن بينها الملف الليبي وأزمة الميلشيات المسلحة، والخلافات في شرق المتوسط.

التقارب المصري التركي وتوظيف ورقة الإخوان

وفي أعقاب قرار الحكومة التركية، الذي يقضي بمنع ظهور "الهاربين وأعضاء الإخوان" عبر المنصات الإعلامية ومواقع التواصل الاجتماعي، قال وزير الخارجية المصري، مطلع الشهر الحالي، إنّها "خطوة إيجابية من قبل السلطات التركية، نحو تطبيع العلاقات بين البلدين".

وأوضح شكري؛ أنّ "قرار منع الهاربين وأعضاء جماعة الإخوان المسلمين، التي تراها الحكومة المصرية كياناً إرهابياً، من الظهور على الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، سياسة تتسق مع قواعد القانون الدولي، وهي خطوة إذا استقرت واستمرت ستؤدي إلى تطبيع العلاقات واستمرار الاتصالات بين القاهرة وأنقرة، على مستويات مختلفة لوضع إطار العلاقات المشتركة".

اقرأ أيضاً: حل الذراع الإخواني في تركيا وسقوط الطابع الوظيفي للإخوان

كما رأى وزير الخارجية المصري؛ أنّ "العلاقات الطبيعية بين الدول مبنية على عدم التدخل في الشؤون الداخلية"، لافتاً إلى أنّ "عودة العلاقات الطيبة بين مصر وتركيا سيكون لها تأثير على مجريات الأحداث بليبيا؛ إذ إنّ الشأن الليبي له تأثير على الأمن القومي المصري".

الباحث المتخصص في شؤون الإسلام السياسي عمر البشير الترابي لـ"حفريات": القرارات "المزعومة" الصادرة من القائم بأعمال المرشد العام في لندن، ليست سوى غبار كثيف غرضه التضليل

وفي حديثه لـ "حفريات"، يشير سركيس قصارجيان، الصحفي المختص في الشأن التركي، إلى أنّ البراغماتية التي تتميز بها سياسات حزب العدالة والتنمية، خاصة رجب طيب أردوغان، دفعتهم نحو توظيف ورقة الإخوان واستخدامها دون أيّ انتماء أيديولوجي أو ولاء تنظيمي تام. ويردف: "والآن يقع النظام التركي تحت ضغط إستراتيجي في الإطار الإقليمي مع مصر، عبر ملفين رئيسَين، هما الأزمة الليبية والميليشيات المسلحة، من ناحية، وثروات شرق المتوسط وما يرتبط بعزلة تركيا في هذه المنطقة الحيوية من العالم، من ناحية أخرى".

براغماتية الإخوان ومناورات أردوغان

يلفت قصارجيان إلى أنّ القاهرة لم تضع ورقة الإخوان في مقدمة أولويات مباحثاتها مع أنقرة، وذلك لإدراك الأولى أنّ ثمة عوامل داخلية تضغط على الأخيرة، سوف تدفعها حتماً لحلحلة وضع الإخوان في الداخل التركي، وتتمثل تلك العوامل في الضغوط المتزايدة التي مارستها أحزاب المعارضة ضدّ أردوغان، خاصة حزب الشعوب الجمهوري، الذي صرّح، غير مرة، عبر عدد من قياداته أنّ سياسات حزب العدالة والتنمية وتوجهات أردوغان تدفع المصالح التركية بعيداً، وأنّه لا فائدة على الإطلاق من التوجهات العدائية ضدّ القاهرة لصالح تنظيمات الإسلام السياسي.

دشنت السياسة التركية، خلال السنوات الماضية، باتجاه جماعة الإخوان، جداراً صلباً وسميكاً بين أنقرة، من ناحية، وأبوظبي والرياض، من ناحية أخرى، وذلك بدرجة الخلاف والقطيعة نفسها التي حدثت مع القاهرة، كما أنّها فاقمت الأزمة الاقتصادية التركية، لا سيما مع تراجع الدعم القطري، بحسب الصحفي المتخصص في الشأن التركي، وهو ما ألقى بظلاله على الدعم المالي الذي كان يقدم بسخاء للإخوان، فضلاً عن انعكاسات ذلك السياسية على النظام، محلياً، وخسارة أدوغان انتخابات البلديات الكبرى التي كانت مسؤولة، بشكل مباشر، عن الدعم المالي الذي كان يقدم سابقاً لقيادات الاخوان من توفير إقامة وأموال سائلة بشكل منتظم.

التضليل والخداع الإخواني

ومن جانبه، يرى الباحث المتخصص في شؤون الإسلام السياسي، عمر البشير الترابي، أنّ كلّ هذه القرارات "المزعومة"، بحسب توصيفه، والصادرة من القائم بأعمال المرشد العام في لندن، ليست سوى "غبار كثيف غرضه الوحيد التضليل والتزييف والإمعان في الخداع الإستراتيجي"، موضحاً في حديثه لـ "حفريات"، أنّ موقف الإخوان "ليس انحناءً للعاصفة ولا هدنة ولا عقلنة ولا أيّ شيء من ذلك، إنّه تماهٍ مع الطبيعة الإخوانية".

الباحث المتخصص في شؤون الإسلام السياسي عمر البشير الترابي

ويردف: "كلّ الانشطارات الإخوانية مقصودة، إذ إنّ كلّ القرارات المعلنة، الغرض منها الإعلان والدعاية فقط، ولا يوجد جذر حقيقي لها؛ فالجسم الذي يتحكم في الإخوان، طوال تاريخهم، لم يكن هو المعلن، ولا المشهر، وإنّما ظل سرياً. الإخوان يريدون مصالحة الدولة المصرية، يريدون العودة لمرحلة ما قبل مبارك بأيّ ثمن، وتركيا تحاول مساعدتهم، ظناً بأنّ الظرف الدولي مواتٍ لهم، وهذه الرغبة جيدة، بصورة أولية وإجرائية، لكنّ المطلوب لبناء أحزاب مؤسسية وشفافة وتدعم مسار المواطنة ما يزال بعيداً عن الإخوان، هذه الزوبعة الراهنة ليست مهمة، بل محض خلافات تنثر لإرضاء أوراق الصحف، والناس، وممارسة الخداع الإستراتيجي".


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية